طريق الحرير.. ماضي العراق الاقتصادي المشرق مع جمهورية الصين الشعبية… الجزء العاشر
اجنادين نيوز / ANN
باسم حسين غلب / باحث وصحفي عراقي
أفيرس والتنين ..تسويق لا يرتقي
ذكرنا خلال البحث، إن ثمة معوقات تحول دون، تحقيق الاستثمار في العراق، إلا أن هناك عوامل اخرى لابد من التوقف عندها والاشارة لها، كي تكتمل صورة المشهد السياسي العراقي، الذي أخذ يتدهور بشكل سريع ولافت، مما ادى إلى انفجار الشارع العراقي، في مدن تعتبر من اعمدة الاقتصاد العراقي. قبل استعراض ردود الفعل الغاضبة التي اطاحت بحكومة عادل عبد المهدي، التي يبدو انها تأخرت كثيراً في خطوتها باتجاه الصين. موقع غلوبال أفيرس للدراسات الدولية، ذكر بشأن ملفات الفساد التي يغرق بها العراق منذ سنوات، من إن ” الحكومات العراقية المتعاقبة ، ورغم وارداتها البالغة اكثر من 800 مليار دولار منذ عام 2003، لم تقم بأي جهود إعمار جدية في أي مكان يذكر في البلد.
وبغض النظر عما صرف لصالح القطاع العام الواسع وما يتعلق بتكاليف الجهد الأمني، فإن مليارات أخرى من الدولارات قد أهدرت عن طريق وسائل الاحتيال والفساد بشكل ممنهج وذلك بغياب الشفافية والمحاسبة” (1). الرقم الذي ذكره موقع (أفيرس)، هو بالتأكيد يوازي ميزانيات دول . هذا الرقم يمكن ان ينقل العراق إلى مصافي الدول المتقدمة والمتطورة في مجالات الاتصالات والنقل والصحة والتعليم والطرق والجسور ، وغير ذلك .ان ينهي حالة الفقر التي يعاني منها الشعب العراقي لا أن يخفض من مستوى معدلاته .
ان يحصل كل مواطن على حقه في السكن ، لا ان يعيش في عشوائيات لاتصلح حتى لعيش الحيوانات، وليس لأبناء وطن فيه من الخيرات الشيء الكثير .
القيادات العراقية التي على رأس هرم السلطة ، تتسابق، منذ توليها مهام ادارة البلد عام 2003م، وإلى يومنا هذا إلى تقديم مليارات الدولارات كهبات، إلى هذه الدولة العربية أو تلك، تحت حجج ومسميات كثيرة، في المقابل يتذرعون بعدم توفر الأموال اللازمة ، إذا ما طالب المواطن زيادةً ولو بسيطة في مرتب الرعاية الاجتماعية، أو تحسين مفردات البطاقة التموينية.
ارقام أخرى ، ذكرها الموقع نفسه ، تتعلق هذه المرة بالمبالغ التقديرية لإعادة اعمار المحافظات التي تضررت جراء سقوطها بيد عصابات داعش الارهابية، في حزيران عام 2014. إذ قدرت تكلفة اعادة اعمار تلك المحافظات بحدود ” 88 مليار دولار” (2). علماً ان مدينة الموصل ” بلغت نسبة الدمار في كثير من مناطقها ما يقارب من 80 % خصوصاً من الجانب الغربي القديم” (3) .
اموال ليس بمقدور العراق في وضعه الحالي، توفيرها لأن الفساد نخر جميع مفاصل الدولة.
وبالتالي، فهو غير قادر على اعمار تلك المدن، خصوصاً وان مؤتمر اعادة إعمار العراق الذي عقد في الكويت عام 2018، لم يرتقِ إلى مستوى الطموح، لأن العراق لم يحصل إلا على ” تعهدات مالية بقدر 30 مليار دولار فقط” (4).
السؤال الجوهري ، الذي يطرح هنا: المبلغ المتبقي، من اين يأتي به العراق، الغارق بالفساد ؟.
