نظامي الكنجوي: شَاعر الرومانسيَّة المًلحميَّة والمُفِّكر العَالمي بعيون مِصرية
أجنادين نيوز /ANN
بقلم: الاستاذة منال علي
*التعريف بالكاتبة: إعلامية من جمهورية مصر العربية في الإذاعة المصرية – القاهرة، ومتخصصة بالشأن الثقافي العربي والشؤون الصينية.
ـ تحرير وتدقيق: الأكاديمي مروان سوداح (الأُردن).
يُعد شاعر التراث الأذربيجاني واستاذ الشعر الرومانسي نظامي الكنجوي، وشهرته أبي محمد، واحدًا من أعظم مَن نظموا الشعر التراثي وأيقونة الفِكر الإسلامي، ودُرَّة الابداع والتميّز في الحكمة والفلسفة.
بعد مرور ٨٨٠ عامًا على مولد شاعر الحِكمة والتصوّف في بلاد القوقاز ” نظامي الكنجوي”، ورائد حركة الأدب التنويري في القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السادس الهجري)، قرَّر الزعيم إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان الشقيقة، جعل هذا العام ٢٠٢١ عام الشاعر الكبير (نظامي الكنجوي).
وقبل أن نودِّع عام ٢٠٢١، نود أن نلقي نظرة على صاحب الفكر الإسلامي ودرة تاج المَشرق، ونتعمق أكثر لننهل من خزائن المعرفة لصاحب الموهبة الاستثنائية الذي ولد بمدينة ” كنجة” بأذربيجان.
مَن هو نظامي الكنجوي (كنجافي)، وكيف أصبح يُمثِّل الفكرة الرئيسية للثقافة الآذرية عبر العصور؟
إنه شيخ نظامي الكنجوي، واحدًا من فطاحل الشعراء في بلاد المشرق، والذي يحمل اسمه أكبر وأعرق شارع في مدينة باكو عاصمة أذربيجان، (شارع نظامي الكنجوي)، ملتقى الشباب وطلاب المعرفة من أنحاء العالم، يذهبون إليه ليشتموا عبق الماضي وريحانة الشعر التراثي التي قلمَّا جاد الزمان بها في دنيانا، وكذا يُعد مقصدًا للسائحين من مختلف بقاع الأرض، خاصةٍ المهتمين بالآداب والفكر الشرقي الأصيل.
ومِن داخل مركز “نظامي الكنجوي”، بالعاصمة الآذرية باكو، والذي أمر الرئيس إلهام علييف بإنشائه منذ عشر سنوات، بات يَضم من بين أعضائه شخصيات سياسية وإبداعية مهمة في كافة المجالات والتخصصات. من بين هؤلاء، أمين عام “جامعة الدول العربية” الأسبق، السيد عمرو موسى، وهذه الشخصيات البارزة العديدة، ورؤساء الدول الكبرى يلتقون حول مائدة ضخمة من التفاهم، تجمعهم ثقافة التسامح والتعددية الفكرية، ترعاها روح زكية وهَّاجة بذكرهِ، رغم رحيل صاحبها عن عالمنا.
يهدف المركز الذي يحمل اسم الشاعر المُبدِع نظامي الكنجوي إلى إثراء التعدِّدية الثقافية، وإذكاء روح التعاون، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين دولة أذربيجان وباقي دول العالم، عن طريق نشر مشاعر المحبة والتأخي.
ومن الجدير بالذكر، أنه قد تم منح رئيسنا، السيد عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مِصر العربية، أعلى جائزة شرفية عام ٢٠١٧ باسم مركز نظامي الكنجوي، لدوره البارز في نشر التسامح ومحاربة التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم. فكل أشعار المُفكِّر الكبير الملقب بأبي محمد، إنَّمَا تنضوي على أوصاف جميلة تحمل معانٍ مختلفة للأخلاق الحميدة، كرسالة إنسانية سامية تخدم العالم بأسره، وتَعْبُر حدود العِرق واللون نحو إنسانية سامية مجرَّدة من شوائب التمييز والاختلاف.
