طريق الحرير.. ماضي العراق الاقتصادي المشرق مع جمهورية الصين الشعبية .. الجزء التاسع
اجنادين نيوز / ANN
باسم حسين غلب – كاتب وصحفي عراقي
بدايةً وقبل الخوض في تفاصيل الخطوة العراقية باتجاه جمهورية الصين الشعبية، التي اختلفت وتنوعت تسمياتها، بين الاتفاقية ومذكرة تفاهم والبعض الآخر يرى انها معاهدة، على اية حال الخطوة العراقية، كانت وماتزال موضع ترحيب الشارع العراق، لعدة اسباب، أهمها : ان ” الصين في عام 2030 ستكون القوة الاقتصادية الأكبر عالمياً وبعدها الهند وبعدها امريكا ..حيث سيكون الناتج القومي الصيني ضعف الناتج القومي الأمريكي تقريباً. الصين الآن لديها ستة مصارف عالمية تعتبر من العشرة الأوائل من البنوك العالمية. الصين لها ميزة في الميزان التجاري حيث يكون لصالحها مع كافة دول العالم ” (1) .
ليست الصين وحدها من تخطط لسنوات قادمة ، بل جميع الدول التي تحترم شعوبها، وتحافظ قياداتها على موارد بلدانهم ، إلا العراق، ربما هو البلد الذي ينظم إلى قائمة الدول المتخلفة ، التي تفتقر إلى خطط ومشاريع مستقبلية. نعم قد يسمع بها الشارع العراقي منذ سنوات، إلا أنها غير موجودة على أرض الواقع، منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا .
ايضاً من الأسباب الأخرى للتوجه (الشعبي) نحو الصين هو: : ان الصين تخطط لأعوام إلى الأمام وتختلف خططها بأنها تكون طويلة الأمد داخلياً وخارجياً وبسبب تعدد مستويات الجودة للسلعة الواحدة التي غزت كل الأسواق بها. وهذا التخطيط اكيد انسحب على الحزام الاقتصادي وطريق الحرير الذي رسمته الصين وعلى هامش طريق الحرير التاريخي، وخصصت مئات المليارات للعملية التي باشرت فعلاً باجزاء متفرقة منها وفي دول عديدة سواء الخط البحري أو البري” (2)
بالفعل السلع الصينية باتت تؤرق الولايات المتحدة الأمريكية ، بسبب الاقبال الكبير والواسع من قبل السوق العالمية عليها، مع الاحتفاظ بجودة عالية، خلافاً لما يثار في هذه النقطة تحديداً وربما تقف خلفه جهات دولية لها مصلحة في التقليل من جودة البضائع الصينية ، لأنها بالتأكيد تشكل خطر حقيقي على بعض الدول.
كذلك يرى الشارع العراقي، ان الاتفاق مع الصين (اقتصادياً)، افضل بكثير من عقد اتفاقيات وتفاهمات تجارية مع دول غير مؤهلة اقتصادياً ، بل عاجزة بسبب الظروف الاقتصادية التي تعاني منها بلدانها من تقديم افضل الخدمات لمواطنيها، كما هو الحال للعديد من الدول ، في مشروع اطلق عليه تسمية ” الشام الجديد” .
فكرة المشروع بحسب خبراء في مجال الاقتصاد ” يعتمد على الثروة النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق، مقابل الكتلة البشرية الضخمة لمصر، وتنظم لها الأردن بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط العراق بمصر” (3) ياسادة القضية العراق لم يدخل إلى حلبة مصارعة كي يستعين بالكتلة البشرية المصرية ،ثم العراق فيه من الشباب الخريجين ومن مختلف الاختصاصات، تحملوا ما تحملوا من ضرب واهانة واعتقال ودخان المسيل للدموع والرصاص ما يكفي. الكتلة البشرية المصرية ليست الذريعة الوحيدة لحكومة الكاظمي للاستغناء عن اتفاقية الصين التي ابرمتها حكومة عادل عبد المهدي الذي اطيح به في مظاهرات احتجاجية واسعة شهدتها مدن الجنوب، والتوجه نحو مصر والأردن، بل إن مشروع الشام ، وبحسب الخبراء تهدف إلى ” تنشيط خط نفطي من البصرة الذي يصل إلى سيناء المصرية، عبر الأراضي الأردنية وعلى هذا الخط تحصل مصر والأردن على تخفيضات تصل إلى 16 دولار على البرميل، بينما يستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن ، إضافة إلى استقطاب بغداد للاستثمارات من البلدين، والتعاون في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ” (4) .
بالنسبة إلى قضية استقطاب بغداد للاستثمار ، كذبة لا يصدقها الشارع العراقي، لسبب بسيط : ان بغداد غير قادرة على اعانة نفسها ، ولا تستطيع اعمار حي سكني في قلب بغداد، ناهيك عن عجزها عن اعمار وبناء المدن الخربة الأخرى، سنوات والشعب العراقي يتظاهر من اجل الاعمار والخدمات. عشرات الشباب قتلوا اثناء مطالباتهم بالخدمات.