عندما نقول (بلد غارق في الفساد الإداري والمالي)، هذا ليس اتهاماً وإنما حقائق ، تعلن عنها وتحتفظ بها مؤسسات دولية رصينة، في مقدمتها (البنك الدولي)، التي تشير بياناته الرسمية ، إلى أن المبالغ المصرفية على إعادة اعمار العراق ” كانت قد بلغت خلال المدة 2003 – 2012 فقط (وعلى وفق بيانات البنك الدولي)، 222 مليار دولار. منها 126 مليار دولار تم إنفاقها خلال الموازنة العامة للدولة، و96 مليار دولار منها، تم انفاقها من خلال سلطة الائتلاف المؤقتة، والحكومة الأمريكية، والمنظمات الدولية” (5).
نتحدث هنا عن مليارات الدولارات ، هدرت ولا يعلم الشعب العراقي مصير الكثير منها، مليارات يسمع بها المواطن العراقي، عبر الحلقات النقاشية في البرامج السياسية ، التي عادةً ما تنتهي بتبادل الاتهامات بين الضيوف الذين يوالي كل طرف منها ، جهة سياسية ، كلٌ حسب انتمائه الحزبي والسياسي. أو ان يقرأ عنها في الصحف أو في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في بعض المواقع الرسمية للمؤسسات الاقليمية أو الدولية.
أما على أرض الواقع، فلا يوجد شيء ملموس، إذ ان ” نسبة الإنجاز (التنفيذ) السنوي للمشاريع الممولة من قبل الموازنة العامة للدولة، وبمبلغ 126 مليار دولار ، هي فقط 5 % فقط . ونسبة الإنجاز (التنفيذ) السنوي للمشاريع الممولة من قبل الممولين الآخرين (الأجانب) ، وبمبلغ 96 مليار دولار هي: صفر.(6).
الأمثلة على الفساد المالي المستشري في العراق كثيرة، فلو اخذنا على سبيل المثال قطاع التربية والتعليم ، وتوقفنا امام معناة محافظة عراقية واحدة فقط لا اكثر (محافظة ذي قار)، التي ” تشكو من وجود 126 مدرسة طينية وكرفانية، بالاضافة إلى 270 مدرسة آيلة للسقوط ، و203 مشاريع لبناء المدارس قد توقف العمل به” (7). السبب يعود إلى “تلكؤ الشركات في انجاز المشاريع المدرسية منذ عام 2011، بالرغم من تسلمها نحو 60 في المائة من المبالغ المخصصة لإنشاء المدارس”(8). نبقى في الاطار نفسه (البنى التحتية المدرسية)، ففي هذا المحور ، سجل أولياء الأمور مواقف تستحق الثناء والتقدير. مواقف تحسب لهم، بعد ان تقاعست الوزارة المعنية وكذلك الحكومتين (المحلية والمركزية)، عن اداء واجباتها، بعد أن بادروا إلى ترميم المدارس التي يتلقى فيها ابنائهم التعليم فيها، فقد قام ” أولياء الأمور في مدرستي المحمودية الثانية الابتدائية، ومتوسطة الاعتدال للبنات، بحملة تبرعات مالية لبناء صفين دراسيين، فضلاً عن مساهمتهم في الجهود التطوعية لإكمال عملية البناء التي باشرت بمواد انشائية تبرع بها مواطنون آخرون، فيما قررت ادارة اعدادية الكندي في اليرموك ترميم المدرسة دون مساعدة الجهات الحكومية. (9).
طبعاً هناك عشرات المبادرات التي تقدم بها أولياء امور الطلبة، تخص ترميم وتأهيل المدارس القريبة من مناطق سكناهم ،خاصة في فصل الشتاء، إذ عادةً ما تحتاج شبابيك الصفوف الدراسية إلى استبدال الزجاج المحطم، بآخر جديد وكذلك إلى انارة وطلاء الجدران، فيما يتركز الجهد في فصل الصيف على شراء ستائر للشبابيك، ومراوح سقفية، وتأهيل الصحيات، وما إلى ذلك .
