تايوان تراقب الصين بعيونٍ أوكرانية
اجنادين نيوز / ANN
بقلم الكاتب والصحفي السوري
سامر كمال فاضل
تايوان هي جزيرة تابعة للبر الصيني, استوطنت فيها قبائل ( أوستونيزيان ) التي قدمت من جنوب الصين , تلك الجزيرة التي تم التنازل عنها من قبل الصين لليابان بعد الحرب التي انتصرت فيها اليابان على الصين هام 1895 لتعود مرةً أخرى إلى أحضان الصين بعد خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية وتخلّيها عن الأراضي التي احتلتها, فأعادت الصين حكمها على هذه الجزيرة بموافقة الحلفاء .
ومع اندلاع الحرب الأهلية في الصين بين الشيوعيين وحزب الكومينتانغ بزعامة ( تشيانغ كاي شيك ) والتي هُزمت فيها قواته فهرب مع أعوانه إلى جزيرة تايوان عام 1949 واتخذ منها مقراً لحكومته وأطلق على تايوان ما يسمى بِ “جمهورية الصين”. في حين أسّس الشيوعيون المنتصرون جمهورية الصين الشعبية الحالية, وبقيت ثلاث جزر كبيرة خارج سيطرة جمهورية الصين الشعبية وهي هونغ كونغ التي كانت خاضعةً للاستعمار البريطاني وعادت إلى السيادة الصينية عام 1997 وجزيرة ماكو التي كانت خاضعة للبرتغال, أمّا جزيرة تايوان التي أسس فيها (تشيانغ كاي شيك ) حكومته فقد بدأ نظامه في خمسينيات القرن الماضي يخسر اعترافات الدول الكبرى تدريجيّاً مثل بريطانيا وفرنسا والسويد وسويسرا وكندا ليصل إلى العام 1970 الذي تمّ فيه إقصاء تايوان والتي كانت تسمّي نفسها حينها بِ”جمهورية الصين” عن مقعدها في مجلس الأمن الدولي لصالح جمهورية الصين الشعبيّة باعتبارها الدولة الأم باعترافٍ صريحٍ لأصول جزيرة تايوان الصينية عبر التاريخ وأحقيّة الصين باسترجاعها رغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية . وفي ثمانينيات القرن الماضي, طرحت الصين صيغة عُرفت باسم ( دولة واحدة ونظامان ) تحصل فيها تايوان على استقلال ذاتي مقابل إعادة توحيد الصين على غرار النظام الذي أنشأته الصين مع هونغ كونغ قبل عودتها رسميّاً إليها, لكن تايوان رفضت هذه الصيغة.
وفي عام 2000 أفرزت الانتخابات في تايوان وصول ( تشين شوي بيان ) إلى السلطة الذي أيّد صراحةً الاستقلال التام لتايوان عن الصين والذي أُعيد انتخابه مرةً ثانية عام 2004 , فأصدرت الصين قانوناً سُميَ قانون مناهضة الانفصال والذي يتيح للصين حق استخدام كل الوسائل ضد تايوان إذا حاولت الانفصال بشكل نهائي عن الصين .
وفي عام 2016 وصلت الرئيسة الحالية ( تساي إنغ ون ) إلى سدّة الحكم في تايوان وهي على رأس الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يدعو إلى الاستقلال الرسمي والنهائي عن الصين , لكنَّ الرئيس الصيني ( شي جين بينغ ) الذي تم انتخابه رئيساً على جمهورية الصين الشعبية في عام 2013 كان قد عبّر مراراً عن نظرته السياسية تجاه تايوان بضرورة الوحدة من خلال الطريقة السلميّة التي تعتبر بنظره أكثرَ انسجاماً مع المصلحة العامة للأمّة الصينية بما في ذلك مواطنو تايوان ، وقد شرح الرئيس الصيني ذلك في حديثه بمناسبة الذكرى ال 110 للثورة التي أطاحت بآخر سلالة امبراطورية في الصين عام 1911 بأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يستهين بعزيمة الشعب الصيني الراسخة وإرادته وقدرته القوية على الدفاع عن سيادته الوطنية وسلامة أراضيه , وأنَّ المهمة التاريخية لإعادة توحيد الأمة الصينية على نحو كامل يجب أن تتحقق بالتأكيد , فالوحدة التي يريدها الرئيس الصيني بطرحه مبدأ ( دولة واحدة ونظامان ) تعكس النظرة الصينية للخيارات السلمية تجاه تايوان لإعادة توحيد الأراضي الصينية قبل التفكير بذلك عسكريّاً , لكنّ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يخطط لإعادة تكرار السيناريو الأوكراني على ما يبدو في تايوان بدفع الأمور إلى حربٍ بالوكالة ضد الصين تتقدمها تايوان بحساباتٍ خاطئة تعتمد فيها على قانوٍنٍ أمريكيٍ ينصُّ على وجوب مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، كما أوهموا الرئيس الأوكراني زيلينسكي بجهوزية الدفاع عنه عندما دفعوه لخوض حربٍ هم يعرفون مسبقاً أنّه الخاسرَ فيها .
