الحرب الروسية الأوكرانية

اجنادين نيوز / ANN

الدكتورة كريمة الحفناوي

إعلامية مصرية معتمدة للنشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية في الجزائر والوكالات العربية المتحالفة، اجنادين، الحرير، المدائن، السندباد، آشور، عضو متقدم ناشط في الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين.

فى العقد الثانى من القرن الواحد وعشرين بدأ يصعد التنين الصينى اقتصاديا وعسكريا فى منافسة قوية للقطب الأمريكى الأوحد المهيمن بسطوته على العالم منذ تفكك الاتحاد السوفيتى فى تسعينيات القرن الماضى، كما بدأت روسيا فى استعادة قوته الاقتصادية والإنتاجية بجانب صعوده عسكريا، فى المركز الثانى على مستوى العالم.
ومن هنا بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى السنوات الأخيرة فى اعتبارالصين وروسيا من الخصوم، ثم اعتبارهم من الأعداء وتم شن حرب تجارية على الصين أيام حكم دونالد ترامب، وشن حرب إعلامية لتشويه القطبين الصاعدين وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا منذ 2014.
لم تكتف الإمبريالية الأمريكية (وعدد من دول الاتحاد الأوروبى التابعة لها فى مواقفها) بذلك، ولكن بدأت تهدد الصين فى بحر الصين الجنوبى، وتهدد وروسيا بالزج بأوكرانيا المجاورة لروسيا بتهديد أمن روسيا القومى عن طريق محاولة ضم أوكرانيا لحلف الناتو، كما ضمت من قبل دول شرق أوروبا المتاخمة للحدود الروسية لحلف الناتو وتسليحها بأسلحة متقدمة تطال روسيا وتهدد شعبها.
كان من الطبيعى أن تدافع روسيا عن أمنها، فشنت الحرب على أكرانيا فى 24 فبراير 2022 بعدما تجاهلت أوكرانيا وأمريكا وحلف الناتو الرد على ماطلبته روسيا من ضمانات لأمنها القومى.
إن للحروب ويلات تتكبدها الشعوب وتتأثر بها لفترات طويلة من نزوح ولجوء لآلاف بل وملايين من البشر إلى بلدان آمنة هربا من القتل والتدمير، وينجم عنها قتل وإصابة المدنيين، هذا بجانب ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من فرض سياسات جائرة (بالحصار الاقتصادى، والعقوبات الاقتصادية، والحرب التجارية، والتدخل فى فرض حكام تابعين للجالس فى البيت الأبيض فى واشنطن) على البلدان التى لاتتفق مع سياساتها الاستعمارية، وأيضا فرض سياسات الرأسمالية الجديدة القائمة على الهيمنة والسيطرة ونهب ثروات الشعوب، ومن البلدان التى فرضت عليها أمريكا عقوبات اقتصادية إيران وكوبا وفنزويلا وأخيرا وليس آخرا روسيا، والتى تسببت العقوبات المفروضة عليها من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبى فى خسائر اقتصادية طالت كل دول وشعوب العالم.
وإذا كنا لانرضى بالحروب الاستعمارية ولانرضى بالاحتلال الصهيونى لفلسطين وانتهاكاته وجرائمه اليومية ضد الشعب الفلسطينى، فإننا مع حق الدول والشعوب فى مقاومة الاحتلال، كما فى فلسطين المحتلة من الكيان العنصرى الاستيطانى الصيهونى، وأيضا نحن مع حق دولة روسيا فى الدفاع عن أمنها القومى المُهَدد من قبل حلف الناتو ومن قبل أوكرانيا التى تشترك مع روسيا فى الحدود.
جاءت الحرب الروسية – الأوكرانية كاشفة لمواقف كثيرة وفاضحة لمواقف وسياسات أمريكية وأوروبية لطالما تشدق بها المجتمع الغربى (الديمقراطية وحقوق الإنسان)، كما كشفت لنا تلك الحرب وما قبلها جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، عن أهمية الاعتماد على سياسات اقتصادية جديدة