من ملف التعليم ، ننتقل إلى ملف السكن، هذا الملف الذي اهمل كثيراً من جانب الحكومتين (المحلية والمركزية). بحسب مفوضية حقوق الإنسان فإن ” 3 ملايين عراقي يعيشون في 4 آلاف موقع عشوائي. وإن تلك المواقع تضم 522 ألف وحدة سكنية يعيش فيها 3 ملايين مواطن اجبرهم العوز والفقر والظرف الأمني على العيش هناك.(10).
بعد كل هذا الهدر وهذا الفساد وهذا الاهمال الحكومي المتعمد، هل يعتقد من تصدى للمسؤولية ان يستمر الصمت الشعبي، أو أن يبقى المواطن مكتوف الأيدي، إلى ما لانهاية إزاء ما يحصل لخيرات بلده من سرقة في وضح النهار، يقابله تجاهل واضح لجميع مطالبه؟ .
الجواب بالتأكيد لا. لذلك من الطبيعي ان تخرج تظاهرات غاضبة تطالب بالحقوق المشروعة. تظاهرات فيها من المؤشرات السلبية ما هو كثير، لابتعادها في بعض الحالات عن مسارها السلمي الذي يفترض ان تسير عليه، لكنها تبقى حقاً كفله الدستور . مظاهرات كان التعامل معها في غالب الأحيان، بطريقة ادانته منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، والمرجعيات الدينية، بمختلف الديانات والمذاهب، لأنها تسببت بقتل عشرات الشباب الأبرياء، الذين كان همهم الأول والأخير، حصولهم على فرص عمل وخدمات وعيش كريم .
لقد جاء توقيت الاتفاقية العراقية الصينية، في وقت يمكن أن نصفه بالمتأخر، لأن الشارع يعيش حالة من الغليان الشعبي، بسبب انعدام الثقة بينه وبين الحكومات العراقية المتعاقبة، ، لهذا ثارت ثائرته، وانتفض واسقط حكومة عادل عبد المهدي، رغم ان تلك الحكومة، قد خطت خطوة ، ايجابية نحو إرساء علاقات اقتصادية وتجارية مع دولة عملاقة كالصين الشعبية.
لقد كان للإرادة الدولية (الأمريكية) الضاغطة، دور في تراجع العراق عن الاتفاقية الثنائية مع الجانب الصيني، ليعقد في مقابل ذلك اتفاقيات مع دول عربية لا تمتلك خبرات وامكانيات، لبناء بلدانها فضلاً عن مساهمتها في اعادة بناء العراق، الذي يحتاج إلى شركات عملاقة ، ترتقي بمستوى امكانياته الاقتصادية، وحاجة العراق الماسة لها.
ان الشارع العراقي اليوم يتطلع إلى طريق الحرير باعتباره الحل الأمثل الذي لابديل عنه في تغيير الواقع العراقي المزري، وان أي تجاهل لهذا المشروع العالمي العملاق، سيكون فرصة ذهبية لدول عربية، خاصة الخليجية، تحديداً الكويت والأمارات، المتخوفتين من الخطوة العراقية باتجاه اكمال ميناء الفاو الكبير.
المصادر
(1)، (2)، (3)، (4) جريدة المدى – العدد (4503) – الأحد / 8 / ايلول / 2019 – ص 5 (ترجمة).
(5)، (6) جريدة المدى – العدد (4591) – الأحد / 19 / كانون الثاني / 2020 – ص 6 (آراء وأفكار)
(7)، (8) جريدة طريق الشعب – العدد( 13) – السنة 85 – الثلاثاء / 27 / آب / 2019 – ص 2 (أخبار وتقاري)
(9) جريدة طريق الشعب – العدد ( 202 ) – السنة 84 – الخميس / 13 / حزيران / 2019 – ص 6 (طلبة وشباب).
(10) جريدة طريق الشعب – العدد (31) – السنة 85 – الثلاثاء / 24 / ايلول / 2019 – ص 2 (اخبار وتقارير).