اليوم وبعد مضي ثلاثة أشهر على العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ليس هناك من مؤشرات على أي تغيُّرٍ في موقف الصين برغبتها في استعادة جزيرة تايوان وضمهّا إلى البر الصيني ، رغم تقديم الكثير من الدراسات والتحليلات العسكرية منها والسياسية من قبل سياسيين غربيين وأمريكيين سعت إلى إجراء مقارنةٍ بين الحالتين الأوكرانية والتايوانية لجهة إظهار أوجه الاختلاف بينهما ومحاولة تحجيم فرصة نجاح أي عملية عسكرية محتملة قد تلجأ إليها الصين لتحقيق هذه المهمّة ، ويمكننا إيجاز بعض هذه المقارنات :
فعسكرياً يرى المحللون وجود اختلافاتٍ لوجستية في طريقة الحرب التي ستكون برمائيّة في تايوان على عكس الحرب الروسية الأوكرانية البريّة التي تعطي سهولة أكبر لتقدم القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية ، إضافةً إلى تحليلاتٍ تعتقد بإمكانية تراجع الصين عن الخَيار العسكري بعد ما شهدت العقوبات الاقتصادية الضخمة التي فرضها الغرب على روسيا وهنا نقول :
أمّا عسكرياً فسواء كانت الحرب التي قد تحدث في تايوان بريّة أم برمائية فليس هناك من مجالٍ لمقارنة القوة العسكرية لتايوان مع القدرات العسكرية الصينية المتطورة وتعداد الجيش الذي يفوق ما تعدّه تايوان بأضعاف، يُضاف إلى ذلك أنَّ أي حرب قد تلجأ إليها الصين لاستعادة تايوان فهي ترتكز على عاملٍ قوميٍ يعطي القيادة الصينية أساساً للشرعية السياسية في توحيد تايوان مع البر الصيني، وأمّا الجانب الاقتصادي فليس من عاقل يضع أدنى احتمالٍ لتأثّر الصين بعقوباتٍ اقتصادية غربية ستنعكس سلبا عليها قبل الصين كما الحالة الروسية استناداً إلى مقولة أحد كبار المسؤولين الصينيين عندما تحدّى وجود أي منزلٍ على وجه الأرض لا يحتوي ولو قطعة صغيرة من الصناعة الصينية ، تلك الدولة التي أصبحت ثاني اقتصاد في العالم إن لم تكن الأولى في حقيقة الأمر .
إنَّ أنظار العالم تتجه اليوم إلى الأحداث التي تجري على الساحة الأوكرانية , لكّنها وبطرفةِ عين تراقب الوضع المستقبلي لتايوان , فهي تُسقطُ الحالة الأوكرانية على وضع تايوان من حيث الشكل أما من ناحية المضمون فمن الخطأ الكبير إجراء المقارنة بين القضيتين الأوكرانية والتايوانيّة , ومن يفعل ذلك فهو يفتقر إلى الحد الأدنى من الفهم لقضية تايوان كما فعل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عندما قال في خطابه أمام البرلمان البريطاني أنَّ الفشل في إيقاف حرب روسيا ضد أوكرانيا سيشجع الصين على فعل الأمر نفسه مع تايوان .
تايوان ليست أوكرانيا , بل هي على الدوام كانت جزءاً لا يتجزّأ من الأراضي الصينية بحقيقةٍ تاريخيّةٍ لا تقبل الجدل .