السؤال الذي يطرح هنا: هل ان قادة مصر والأردن لا يعلمون بواقع العراق، وبوضع الشارع العراقي المنتفض بين الحين والآخر؟ أم ان القضية يمكن تسميتها بالاستغباء السياسي ، لأن العراق ليست قرية نائية في ماوراء البحار ، حتى توجه له دعوة مثل هذه !. اذاً الموضوع يتعلق بالشق الثاني، الذي يعم بالفائدة على مصر والأردن وربما إلى ما هو ابعد منهما. ونعني بالشق الثاني من الاتفاقية (نفط البصرة).
اذا العراق، ربما من غير ارادته ابتعد عن الخط الصحيح للبناء والاستثمار. وواضح ان المستفيد من وراء عرقلة التنمية والتطوير في هذا البلد يعود إلى التدخلات الدولية والاقليمية التي لا تريد للعراق النهوض وخير مثال، ميناء الفاو الكبير الذي تحاول بعض الدول المشخصة من المواطن العراقي البسيط وليس من قبل الاقتصاديين أو المتمرسين في السياسة ، عرقلته بأي شكل من الأشكال.
في موضوع الاتفاقية العراقية الصينية التي سناتي على ذكر تفاصيلها في مقالاتنا القادمة ، هناك ثمة اخطاء ارتكبتها الحكومة العراقية ومنها: ان التسويق الاعلامي لهذه الاتفاقية لم يكن بالمستوى المطلوب، بل اقل ما يمكن وصفه بالخجول، ولا يرتقي لمستوى يمكن ان يؤثر ويقنع الشارع العراقي بأهمية تلك الاتفاقية على المستوى البعيد.
السبب الآخر : ان الاتفاقية أتت في وقت متأخر جدا، بمعنى ادق ان المواطن العراقي اصبح غير قادر على تحمل المزيد من المعناة، ولهذا انفجر الشارع بعد ابرام تلك الاتفاقية، التي يجهل الكثير من العراقيين اهميتها وابعادها، من ناحية بعدها التاريخي (طريق الحرير القديم)، وبعدها المستقبلي (طريق الحرير الجديد).
اما مخاوف البعض من موضوع رهن النفط العراقي للصين على مدى خمسين عاماً، هذه المخاوف غير مبررة والدليل: ان الشعب العراقي، ومنذ ظهور ” بوادر الصراع على نفط العراق عند وصول البعثة الألمانية إلى العراق في عام 1871 والتي قامت بالبحوث الجيولوجية، حيث استنتجت فيها وجود النفط في العراق وبكميات كبيرة وأعقب ذلك وصول بعثات جيولوجية عديدة من بينها بعثة جيولوجية ألمانية وصلت عام 1907″ (5) منذ ذلك التاريخ والشعب العراقي يعاني من الفقر والحرمان، ويتذكر الشارع العراقي شعارات البعث المقبور: نفطنا لنا ونفط العرب للعرب، وغيرها من شعارات التسويق السياسي ، للاستهلاك المحلي ،وايهام الفقراء ان النفط هو فعلاً ملك الشعب العراقي .
وعندما ادخل صدام العراق في حرب خاسرة مع ايران استمرت ثمان سنوات ، كانت واردات النفط العراقي ، تذهب إلى المؤسسة العسكرية، لإدامة زخم المعركة.
وبعد احداث عام 1990، وما تبعها من قرارات دولية. كان الشعب العراقي هو الضحية، ودفع ثمن باهض، في وقت كان فيه نظام صدام يهرب النفط العراقي، لبناء قصوره الفارهة واقامة حفلات اعياد ميلاده و تتنعم عائلته وزبانيته بواردات النفط العراقي ، ومن واردات النفط العراقي كان صدام يبذخ على الجاليات العربية (الطلبة العرب) بالأموال وبالعملة الصعبة ، في وقت كانت امهاتنا وزوجاتنا واخواتا، يقفن في طوابير طويلة، امام المطاحن الصغيرة التي انتشرت في تسعينيات القرن الماضي، لطحن قشور الحنطة (النخال).
بعد سقوط النظام، سارعت الحكومات (الشيعية) المتعاقبة، للتودد للقادة العرب، لكسب ودهم لضمان بقائهم في السلطة، وابرز ما فعلوه ، تعويض العمالة المصرية بمبالغ يحلمون بها. وآخر تملق عراقي للعرب، (نفط البصرة). اذاً عن أي نفط يتحدث ويتباكى ذلك البعض؟
لهذا يمكن القول : ان مشروع النفط مقابل الاعمار، هو الضامن الحقيقي لمستقبل الأجيال القادمة.
يتبع
المصادر
(1)، (2) جريدة الزمان – العدد (6581) – الأثنين / 10 / شباط (فبراير) / 2020 – ص 8 إتجاهات الرأي
(3)، (4) جريدة الصباح الرسمية العراقية – العدد ( 5150) – السبت / 26 / حزيران – ص 3 العراق.
(5) البصرة وصراع المشاريع الفيدرالية – ج/ 1 – باسم حسين غلب :29- 30 / دار الينابيع – دمشق / ط1 / 2011