إسرائيل والإستثمار في الأزمات
اجنادين نيوز / ANN
هادي جلو مرعي
هكذا درجت العادة أن لايستقيم لهم أمر إلا أن يبعثروا الأوراق، ويخلطوا الأمور على غيرهم، وأن يحدثوا الفوضى، ولايتركون لخصومهم الفرصة ليلتقطوا الأنفاس، ويتحضروا لمواجهة الأخطار المحدقة بهم، ثم يحاولون التفريق بين خصومهم، ويتقربون لطرف، ويعادون آخر، ويحاولون الترويج لأفكار، وعناصر تحريض وعداوات داخل المعسكر المضاد، وأن يمدوا أيديهم بإتجاهات مختلفة حتى إذا وجدوا منفذا يدخلون منه دخلوا، وهي ثقافة لديهم ليست وليدة مرحلة بعينها، بل نتاج تراكم تاريخي موغل في القدم، ومنتج بالنسبه لهم، ويمكن أن يحقق لهم نجاحات تمكنهم من البقاء في المقدمة، أو هكذا يعتقدون، وإذا مارأوا طرفا تمكن من الهيمنة سارعوا إليه بالتودد والتقرب ليكون لهم سندا في مواجهة من يظنونه عدوا، وحتى لو إشتعلت أزمة فإنهم يسارعون ليعرضوا خدماتهم بوصفهم يبحثون عن التهدئة والسلام والتسامح في ربوع الأرض.
عندما نشبت الحرب بين الروس والأوكران، وتبينت صور المعركة، وعلا صوت المدافع، وهدير الطائرات سارع نفتالي بينيت الى دس أنفه بوصفه زعيما عالميا مقربا من طرفي النزاع في موسكو وكييف، وتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي الى العاصمة الروسية موسكو، وإلتقى الرئيس فلاديمير بوتين لمناقشة الوضع المتأزم، وكان أبلغ الأمريكيين نيته القيام بجولة تشمل روسيا وألمانيا للقيام بمايشبه الوساطة على طريقة أسلافه في الحرب العالمية الثانية وهم يفاضلون بين لندن ونيويورك، ولم يكن الأمريكيون متحمسين لهذا الأمر، غير أنهم تجاوزوه، فهي ليست المرة الأولى التي تمارس فيها إسرائيل أدوارا سيئة، وصادمة وتحرج الراعي الأمريكي بوصفها الفتى المدلل، والمرفوع عنه القلم، والذي لايحاسب بل هو كإبن المسؤول الرفيع، أو رجل الأعمال الذي إرتكب هفوة، فلايحاسب، بل تتحرك الوساطات، وترن الهواتف لتأمين عدم محاسبته، ولاحتى إدانته لأنه غير الناس ولايشبه أحدا على هذا الكوكب، والطريف إن الرئيس الأوكراني المفجوع لم يرد على إتصالات بينيت الذي كان يحاول أن يصنع هالة إعلامية حول تحركاته، ويضع إسرائيل في قائمة الدول المعنية بحل الأزمة، لأنه لايريد الإبتعاد عن الحلفاء التفليديين، ولايريد أيضا إغضاب روسيا المتحفزة.
ليس مستبعدا أن هناك من يفكر في إسرائيل بالتحولات الكبرى، والمخاطر الناتجة من الصراعات المثيرة، وغير التقليدية التي أصبح حلفاؤها جزءا من اللعبة فيها، ويرى هذا البعض أهمية عدم خسارة طرف من الأطراف الفاعلة، وحساب العواقب الناجمة عن سوء تقدير القيادات السياسية للموقف الذي قد يصب في غير صالح كيان الإحتلال، وهنا تكمن أهمية دراسة الموقف، والتواصل مع طرفي الأزمة، وبدلا من الدخول كحليف لأحد المتخاصمين، فلاضير من لعب دور الوسيط الذي يجيد لعبة الدهاء والمكر ومشاغلة الأطراف الدولية الكبرى لكسب علاقات ومصالح مستقبلية كرصيد إستراتيجي في لعبة البقاء والديمومة والإستمرار في إحتلال فلسطين، والحصول على دعم دولي من أطراف لم يعد مهما لديها إحترام إنسانية الإنسان، وإعادة الحق لأهله.
من الواضح إن الإرادة الروسية تتجه الى حسم ملف أوكرانيا لجهة منعها من التوجه الى عضوية الناتو، وتدمير بنيتها التحتية، ودعم الحركات الإنفصالية في الشرق وفي القرم وفي مولدوفيا المجاورة كما فعلت مع جورجيا وإقليم أبخازيا، وكذلك قيامها بدعم نظام الحكم في كازاخستان وبلاروسيا عندما واجها خطر التظاهرات العنيفة ضد نظامي الحكم المدعومين من موسكو، ومع ذلك فهذه الحسابات ليست نهائية لأن الإسرائيليين يراقبون أين تتجه الرياح (ليفردوا اجنحتهم) كما يقال.