أطفال كوريا: رعاية ملوكية مجانية
اجنادين نيوز / ANN
يلينا نيدوغينا
زُرت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية عدة مرات بدعوات رسمية، إذ إنني أحمل الأوسمة والميداليات من الحكومة الكورية التي منحتني إياها في احتفالات مهيبة في مجلس الشعب الأعلى الكوري (البرلمان)، وتجوّلتُ في رياض وحضانات ومدارس الأطفال، وقد لفت انتباهي فيها النظافة المطلقة، والرعاية والحدب اللافت لاهتمام الزوار، والملابس البهية لهؤلاء الفتيات والفتيان التي تلمع بألوان فاقعة، مانحة السعادة والحبور لهم، لاسيّما أنهم وأولياء أمورهم لا يدفعون مقابل كل ذلك وغيره من الخدمات، وبخاصة التربوية والتعليمية منها، أيّ نقود “أو غيرها”، كما هو أمر ذلك في بلدان العالم الأخرى.
كتبت هذه المقالة عندما شاهدتُ فيديوهات عن هؤلاء الصغار، أبكتني، فهؤلاء الأطفال الكوريون يشبهون ألعاب “الباربي” بجمالهم وبهائهم، وتذكرت أنني قمت بتربية أطفالي الثلاثة في أوضاع مالية معقدة للغاية، فلم يكن لدي ولدى زوجي عمل كافٍ لإعالة الأسرة، وعانينا أنا وهو من شح النقود. ولهذا، لم نرسل صغارنا إلى الحضانات، لذلك لم يكونوا مُرفَّهين ولا مُترفين أو مُتنعمين كغيرهم.
فتية كوريا الاشتراكية الزوتشيه يُسمُّونهم “ملوكاً”، فلهم بالدرجة الأولى تقدَّم الأطعمة والمشروبات والخدمات والملابس والأدوية الأفضل، وكل ذلك مجاناً، ولا يدفعون مقابله سوى كلمة واحدة يوجهونها لدولتهم، ولإدارة حضانات أطفالهم، ومؤسساتهم التربوية والتعليمية التي تدرّس أبناءهم، هي: “شكراً”. أضف إلى ذلك، أنه يتم تعليمهم في مدارس راقية، ذات برامج متميزة، تُسرّع في عملية تطويرهم العقلي وتقبّلهم للعلوم لتحفيز الإبداعات والاختراعات لديهم، تطبيقاً لمثلٍ كوري يُمَاثِل المَثَل العربي، هو: “اطلبوا العِلم مِن المَهدِ إلى اللحدِ”.
خلال الاستعمار الاقتلاعي الياباني للكوريين (1905-1945)، والذي تم تكنيسه من الأرض الكورية، عانت كوريا من عملية إبادة ممنهجة للجنس الكوري، وحتى للغة الكورية أيضاً، التي أرادوا لها الفناء. ولهذا، كان إنجاب التوأم أو “الأطفال الثلاثة التوائم”، “أمراً غريباً وشاذاً”، وأفضى هذا الوضع إلى بؤس كبير للأسرة. لكن، في تموز عام 1947، ولد ثلاثة توائم لأول مرة في كوريا المحررة. واليوم، في كوريا المُعَاصِرة، فإن إنجاب ثلاثة توائم هو موضع سعادة، حتى إنهم يسمونهم بـِ”ثلاثة توائم مباركين”. آنذاك، في 1994، علمت أن الرئيس الراقد كيم إيل سونغ، حين سمع ولادة التوائم الثلاثة، أعلن أنه أمر مبارك جداً، وبشائر ازدهار البلاد، وأشار إلى ضرورة اتخاذ إجراءات الدولة لتربية التوائم الثلاثة على حساب الميزانية الحكومية، دون أي تبعات مالية أو غيرها على أهاليهم. ومنذ ذلك الحين، بدأ في كوريا تاريخ سعادة جديد، بولادة عدد كبير من “التوائم الثلاثة”، حيث تتحمل الدولة مسؤولية تامة عن تربيتهم وإعالتهم وإعانة آبَائِهِمْ. ولهذا، لا يدفع الكوريون أي نقود لقاء أعلى درجة من الخدمات الطبية. وإذا ولد “التوائم الثلاثة” في أي مكان في كوريا، فيتم نقلهم إلى “دار بيونغ يانغ للتوليد”، وهي شهيرة، حيث يتلقون فيها كل أنواع الرعايات والتسهيلات، ويخرجون من دار التوليد في صحة تامة. كل الخدمات والرعايات الطبية التي يتلقونها في دار بيونغ يانغ للتوليد عظيمة حقاً، ولا يمكن وصفها بالكلمات، وآباء هؤلاء الأطفال لا يعرفون ثمنها وقيمتها، مثل سائر الكوريين الذين يعيشون في ظل منافع نظام العلاج الشامل المجاني.
جدير بالذكر هنا، أن محبة الرئيس كيم إيل سونغ للأطفال تتواصل اليوم دون انقطاع في قلب رئيس لجنة شؤون الدولة كيم جونغ وون، الذي أشكره من قلبي على كل ما يقدمه من تضامن ميداني مع القضايا العربية وفي مقدمتها الفلسطينية.
إن العناية التي يتلقاها التوائم الثلاثة في كوريا من الدولة لا تقتصر على ذلك وحده. منذ لحظة ولادتهم، يكونون تحت رعاية الطبيب والممرضة المتخصصة بهم، ويتلقون حماية علمية عامة لأرواحهم وصحتهم في إطار نظام فحص الدولة الطبي وحماية الصحة في المستشفيات المركزية ومستشفيات الأطفال المحلية والمستشفيات العامة في القرى، إلى أن تبلغ أعمارهم أربع سنوات، وحينها تتم تنشئتهم في دار الرضع في كل محافظة، ابتداءً بمدينة بيونغ يانغ، وإلى بلوغهم ثماني سنوات من العمر، حيث تتم تربيتهم على حساب الدولة، ويتلقون إعانة مالية لتنشئتهم.
وتحت الرعاية الخاصة من الدولة، يتلقى كل من “التوائم الثلاثة” مدية فضية أو خاتماً ذهبياً. على جانبي مقبض المدية الفضية التي يتم منحها للذكور، تم نقش ثلاث زهرات “مغنوليا” مطعّمة بالجواهر الحمراء، ترمز إلى ثلاثة توائم، وعلى المدية، نقش تاريخ ولادتهم، ففي المدية الأولى، نقش عام الولادة، وعلى المدية الثانية، نقش شهر الولادة، وعلى المدية الثالثة، نقش يوم الولادة. وعلى الخاتم الذهبي الذي يمنح للإناث، تم نقش زخارف “عَبَّاد الشمس”، وثلاث زهرات “مغنوليا” مطعمة بالجواهر الحمراء أيضاً، وفي الجهة الخلفية من الخاتم، نقش تاريخ ولادتهن على شكل المدية الفضية. والمدية الفضية والخاتم الذهبي يتم منحهما لوالديهم أيضاً.
وتأكيداُ على كل ذلك، نشر المحرر السياسي الياباني المشهور داكاكي داكيوو، الذي قابل الرئيس كيم إيل سونغ، لدى زيارته لكوريا في السبعينيات من القرن الماضي، مقالاً في صحيفة “يوميوري شيمبون”، جاء فيه ما يلي: “ليس في العالم بلد يُسمِّي فيه جميع الأطفال رئيس دولتهم “بالأب”، ما عدا كوريا. كوريا هي مملكة الأطفال، إذ تنعكس عليهم سياسات الدولة”.
*كاتبة وإعلامية روسية – أردنية.