الموقف الصيني من الوضع في أوكرانيا: موقف عقلاني يُجنب البشرية ويلات الحروب ويوفر الحاجة للأمن والاستقرار
اجنادين نيوز / ANN
أحمد بهاء الدين شعبان*
الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري
أعلنت الصين تفاصيل موقفها من الأحداث المتصاعدة فيما يخص التطورات المتسارعة في أوكرانيا، على أثر التداعيات المترتبة على “العملية العسكرية” التي لجأت إليها روسيا لقطع الطريق على إصرار القيادة الأوكرانية على استفزازها، واستدعاء حلف الناتو إلى التخوم الروسية، لكي يهدد الوجود الروسي ومصالحها الاستراتيجية تهديداً عميقاً، لا يمكن لها القبول به، أو التعايش في ظله!
وتنطلق الرؤية الصينية من مبدأ أساسي، يُعد ركيزة رئيسية من ركائز السياسة الخارجية الصينية، وهو مبدأ الحرص على “الأمن المُشترك والشامل والتعاوني والمُستدام”، المبني على مفهوم “وحدة المصير الإنساني”، وأن كل ما يضر طرفاً من أطراف المنظومة الإنسانية ينعكس سلباً على كل مكوناتها، وهو الموقف الذي تبدي من التزام الصين الأخلاقي بالعمل على حماية المناخ، وتقليل الانبعاثات الضارة، والالتزام بمعايير صارمة للاقتصاد الأخضر، وبدت مظاهره واضحة للعيان، حينما اجتاح وباء “كوفيد ـ 19″، العالم، في الموقف المُقدّر للصين، حينما ساهمت بأريحية وكرم في مساعدة شعوب العالم على مواجهة مخاطر وأعباء الجائحة والانتصار عليها!
وعليه فقد رفضت الصين “عقلية الحرب الباردة”، والتي لا تُلقي بالاً “للشواغل الأمنية المعقولة لجميع البلدان”، والتي تلجأ لفرض سياسات حافة الهاوية تحقيقاً للمصالح الضيقة لأصحابها، ذلك أن الصين، تؤمن بأن “أمن أي بلد لا يُمكن أن يأتي على حساب الإضرار بأمن الآخرين”.
ومن هنا فالصين، وإن انطلقت من تأييدها الواضح والقوي لاحترام “وحدة وسيادة وسلامة أراضي جميع الدول”، فهي تشير ـ إزاء الجولات الخمس المُتتالية من توسع الناتو شرقاً ـ إلى وجوب “أخذ مطالب روسيا المشروعة بشأن الأمن بجديّة وحلّها بطريقة مناسبة”، لافتةً إلى أن الوضع في أوكرانيا “تطور في سياق تاريخي مثعقّد”، ولذا فمن الضروري أن تكون “جسراً للتواصل بين الشرق والغرب”، بدلاً من أن تكون “خطاً للمواجهة بين الدول الكبري”.
وتطلب الصين من جميع الأطراف “ضبط النفس اللازم للحيلولة دون تدهور الوضع في أوكرانيا، أوحتى خروجه عن السيطرة”، مع الحرص على حماية سلامة المواطنين ومُمتلكاتهم، والحيلولة دون حدوث أزمات إنسانية واسعة النطاق.
وعطفاً على ما تقدم، فإن الصين تشجع الجهود الدبلوماسية الرامية إلى “التسوية السلمية” للأزمة الأوكرانية، وترحب بإجراء محادثات ومفاوضات “مُباشرة” بين روسيا وأوكرانيا “في أسرع وقتٍ مُمكن”، كما تدعم الصين كلاً من أوروبا وروسيا في جهود إجراء حوار “على قدم المساواة” بينهما، بشأن “قضية الأمن الأوروبي”، والتمسك بمفهوم الأمن الشامل “غير القابل للتجزئة” وتشكيل آلية أمنية أوروبية متوازنة وفعّالة ومستدامة، لضمان نجاح هذا المسعى.
وتطالب الصين “مجلس الأمن الدولي” بلعب دورٍ “بنّاء” في حل هذه الأزمة الخطرة، انطلاقاً من وجوب وضع السلام والاستقرار الإقليميين، وكذلك أمن واستقرار جميع البلدان، في موضع الاعتبار الأول، على أن تؤدي الإجراءات التي يتخذها إلى: “تخفيف التوتر بدلاً من تأجيجه”، والدفع باتجاه تسوية القضية من خلال الوسائل الدبلوماسية “بدلاً من زيادة تصعيد الوضع.
ومن هنا فإن الصين تعارض ـ دائماً ـ الاستشهاد ـ عن عمدٍ ـ بالفصل السابع في قرارات مجلس الأمن، للسماح باستخدام القوة والعقوبات.
لقد تمعنت طويلاً في هذه السلسلة من المفاهيم النظرية والخطوات العملية المُتضافرة المُتكاملة، الحكيمة، التي شكّلت مُحددات الموقف الصيني من الأزمة الأوكرانية المُحتدمة، فوجدتها تمثل سبيكة مُتنتاغمة من الرؤى السياسية الحصيفة، والإجراءات العملية المقبولة، التي تضع “خارطة طريق” مناسبة، يُمكن أن تُوجِد مخرجاً مُناسباً من الأزمة التي تتدحرج وتكبر مثل كرة الثلج، التي سيكون لها آثاراً بالغة الأذى، لن ينجو منها بشرٌ أو جمادٌ، إذا لم تجد الحل العادل المناسب، والذي يُحقق المصلحة والخير للجميع.
ويبقى أن أُشير، إلى أن الحكمة تقتضي الاستجابة إلى هذا الموقف الصيني العقلاني والحكيم، المُنسجم مع مُجمل السياسات والممارسات الصينية المبدئية، والذي ينحاز للسلم والقيم الإنسانية النبيلة، دون أن يُقدم تنازلاً للقوى الإمبريالية ولخططها التوسعية المكشوفة؛ وأن يلقى هذا الموقف الواضح آذاناً صاغية، حتى تتجنب البشرية الأكلاف الباهظة لسياسات العجرفة والاستفزاز والتحرُّشات التي تمارسها الولايات المتحدة وحلف الناتو، وتهديدهما الدائم لاستقرار الدول والشعوب.
وأخيراً، يجب التنويه إلى أن الولايات المتحدة بالذات ليس من حقها أن تتحدث عن أية دوافع إنسانية مزعومة تبريراً لمواقفها، لأن ما فعلته، هي وحلفها العتيد: “الناتو”، بشعوب العراق وليبيا واليمن وسوريا وأفغانستان، ومن قبلها فيتنام وكوريا وغيرها من الدول والشعوب في كل قارات العالم، وما قامت به من نهب واستباحة، وتخريب وتدمير للكون والإنسان، ودعمها الذي لم ينقطع يوماً للدولة الصهيونية العنصرية، على حساب الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، تبقى شاهد لا يغيب على جرائمهما المستمرة، والذي يدحض كل مزاعمهما الكاذبة.