لعبة الحظ !
اجنادين نيوز / ANN
المحامي علاء صابر الموسوي
عجيب هذا الإقبال المحموم على قراءة الأبراج والفناجين والطالع والتبصير ومعرفة الحظ وما يخبيء الغد ، من لدن الشبان والشيوخ والنساء والرجال.
هو شيء ليس بالجديد ، بالتأكيد فالأنسان منذُ خُلق يتطلع لمعرفة المجهول والمخبئ المستور في عالم الغيب الذي لا يقدر على إدراكه أو إبصاره أو التكهن به…
التنقيب عن الحظ في جانب منه (( اتكالية )) … إعتماد كلي على القوى الخارجية فيما تعجز عن إصابته القوى الذاتية.. كسب من غير جهد مبذول هو تعطيل مقصود للطاقات والعقل والإرادة والعزم والسعي…
في جانب ٱخر هو (( تخدير )) فالمعتمدون على الحظ يأنسون بالأخبار المفرحة والتنبؤات السعيدة والمفاجئآت السارة… صدقت أم لم تصدق هم يؤملون أنفسهم بصدقها ، وذلك عن طريق تصديقها….
وفي جانب منها ، هي التشاؤم والقنوط ومسألة سعد ونحس ، خاصة لمن يتصور أن له حظاً عاثراً لايقوم أبداً .
وعند البعض هي ثقافة تقوم على (( أُصول )) .. فقد يحدثك أحدهم عن رمية من غير رامٍ ، وعن حظ في السحاب وعقل في التراب ، وأنه لو اتجر بالأكفان لما مات أحد ، وقد يصنف الناس إلى اثنين: ناس (( تكد)) وناس (( تعد)) .. وإن الله أو (( الحظ )) يرسل الجوز لمن لا اضراس له….
فالحظ عند هؤلاء هو (( المفتاح السحري )) و (( وحلال المشاكل )) وأن حفنة من (( الحظ)) خير عندهم من كيس ملآن بالحكمة ، وإذا امتلكت الحظ فذلك افضل من النهوض باكراً ، في رد على أولئك الذين يقولون (( بارك الله ُ لأمتي في بكورها)) وإن الله يرزق المبكرين ، وبالتالي فالقاعدة الذهبية عند البطالين ممن يرقبون إصابة الحظ الهدف ، هي إذا أقبلت باض الحمام على الوتد ، وإن أدبرت بالَ الحمارُِ على الأسد ، فالدنيا إقبال وإدبار ، وليست جهدا وكفاحا وإرادة وتخطيطا…
كلمات من هذا القبيل عند هؤلاء مثار للسخرية والتنذر…
إنها ثقافة الإتكاليين..ثقافة (( التنبلة )) ..ثقافة من يريد أن يصور الحياة عديمة الاختيارات.. وإن النفق مظلم ، وأن الذي (( فاز)) و (( نجح )) و (( تفوق)) وأحرز التقدم ، لم يكن ذلك باجتهاد منه ، بل بضربات حظ وصدف محضة.
الحياة لمن يفهمها بالطبع ، قائمة على الجد والاجتهاد والكد والكدح والزراعة والحصاد..الخ ومن لم يقطف الثمرة بيده فنادرا جدا أن تقع في فمه المفتوح ليأكلها لقمة سائغة هينة لينة.
حتى بطاقات اليانصيب تأتي ضمن عملية اقتراع ، فالدولاب التي تدور أرقامُها أشبه بعملية سحب القرعة من بين مجموعة أسماء ، ولادخل للحظ في ذلك.. وإنما هي (( مشاركة)) ووقوع القرعة على أحد المشتركين ، ولو لم يشترك لما حاز على الجائزة !
بل حتى ذاك الذي جاءته تركة دسمة من عمته الثرية بعد أن أبدى لها من العطف والحنان مالم تنله من أولادها وبناتها.. ربما قام بذلك لوجه الله تعالى لايريد جزاءً ولا شكورا ، ولكن (( إحسانه)) هو الذي دفع عمته لتوريثه ، ولم تورث غيره !
وذاك الذي اشترى متجرا في مكان مغمور ، وكان يحسب أن له مستقبلا زاهراً ثم أنتعشت المنطقة وازدهرت وفتح الله عليه أبواب رزقه .. ليس محظوظاً اعتباطا ، بل مخطِط جيد وناضر للمستقبل بعين بصيرة نافذة…
بعض الدراسات النفسية لموضوع الحظ تشير إلى أن (( الإرادة)) عنصر فعال في بناء (( الحظ )) بما هو خطوة وتوفيق ، فهي تخلق لصاحبها جوا غنياً بالفرص والمناسبات السعيدة ، وليس حسنُ الحظ غير الشجاعة ، والعزيمة الناشطة ، والفطنة الناجمة عن الإنتباه والتعلم ، ومحصلة ظروف نفسية وصفات أخلاقية وأدبية ومزايا شخصية..فقط لا غير.
أما الذين يقرأون الفال والفنجان والطالع والنجوم ، ويدعون أنهم قادرون على أن يخبرونا عما يحدث في المستقبل فرجم في الغيب ، وقد تصيب الحجارة الطائشة رأسا ولكنه لم يكن هدفها المصوبة نحوه !
لو كان هؤلاء بهذه القدرة لكانوا اسعد الناس حظاً ، لكنك تراهم يبحثون عن صيد سهل وساذج مغفل ليوقعوه في شباكهم حتى يرتزقوا من غفلته ليس إلا..
الاعتماد على المصادفة غالبا يقود إلى الخسران ، أما المعتمد على العقل والتدبير والتشاور والتخطيط والثقة والهمة ، والاستعانة بالله بعد أن يهيء ذلك كله ، فهو صاحب الحظ السعيد ، وكما يقال فالأرض البور يمكن زيادة إنتاجها بالتسميد والتحسين والعناية …بمعنى آخر :
(( غير نفسّكّ واستعداداتك ..يتغير حظك)) !!!