في إشكالية المثقف والإكتشاف
اجنادين نيوز / ANN
زهراء كاظم
ربما نبدأ في واحدة من الموضوعات الشائكة وهي “غياب دور المثقف العراقي عن المشهد السياسي ، أذ يقول “جوليان بندا” في كتابه (خيانة المثقفين) إن المثقفين الحقيقيين يشكلون طبقة العلماء أو المتعلمين البالغي الندرة حقاً، لأن ما ينادون به هو المعايير الخالدة للحق والعدل، ” والتي نحتاجها اليوم لتأسيس دعائم لحياة أفضل .
وغالباً ما يراد, وربما عمداً أن يفرض البعض معادلة أو إشكالية (السياسي والمثقف) على ورقة عمل العراق التي تزدحم فيها الإشكاليات الشرعية وذات الأولوية, لتكون متنفساً غير شرعي لأصحابها ، وإن من يثير أو ينكأ أواصر تلك المعادلة هو بعض من المثقفين، وكأن السياسيين قد سلبوهم عروشهم.
وتكتسب إشكالية السياسي والمثقف مبرراً لوجودها في مجتمعات تكون فيها رؤى الطرفين متفقة حيال مستقبل شعوبهم, لكننا لا نعتقد أن يكون لها مبرر لدينا يستحق كل هذا الهدر للوقت والجهد في مناقشتها، وذلك لعدم وجود العلاقة بين أدوات وعناصر وغايات السياسي والمثقف.
فالبعض من سياسي ” الصدفة ” ورغم أن اغلب أدواته وأدبياته تكون ملونة بالكذب والخداع والمصالح الخاصة, إلا أننا غالباً ما نراه يحسم الموقف, سواء كان موقفه الشخصي أو موقف شعبه أو طائفته, أو حزبه، وذلك عن طريق إصراره على التغيير والذي غالباً ما يدركه حين يعبد طريقه بدماء وأرواح, بينما المثقف ورغم أن أدواته وعناصر ثورته تكون مُثلاً عليا ونظريات أخلاقية, وأننا لم نشهد يوماً أو نقرأ أنه استطاع أن يحسم موقف شعب, ناهيك عن عجزه لحسم موقفه الشخصي، وتلك حقيقة يؤكدها الواقع, إذ لم نشهد, وعلى مر التاريخ أن قاد المثقفون ثورات اجتماعية أو سياسية بالقدر الذي يفعله السياسيون, وغالباً ما نرى مجرى الأحداث يتغير بثورات يكون رائدها السيف وليس القلم”.
وأن مفهوم المثقف إنما يتجسد في الفرد الذي يعي قضية شعبه سواء كانت تلك القضية بحجم كسرة الخبز أو كانت مجرد حلم بالحرية. وبهذا المعنى يكون السياسي هو المثقف، ونحن في العراق عشنا زمن البعث البغيض المحنة سوية وشهدنا السجون وبمن كانت تكتظ، وبأي رقاب كانت تتزين حبال المشانق، وربما لا يختلف معي حتى المثقفون على أنها كانت, تكتظ بالسياسيين, وكانت حبائل مشانق الظلم لا تشتهي من خوفها إلا رؤوس تحمل أفكار التغيير”.
وأخيرا فنحن لا نرى مبرراً للتنافس بين السياسي والمثقف لا سيما حين صار يفندها المثقفون أنفسهم من خلال محاولاتهم الجديدة لصنع أصنام جدد لسياسيين جدد. فلينظر كل منا إلى ما بين يديه من سلاح ليختار حلبة نزال تتفق وحجم سلاحه.