لجوء عراقي
اجنادين نيوز / ANN
بقلم / حسن النواب
في هذه الليلة من شهر الحرمان،قرَّرتُ اللجوء مثل طفل ضائع إلى الباب الشرقي وساحة الطيران والنصر والميدان ونادي الأدباء ومقهى حسن عجمي والشابندر والزهاوي وسوق السراي و مريدي والشورجة وشارع الرشيد والمتنبي و السعدون وأبو نؤاس، قرَّرتُ اللجوء أيضاً إلى مرقد الإمام الكاظم ومزار الشيخ عبد القادر الكيلاني ومقام خضر الياس على ضفة نهر دجلة، ومازلتُ أسعى للجوء إلى شارع العباس وتل الزينبية ومقام صاحب الزمان ونهر الحُسينيَّة وصحن الإمام الحسين وأخيه العباس وإلى مرقد الحر الرياحي وضفاف بحيرة الرزازة، بل إنَّ شغفي باللجوء يتصاعد شوقاً إلى الجنوب حيث الأهوار وبساتين النخيل وكورنيش العشَّار وساحة الحبوبي ونهر الديوانية وجزرة “برنوش” في قضاء أبو صخير، نعم أريد اللجوء هذه الليلة إلى قبور أصدقائي گزار حنتوش وعقيل علي وهادي السيد وعبد اللطيف الراشد، وكم أتمنَّى أنْ أكونَ لاجئاً في حانة روافد دجلة في أيام العيد بعد شهر رمضان، ولنْ أتوقَّف عند هذه الأمكنة بل أريد اللجوء إلى شارع الدوَّاسة وسوق السرچخانه وكنيسة بربارة في قرقوش وأريد اللجوء إلى ماء حمام العليل حتى يزيل صدأ سنوات الغربة من روحي اللائبة لعشرينَ عاماً بين قطعان الكناغر التي تتقافز من صدري مثل شظايا الذكريات التي يصعب أنْ أجمعها في بوتقة العمر الراكض إلى المجهول، مشتاق اللجوء إلى قاعة حوار وكافتريا الخضراء في الوزيرية وإلى أزقَّة وخرائب الحيدرخانة وفنادق الباب الشرقي الرخيصة والمليئة بالعجائب والغرائب، مشتاق أيضاً أنْ أكونَ لاجئاً في حديقتي الأمَّة والزوراء وتحت نصب الحرية وبجوار جدارية فائق حسن، أَتُرى هناك من يبصرني الآن وأنا أهيمُ في شوارع البلاد مثل رجل ممسوس، ترى هل هناك من يسمع صراخي الآن وقلبي يهفو باللجوء إلى قارب يمخر في نهر دجلة أو إلى شبكة صياد في نهر الفرات، نعم أريد هذا اللجوء فمن يمنحني إيَّاهُ.. أريد اللجوء إلى نصبي الجندي المجهول والشهيد وإلى المفقودينَ الذين لاقبور لهم، أريدُ اللجوء إلى أراجيح العيد وجريدة طريق الشعب والمتحف البغدادي ومرآبي العلاوي والنهضة وإلى محطة سكك الحديد وإلى أسرار بيوت سوق الصدرية.. وأريد اللجوء إلى سينما النجوم وأطلس وسميراميس وبابل والنصر وروكسي وغرناطة والخيَّام، وكم أكون سعيداً لو يقبلني جسر الجمهورية لاجئاً حتى أطعمُ نوارس دجلة حبَّات قلبي، وكم أكون ممتناً لو فتح جسر المعلَّق ذراعية لاستقبالي لاجئاً هناك على أديم ضلوعه التي تهشَّمتْ مراتٍ ومراتٍ، نعم أيها الأحبة أريد اللجوء إلى مسجد الكوفة وبيت الإمام علي(ع)ومرقد مسلم بن عقيل، ولابأس أنْ أكون لاجئاً على سدَّة الكوت أو في سيطرة نائية هناك في قاطع الشيب، أو لاجئاً في بساتين بهرز أو عند ملوية سامراء أو معهد دروع تكريت، نعم أريدُ اللجوء إلى المكتبة الوطنية والمسرح الوطني وأنقاض مسرح الرشيد ورائحة منتدى المسرح.. بل أريدُ اللجوء إلى غرفة صغيرة في الحيدر خانة حيث رائحة البلاد ما أزكاها هناك في الأزقة الرطبة.. ولكن مهلاً أيها الأحبة.. أعرفُ أنَّ جميع تلك الأمكنة ما عادتْ مثلما تركتها.. ولذا ها أنا أطلب من البلاد بأسرها أنْ تلجأ إلى منفاي وأنا بانتظار البلاد أنْ تجيء إلى غربتي.. يالها من أمنيةٍ مستحيلةٍ لكائنٍ ممسوس يدور في شوارع البلاد بلا هدى وروحهُ المعذَّبة على وشك الصعود إلى السماء.