طريق الحرير الصيني الرقمي والمنافسة على أشدّها بين الكبار
أجنادين نيوز /ANN
بقلم الصحفي سامر كامل فاضل
كاتب وشاعر سوري وصديق للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين.
أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013 الذي يهدف إلى تطوير التعاون الاقتصادي بين الصين والدول الواقعة على طول طريق الحرير التاريخي، والتي غالباً هي دول فقيرة وضعيفة في مجال الصناعة والتجارة الدولية، وقد تطلّب هذا الترابط الاقتصادي بين هذه الدول والصين بناء البنية التحتيّة الاقتصادية لهذه الدول من الطرق والموانئ والسكك الحديدية وغيرها.. وبات هذا التعاون الاقتصادي له القدرة على تمكين المناطق المحرومة في هذه الدول من التواصل مع العالم الخارجي من خلال منصّات التداول الرقمي أو الشبكات الاجتماعية الصينية مثل We chat و Taobao وكان له تأثيراً إيجابياً على المجتمعات الأكثر فقراً والمحاصرة سابقاً بسبب عزلتها جغرافياً. وكان أول ما حصل ذلك في المناطق الريفية الصينية، إذ دفع الاقتصاد الرقمي والشركات التي تعمل داخله إلى الحد من الفقر في هذه المناطق، وانسحابها إلى مجتمعاتٍ أكثر تطوراً وانخراطاً في عالم الاقتصاد المتحضّر وارتقائها شيئاً فشيئاً لمستويات معيشية أفضل، وكان ذلك قد برز جليّاً بعد خطاب الرئيس الصيني جين بينغ في قمة مجموعة العشرين عام 2015 ، حين بيّن إمكانية تحقيق نتائج طموحة من خلال التعاون بين بلدان مبادرة الحزام والطريق بالدمج بين رقمنة طريق الحرير وأهداف التنمية المستدامة. ومن هنا ومن مبادرة الحزام والطريق تمخّض مشروع طريق الحرير الصيني الرقمي الذي يهدف إلى ربط البلدان بكابلات الألياف الضوئية والهياكل المحمولة وروابط التجارة الإلكترونية وإدخال معايير فنية مشتركة في الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، وقد قامت الشركات الصينية مموّلةً من الحكومة الصينية بإعادة هيكلة وبناء البنية التحتيّة لهذه البلدان لتصبح الشبكات المبنية من قبل الصين حول العالم حلقة الوصل بين الاقتصاد الرقمي ومناطق نائية لأول مرة. وسعى طريق الحرير الصيني الرقمي لأن يكون نظاماً رقمياً آسيوياً وعالمياً أكثر تمركزاً حول الصين وأقل تمحوراَ حول الولايات المتحدة الأمريكية، ليفتح بذلك أسواقاَ جديدة لعمالقة التكنلوجيا الصينيين مثل Huawei وتعزيز الاتصال الرقمي العالمي مع الصين انطلاقاً من رؤيا شاملة للحكومة الصينية لتعزيز حضورها في عالم التقنيّة، وتحقيق استقلالية أكبر في النظام الرقمي العالمي ومساعدة عمالقة التكنلوجيا الصينية والمنتجين الصغار على تعزيز مبيعاتهم وعلاقاتهم المحليّة ودخولها الأسواق الخارجية بلا منازع. وقد بدأت المنافسة الحقيقية التي تدور في جميع أنحاء العالم النامي، وسعت الصين لتوصيل العالم والفوز بالمستقبل من خلال مشاريع البنى التحتية التقليدية التي تحتوي جميعها على مكوّن رقمي من شبكات الجيل الخامس وأنظمة المراقبة وكابلات الألياف الضوئية التي تدعم الذكاء الصناعي، والتي أنتجت حرب المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من أجل السيطرة على شبكات المستقبل، لتدخل متاهة معقّدة من الطموح الجيوسياسي والمنافسة على الجيل القادم من التكنولوجيا. وقد وصلت العلاقة الصينية الأمريكية إلى ذروة التأزّم و الاستنفار، لدرجةٍ بدأ يقترب فيها النظام المصرفي في العالم من لحظة الانفجار، فالنظام المصرفي العالمي بأهميته الاقتصادية لم يعد موقعاً اقتصادياً، بل هو موقعاً سياسياً، لأنه عندما يبدأ التحرر من النظام المصرفي الأميركي ببدائل مثلما فعلت الصين، وتبدأ أجزاء واسعة من السوق العالمية بالخروج من المنظومة المصرفية الأميركية وتبدأ الرقعة الجغرافية لها بالتقلّص، فهذا يعني أنّ قدرة النظام المصرفي كأداة لفرض المصالح السياسية على الدول بدأت بالتراجع. والتحوّل المهم الذي ظهر جليّاً هنا بالنظام الروسي الصيني بالذهاب جدّياً لإطلاق منظومة مصرفية عالمية جديدة حسب النموذج الصيني الذي أنشأ انترنت خارجي خاص به وله مفتاح ربط وفصل على منظومة شبكة الإنترنت العالمية، أي إنشاء محرك بحث صيني ليس له علاقة بمحرك البحث غوغل العالمي، وأصبح لدى هذه الشبكة 830 مليون مشترك لا يستخدمون محرك البحث غوغل، وبدل برنامج Whatsapp للمحادثة أصبح لديهم برنامج We chat أي انترنت داخلي صيني صرف. باختصار أنشأت الصين نظام السور الإلكتروني الشبيه بسور الصين العظيم الذي كان يحمي الصين من الغزوات الخارجية، وهنا نظام الاكتروني صيني يحمي الصين من الغزوات الإلكترونية، فأنت لا تستطيع الدخول إلى الفضاء الصيني الإلكتروني دون المرور بهذا السور، وهكذا تم بناء منظومة مصرفية صينية على هذا النمط. وقد تم بناء تكامل بين الصين وروسيا بما لروسيا من تطور عسكري بالسلاح والمنظومة العسكرية و ما لدى الصين من بناء للقوات العسكرية المنظمة، إضافةً إلى تكامل اقتصادي أساسه أن روسيا من الدول الأولى في العالم المنتجة للطاقة والصين هي الدولة الأولى باستهلاك الطاقة، وبالتالي هذا التكامل بين الصين الزراعية والصناعية وروسيا التي تحتاج إلى هذه النهضة على قاعدة منظومة مصرفية جديدة بينهما لا تمر بالمركز الأميركي، فهذا سيعني أنها ستصبح وجهةً ممكنة للعديد من الدول والخروج من المنظومة الأميركية. وهنا اتجهت روسيا إلى شركة هواوي من أجل شبكات اتصالاتها من الجيل الخامس الغير قادرة على إنتاجها بجودة عالية بمفردها، لتعزز الشركات الصينية مكانتها في السوق الروسية وتحسين مكانتها في معركة الأسواق الناشئة الأخرى، وكان ذلك من أصعب التحديات التي واجهتها واشنطن في تشكيل بدائل لمبادرة الحزام والطريق، وهي لا تزال تتطلّع إلى التنافس مع الصين في ساحة المعركة الرقمية في جميع أنحاء العالم إلى يومنا هذا.