سِحر خلاَّب يأسر القلوب تضمنته أعمال نظامي الكنجوي، يربط الشرق بالغرب، ويؤكد على قوة تأثيره الإقليمي والعالمي.
كان العالم والمُفكِّر والفيلسوف الكبير شاعر الرومانسية نظامي الكنجوي، غزير الإنتاج في نَظمِ الشِّعر، فقد كتب أكثر من ٣٠ ألف بيت، تحمل كل مجموعة أبيات عناوين لقصص مختلفة، مثَّلت أهم أشكال القوى الناعمة لأذربيجان، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، “ليلى و المجنون”، وهي القصيدة التي ألهمت شكسبير الشاعر الانجليزي، لكتابة مسرحيته الشعرية الشهيرة “روميو وجوليت”، فكان بذلك نبراسًا يُضيء للعالم بأسرة دروبًا كانت مُظلمة، قبل أن يَنظم بكلماته قنديلًا داخل العُقول، تتلاشى معه حدود المكان والزمان، ويُسطِّرِ بها حروف اسمه من نور ونار، كما أرض منشأه “كنجه”، المعروفة بأرض النار الشهيرة.
أمَّا عن مِصر التي أحبها كثيرًا فبادله أهلها حُبَّا بحبٍ قد خصَّ ذكرها بالنصر، واصِفًا إيَّاها بالسيف البتار على الأعداء في قصيدته “اسكندرنامه”، كما تَغَزَّل بالحدث الأبرز لفتح مدينة الإسكندرية على يد الاسكندر المقدوني، فقال عنه العلاَّمة في علوم القرآن أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الجرواني المِصري، أحد أهم أهل الحديث: “مُكثَّت في الإسكندرية ستون سنة، لم أرَ منارتها إلا من هذه الطاقة (يَقصد شرفة غرفته)، ولم يُخرجني منها إلا عَظَمَة ما قرأت في شِعر نظامي الكنجوي رائد المُستشرقين، وأول رحَّالة في عالم الفِكر الشرقي الأصيل أبو الحب الذي جَابَ الأرض شرقًا وغربًا بحثًا عن العِلم والحق والمعرفة، فاستحق بذلك لقب “إمام الحِكمة”، ولا عجب في ذلك، “فديار أذربيجان في الشرق عندنا كالأندلس في العِلم والآداب، فَمَا أن تكاد في الدهر تلقى مَميزًا من أهلها إلا وقد جَدَّ في الطلب”، وهكذا كان شاعرنا الكبير.
أمَّا الذي جَعَلَ من نظامي الكنجوي شخصية عالمية استحقت أن تكون شخصية العَام، أنه كان أول من رَسَخَ لفكرة حقوق الإنسان في القرن الثالث عشر، فكان دائم الحديث عن ضرورة حِفظ الكرامة الإنسانية عبر آلياتها الاستراتيجية مناشدًا ابنه، عبر أبيات شِعرِهِ، بالحرص عليها، مُشددًا على التمسِّك بالعدل والقِيم الانسانية، إيمانًا منه بأن “العَدل أساس المُلك”، رغم أن تلك المبادئ لم تكن منتشرة في ذلك الوقت، إلا انه حَرِصَ على نقلها للعالم كله عبر أعماله التي نظَّمَها بلغات مختلفة، كالفارسية، والآذرية، ومن خلال التراجم إلى اللغتين الأردية والعربية، فاستحق لقب شاَعر الشرق والغرب عن جدارة واستحقاق، وسيظل يَشهد على عَظمته تلك تمثاله القابع في متحف الآداب بمكتبة الإسكندرية، المُهدى للمكتبة منذ ٦ أعوام، والذي يَحرص الزائرون في كل مرة أن يقفوا له إجلالاً وتوقيرًا، احتراماً لرسالة العدل التي حملها للإنسانية كافة عبر العصور.
رَحَمَ الله نظامي الكنجوي، وظل أسمة مخلَّدًا في التاريخ بحروف من نور، لِمَا قدَّمه مِن أعمال ستَحيَا طويلَا في ضمائر الشعوب وقلوبهم.