لقد كشفت تلك الحرب عن العنصرية البغيضة لدول الغرب تجاه بقية الدول فى الشرق والجنوب والشعوب العربية والإفريقية وكشفت عن الفكر العنصرى المتطرف والمتشدد تجاه شعوبنا من قبل الدول المتعصبة، والتى صدعتنا بمقولات عن الحرية والإخاء والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن الوجه القبيح لتلك الدول وهو المعاملة الحسنة للنازحين واللاجئين الأوكرانيين باعتبارهم الجنس الأرقى فهم كما قال المسئولين والمتعصبين فى بولندا والعديد من الدول الأوروبية “علينا أن نحتضنهم فهم شبهنا عيونهم خضراء وزرقاء وشعرهم أصفر”، وأضافوا “إنهم ليسوا سوريين أو عراقيين أو إفريقيين”!!.
رب حرب كاشفة للحكومات الغربية التى تكيل بمكيالين، حيث تنتفض ضد روسيا التى تدافع عن أمنها القومى فى الوقت الذى صمتت أمام العدوان الأمريكى على أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، كما تتجاهل وتصمت أمام الانتهاكات اليومية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى يرتكبها الكيان الصهيونى المحتل فى فلسطين يوميا من تدمير، وقتل، وتشريد، واعتقال أبناء الشعب الفلسطينى من نساء ورجال وأطفال وتعذيبهم داخل سجون الاحتلال، هذا بجانب بناء مستوطنات غير شرعية، واعتداءات يومية على المسجد الأقصى وتهويد القدس والمدن العربية الفلسطينية، وإصدار قانون الدولة اليهودية وماتبعه من تهجير قسرى للفلسطينيين، وتطهير عرقى، سجلته منظمة العفو الدولية فى تقريرها فى الأول من فبراير 2022 تتهم فيه إسرائيل بأنها دولة الفصل العنصرى “أبارتهايد” وطالبت بمحاكمتها على جرائمها بحق الفلسطينيين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
تصمت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وتغض البصر عن تلك الجرائم بل وتدعم الكيان الصهيونى وتقدم له السند والعون السياسى والاقتصادى والعسكرى.
وإذا انتقلنا لشق آخر كشفت عنه الحرب الروسية الأوكرانية، وهو شق هام أثر على كل دول العالم فى الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهو التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة والأزمات التى تسببت فيها العقوبات الاقتصادية التى فرضتها كل من أمريكا والاتحاد الأوروبى على روسيا وطالت كل الدول، وذلك للمصالح والاستثمارات المشتركة والمتشابكة بين كل الدول وخاصة بين روسيا والصين من جهة ودول أوروبا والدول العربية والإفريقية من جهة أخرى، حيث تعتمد الدول الأوروبية على استيراد 40% من احتياجاتها من النفط والغاز من روسيا، وتعتمد بقية الدول على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا، هذا بجانب الاعتماد على الإنتاج الروسى من الأسمدة وبعض المواد الخام النادرة مثل البلاديوم والغازات النادرة التى تستخدم فى الصناعات الإلكترونية المتقدمة.كما كشفت الإحصاءات عن أن الدول الأفريقية تستورد من روسيا وأوكرانيا 25% من احتياجاتها من الحبوب الغذائية مثل القمح والشعير ومكونات العلف من الذرة الصفراء وفول الصويا.
إن تداعيات جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية نبهتنا ونبهت جميع الدول إلى الاعتماد على الإنتاج الصناعى والزراعى للاكتفاء الذاتى، وأهمية التخطيط للاقتصاد الإنتاجى وليس الاقتصاد الذى يعتمد على الخدمات والسياحة فقط.
إننا نتمنى أن يتم حل الأزمات بالطرق السلمية وأن يسود العالم السلام وأن تتعاون الدول معا من أجل المنفعة المتبادلة، وتحقيق الرخاء للشعوب، كما نأمل فى عالم متعدد الأقطاب لايتحكم فيه قطب واحد يسيطر ويهيمن على مقدرات الدول والشعوب مما يزيد من الفجوة الطبقية بين دول الشمال ودول الجنوب وبين الشرق والغرب، عالم يسوده المساوة والسلام خالٍ من العنف والصراعات العرقية والمذهبية والتى تؤججها سياسات أمريكا النيو ليبرالية.

زر الذهاب إلى الأعلى