الصين وشعوب دول العالم العربي: أوتاد التحالفات الإستراتيجية فاعلة
اجنادين نيوز / ANN
الأكاديمي مروان سوداح
العالم العربي بدوله وشعوبه وجمهورية الصين الشعبية دولةً وشعباً، عالَمان شاسعان وعملاقان جغرافياً وعريقان حضارياً، ويتمتعان بمكانة إستراتيجية نادرة. أضف إلى ذلك أنهما ينتميان إلى الفكرة “المشرقية” مَسلكياً وثقافياً وحضارياً وسياسياً. ولهذا، ولغيره العديد من الأسباب والصِلات التي تربط بيننا نحن كعرب وكصينيين، لم نتوقف للحظة عن النظر لبعضنا البعض منذ غابر الأزمنة، على أن دولنا وشعوبنا شقيقة ومندغمة في واحد أحد، وتستمسك بالمشرقية الكاملة والمتكاملة، كونها ظاهرة كونية إيجابية تنظر للبشر بشتى لغاتهم وقومياتهم وألوانهم، على أنهم خلقٌ يتساوى في الحقوق والواجبات والاحترام المتبادل على نطاق الدنيا، وقد غدونا ندافع عن هذه الصورة بالمُهج التي استولدت منهجاً إنسانياً فاعلاً في رياح الكرة الأرضية عَبر العصور، حتى صار مصيرنا الفيزيائي والروحي والدولتي والحضاري متداخلاً ومنصهراً في ذات واحدة، عززه طريق الحرير الصيني القديم الذي جال في دروب الأردن القديم من شماله وجنوبه (آيلة “العقبة” العربية الكنعانية التي سيطر عليها الإحتلال في نهاية العام 1948، وتقع على الطريق إلى الهند والتوابل العربية (اللبان والمُر)، وبين البحر المتوسط وشبه الجزيرة العربية. ذُكرت المدينة في العديد من قصص ألف ليلة وليلة)، والسبيل البحري العُماني العربي الذي انطلق من شواطئ بحر العرب جنوب شبه الجزيرة العربية، ووصل إلى بوادي وفيافي وجِنان ورياض الصين القديمة، ومن خلاله تزاوج وتصَاهَرَ عدد كبير من العرب والصينيين، ليضربوا بالتالي أوتاد الأُخوّة الثابتة في الفضاء الترابي الذي يمتد لآلاف الأميال.
للآن، ما زال “عرب خانة” بشيبهم وشبابهم في الصين؛ وهم أحفاد الصينيين والعرب المتصاهرين منذ ألوف السنين؛ يعيشون ويَحيون في غرب الصين، وقد تمكنت شخصياً من اللقاء مع بعضهم من خلال الدعوات الخاصة جداً، التي وُجِّهت إلي في قديم الأزمنة قيادياً من الرفاق الصينيين مشكورين، وكتبت ونشرت الكثير من المواد الصحفية عن هؤلاء، وزرت مواقعهم، وبيوتاتهم التي تعيش فيها عائلاتهم، إذ أن أنها تمنح لهم مجاناً من الدولة الصينية، ومساجدهم حيث يتم تعليم القرآن والدين الإسلامي أيضاً، ويتم تعميرها وصيانة القديم والعريق منها على نفقة الدولة الصينية تماماً، واجتمعت طويلاً مع رجال الدين المسلمين عندهم، ودلفت إلى كل جميل وجاذب بِقاعِهم التاريخية، جامعاتهم الجميلة، ومدارسهم حيث يتعلم أطفالهم اللغة العربية، ومتاجرهم، ورياض الأطفال لديهم، وأماكن الراحة والاستجمام، وغيرها، وتحدثت إليهم، واستذكرنا التاريخ القديم الذي أرسى هذا العالم الجديد ليكون الرابط بيننا لا فكاك منه ولا ابتعاد عنه على مدى الدهور. وأتوق الآن إلى زيارة كهذه لاستعادة الذكريات المِلاح، ومحاولة الدفع بين العالمين العربي والصيني من أرض هؤلاء الصينيين، الذين انصهرت فيهم اللغتان العربية والصينية، وغيرها من اللغات القومية، لتنتج مفردات كثيرة، تعمل على تسهيل الاندماج اللغوي والحضاري والثقافي بين عالمينا، لا سيّما وأن هؤلاء الصينيين – العرب قادرون على الاجتهاد لتحقيق دور رديف فعّال للجهات الصينية الأخرى في مسيرة تدعيم أساسات البُنيان الصيني العربي المشترك، وما بين الشبيبة العربية والصينية.
منذ طفولتي وإمساكي بالقلم منذ 55 سنة، بدأت بمراسلة نشطة مع القسم العربي لإذاعة الصين الدولية، ولاحظت إعجاباً شعبياً كبيراً لدى العرب بالصين، ومن الجانب الصيني بالعرب، إذ إن الأهداف التي يرنو إليها الجانبان متقاربة، وهنالك قواسم مشتركة لا عدَّ لها تعمل على تعميق العلاقات بين عالمين يجتمعان على جوامع تعاونية. كنت ألاحظ، بأن سواد مراسلي القسم العربي للإذاعة ليسوا حزبيين، وأدركت منذ ذلك الوقت أن الأحزاب والمنظمات السياسية العربية في غالبية الدول العربية لا تتمتع ببعدٍ جماهيري، وأقل الأقل منها له وجود شعبي بخاصة في الدول التي تحكمها أحزاب. وبالتالي، لا يمكن التعويل على الأحزاب العربية لتعظيم الفوائد على مستوى رفيع في سياق العلاقات بين العواصم العربية وبكين.
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية لم يتوقف الحزب الشيوعي الصيني عن عملية توسيع وتجذير العلاقات الصينية العربية بروافع مختلفة، وقد نجح في ذلك من خلال التضامن السياسي مع العرب، والمساعدات العسكرية المقدمة لهم، ومواقف الصين في منظمة الأمم المتحدة، بخاصةٍ ما يختص بالقضية الفلسطينية، واستذكر طفولتي حين تدرّبت على السلاح الصيني، الذي انهال على العرب والفلسطينيين من بكين، قبل السلاح السوفييتي)، زد على ذلك تفعيلات الاقتصاد الصيني السلعية في الأقطار العربية، وإقامة المشاريع الصينية فيها والتي تنجح في تشغيل اليد العاملة والخبراء والمتخصصين العرب في إطارها وإمداد العرب بالخبرات التقنية الصينية وغيرها، وهذا فضاء واسع مهم في إنجاح وتطوير الصِلات بين الصين والعرب، سوياً مع تدريس اللغتين العربية والصينية في المؤسسات التعليمية في البلدين.
وبما يتصل بالقمم التي تنوي الصين الشروع بتنظيمها مع الدول العربية، فهو مقترح جيد، على أن يتم اختيار الممثلين العرب الأنسب والأكثر فاعلية وتأثيراً في مجتمعاتهم العربية.
ـ تم قراءة هذه الكلمة في الدورة الثانية للمنتدى الصيني العربي للسياسيين الشباب في بكين، عبر تقنية “زوم”.