التكامل الصيني الروسي بثنائيّة صياغة العالَم الجديد
اجنادين نيوز / ANN
بقلم الصحفي والكاتب سامر كامل فاضل
صديق الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين.
بدأت العلاقات بين الصين والاتحاد السوفيتي في أكتوبر عام 1949 والتي تعتبر من أهم العلاقات على المستوى الدولي، لما تمثّله الدّولتين من أهمية كبرى، فكلتاهما عضوٌ في النادي النووي الدولي وهما من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ولهما حق النقض الفيتو.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 انتهى التحالف الفعلي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بانتهاء دور الانفتاح الأمريكي على الصين وفقاً لصفقة هنري كيسنجر كمستشار للأمن القومي الأمريكي أيام نيكسون لمواجهة الاتحاد السوفيتي.
وبدأ التقارب بين الصين و روسيا عام 1992 ليُعلن الطرفان سعيهما للوصول إلى شراكة بنّاءة بينهما، فتم حل مشكلة العلاقات الدبلوماسية التي كانت بين الصين والاتحاد السوفيتي السابق، وقام الرئيس الروسي بوريس يلتسن بزيارة إلى الصين أكّد خلالها على أهمية التوازن في السياسات الخارجية الروسية بين التّوجه الغربي والتّوجه الآسيوي باعتبار البساط الروسي يمتد على كلتا القارتين الآسيوية و الأوروبية.
وبعد الانتهاء من الاتفاقيتين المتعلقتين بالحدود الشرقية عام 1991 والحدود الغربية عام 1994 تم ترسيخ دعائم الشراكة الاستراتيجية، وكان ذلك خلال قمّة بكين عام 1996 لتأخذ العلاقات الصينية الروسية أبعاداً جديدةً ذات أهميّةٍ كبيرة على الساحة الدولية كان أولها موقف البلدين المشترك والرافض للسياسة الأمريكية وهيمنتها على النظام العالمي، وثانيها التعاون في مجال التقنيات العسكرية لتصبح الصين أكبر مستورد للسلاح الروسي، كما تم تفعيل التنسيق الأمني بين الدولتين في منطقة آسيا الوسطى خصوصاً لتحجيم نشاط الحركات الإسلامية في المنطقة ومكافحة تجارة المخدرات والتصدّي للإرهاب والنزعات الانفصالية.
وكل ذلك كان ضمن إطار احترام كل من البلدين لخصوصية الآخر وعدم التدخّل في شؤونه الداخلية، فقد أكدت الصين أنَّ قضية الشيشان هي من الشؤون الداخلية المتعلقة بوحدة الأراضي الروسية، كما التزمت روسيا بعدم إقامة علاقات رسميّة مع تايوان، وأعلنت أنَّ التيبت جزءً لا يتجزّأ من الصين.
فنشأ تحالف قوي بين الصين و روسيا هدفه الوقوف في وجه الاختراق الأمريكي للمنطقة وخاصّةً المناطق التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي سابقاً وانفرط عقدها، فتم تأسيس مجموعة شنغهاي عام 1996 لتضم كل من الصين و روسيا و طاجيكستان و كازاخستان قرغيزستان ثم انضمت فيما بعد لها أوزبكستان، وهدفت هذه المجموعة إلى تعزيز التعاون بين هذه الدول الأعضاء وإزالة الخلافات المتعلقة بترسيم الحدود بينها، كما عملت المجموعة على مواجهة الاضطرابات الداخلية في هذه البلدان في ظل ظهور الصحوة الإسلامية وبدء تشكل الجماعات المتطرفة فيها، لنجد أنه من هذه المجموعة وبشكل استثنائي فإنّ العلاقة الصينية الروسية تفرّدت بتصاعد واضح انطلق من قناعة الطرفين بأنَّ كل منهما مصدراً مهماً لتلبية حاجات الطرف الآخر، فروسيا المنتج الأول للنفط والغاز في العالم والصين المستهلك الصناعي الأول له ليكون هذا التكامل الاقتصادي مترافقاً مع التكامل السياسي والعسكري، ويظهر المشهد الجديد على الساحة الدولية بصعود هاتين الدولتين كأقطاب متعددة ومؤثّرة في السياسات الدولية.
وتأتي القمة التي جرت مؤخراً بين الرئيسين الروسي و الصيني لتتوِّجَ مشهد إعادة رسم صورة آسيا الجديدة مع توافر عناصر القوة التي تفوَّق فيها الطرفين بدءً من شبكات ال S400 إلى شبكات الحزام والطريق وما نتج عنها من بدء مشروع توريد الغاز الروسي إلى الصين براً وبالتالي الاستغناء عن الغاز القطري في مرحلة لاحقة، ولا شك أنَّ الانسحاب الأميركي من أفغانستان قد مهَّد لإمكانيّة تنفيذ أنبوب الغاز البرّي من روسيا إلى الصين والذي كان سابقاً غيرَ ممكن، في إشارةٍ واضحة إلى الإنكفاء الأميركي في منطقة آسيا والتراجع الكبير للدور الأحادي الذي كانت تلعبه أمريكا في أغلب مناطق العالم.
من هنا نجد أنَّ الصين عملت على إعادة تقييم سياساتها الأمنية وخيارات تحالفاتها فعمدت إلى إنشاء رابط استراتيجي متين مع روسيا لصد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية ومحاربة نزعتها الأحادية، وبالمثل فإنَّ روسيا التي تسعى لاستعادة قوة الاتحاد السوفيتي السابق وألقه فهذا لا يتحقق إلا بمواجهة القوى و الدول الصاعد في المنطقة وذلك من خلال التعاون والشراكة الاستراتيجية مع الصين.
وقد أولى الرئيس الصيني شي جين بينغ العلاقات الصينية الروسية اهتماماً كبيراً بعد وصوله إلى الحكم، فكانت روسيا أول دولة يتوجّه إليها الرئيس الصيني في زيارة خارجية عام 2013 ثم كرّر الزيارة بنفس العام للمشاركة في قمّة دول العشرين في إشارةٍ إلى الأهمية التي باتت تحظى بها روسيا في السياسة الخارجية الصينية والتي سعت إلى تطوير علاقاتها مع روسيا من خلال ارتفاع منسوب المبادلات التجارية بينهما بشكل غير مسبوق، إضافة إلى توقيع اتفاقيات التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية والطيران المدني و أبحاث الفضاء، كما أصبحت روسيا أهمّ مزوّد للصين بالسلاح بعد أن فرضت الدول الغربية حظراً على مبيعات الأسلحة للصين.
كل ما سبق يعكس القلق الأمريكي من هذا التحالف الذي وصل إلى مكانةٍ استراتيجية، وكل مراكز الأبحاث تشير إلى استدارةٍ أمريكية كبيرة في سياستها الخارجية والتي كانت تتخبّط في بقع مختلفة من العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط، لتصبح البوصلة الأساسية لهذه السياسة هي الصين والتطوّر المتسارع لعلاقتها مع روسيا، لكنّ الوقائع علي الأرض تقول أنِّه فات الأوان وأنّ لغة الهيمنة الأميركية وأحادية القطبية في العالم ولّت إلى غير رجعة، والعالم دخل مشهداً تتصدره قوتان كبيرتان الصين و روسيا.