التقارب الصيني الخليجي من ثمرات النظام العالمي الجديد (وجهة نظر)
اجنادين نيوز / ANN
ـ بقلم: الصحفي سامر كامل فاضل
ـ عضو في الفرع السوري للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتَّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
ـ مراجعة النص: الأكاديمي مروان سوداح رئيس الاتحاد الدولي”.
بدأت دول مجلس التعاون الخليجي علاقاتها الخاصة مع جمهورية الصين الشعبية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، لكنها بقيت في علاقاتها هذه على حذرٍ تام بسبب التقارب الذي كان موجوداً آنذاك بين الصين و إيران في العديد من المجالات مثل تكنولوجيا السلاح والطاقة ، لكن السياسات التي اتبعتها الصين لتحقيق التوازن الدقيق بين علاقتها بإيران ودول الخليج إضافةً إلى تجنّبها التوّرط المباشر في مناطق الصراع وخصوصاً الشرق الأوسط ، جعل دول مجلس التعاون الخليجي تعيد النظر في رؤيتها تجاه الصين والتي عملت على مدى العقدين الماضيين على تطوير العلاقات الاقتصادية والأمنية بينها ، وقد أرسى هذا الارتباط الاقتصادي بينهما بعض التوازن في سياسة بكين حيال إيران لتصبح مع بداية الألفية الثالثة كل من المملكة العربية السعودية وإيران الركيزتين الأساسيتين للمقاربة الصينية تجاه دول الخليج .
من هنا نجد تنوّع الأطر والمسببات التي جعلت الصين تتوجه بعلاقاتها إلى دول الخليج ولعلّ أبرزها حاجة الصين للطاقة مع ازدياد التطور والنهوض الاقتصادي الصيني وهو العامل الرئيسي الأول ، أما العامل الثاني فهو التوجه الأمريكي إلى تقليص وجوده في منطقة الشرق الأوسط بعد الانسحاب من أفغانستان ، وقد دعمت واشنطن على الدوام سياسات زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط على عكس السياسة الصينية التي كانت تعمل باستمرار على ضرورة استقرار دول الشرق الأوسط لِمَا في ذلك من فائدة في الاستثمار في هذه المنطقة لا سيما المشروع الصيني الأول مبادرة الحزام والطريق، أما الإطار الثالث الذي نصنّف فيه التوجه الصيني إلى دول الخليج فهو رغبة هذه الدول نفسها بالانفتاح شرقاً ليس إلى الصين فحسب بل إلى كل دول آسيا وتوزيع مصادر استثماراتها وعلاقاتها الاقتصادية في ظل التراجع الأمريكي في المنطقة والانتباه إلى فكرة عدم وضع البيض الصيني كله اقتصاديّاً في السلة الأمريكية .
من هنا جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ التاريخية إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر نهاية العام 2022 والتي وصفتها الخارجية الصينية بأنها أعلى مستوى دبلوماسي على الإطلاق بين الصين والعالم العربي ، كما وصفها الرئيس الصيني بأنها جاءت على مفترق طرق تاريخي عبّرت من خلالها بكين عن رغبتها في تعميق أواصر التعاون و الصداقة مع كل دول مجلس التعاون الخليجي والتي فتحت أفق الاستثمارات الصينية على مصراعيها باستراتيجيةٍ شاملة بدأت في السعودية التي نظمت مع الصين أكثر من / 34/ صفقة استثمارية في قضايا التكنولوجيا والطاقة واستثمارات كبيرة في البنى التحتية وتجارة السلع والخدمات والتكنولوجيا الرقمية ، وقد تعدى ذلك الأمر إلى البحث في قضايا الدفاع والأمن ، وأعلنت بكين عن توثيق التعاون مع دول الخليج في مجال استكشاف الفضاء وإمكانية إرسال رواد فضاء إلى المحطة الصينية الجديدة .
لقد وجدت دول الخليج في علاقاتها المتجددة مع الصين فرصةً لربط مشروعها الضخم ( مبادرة الحزام والطريق ) مع إصلاحاتها الهيكلية داخل دولها وبنيتها الجديدة بما يتناسب مع المتغيرات الدولية اقتصادياً وسياسياً مثل رؤية عام 2030 في السعودية التي يخطط لها ولي العهد مخمد بن سلمان .
وقد ازداد هذا الترابط الاقتصادي وصولاً إلى عام 2022 التي حلّت فيها الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدى دول مجلس التعاون الخليجي مع نشاط تجاري ومشاريع بنى تحتية ضخمة مثل بناء استاد لوسيل في قطر وسكك القطارات السريعة في السعودية .
أما الإمارات العربية فقد احتلت أكبر سوق تصدير وشريك تجاري غير نفطي لدى الصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والموقع الأكثر أهمية للمنتجات المصنّعة الصينية التي يعاد تصديرها مرة أخرى إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا .
أما البعد الساسي لهذه الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جي بينغ إلى الخليج فقد أسفرت الاجتماعات الصينية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي عن دخول العلاقات الصينية الخليجية مرحلةً استراتيجية جديدة مع استدراك هذه الدول ضرورة بناء علاقات جديدة مع قوى عظمى غير الولايات المتحدة الأمريكية بعد المتغيرات العالمية المتجهة إلى ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والتي ستكون فيه الصين لاعباً أساسيّاً في السياسات وألأمن في العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط .
على المقلب الآخر سلّطت هذه الزيارة الضوء على الغطاء والدعم السياسي السعودي لمقاربة الصين لإقليم سنجار ، عندما قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان : تدعم المملكة العربية السعودية بشدة موقف الصين الشرعي حيال المسائل المرتبطة بسنجار وهونغ كونغ وتعارض التدخّل في شؤون الصين الداخلية تحت أي ذريعة كانت وترفض محاولة بعض الجهات زرع الفتنة بين الصين والعالم الاسلامي .
فتاريخيّاً لم تكن الموازنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مسألةً أساسية بالنسبة لدول الخليج ، إلا أن المنافسة المتصاعدة بين أمريكا والصين وحضور الصين العالمي الذي يزداد اتساعاً فرض تغييراً لدى دول الخليج نظراً لاعتمادها على الالتزامات الأمنية الأمريكية وخصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة ، فبدأت كل دولة من دول الخليج تعمل على تنويع شراكاتها الأمنية ومصادر السلاح لها ، فاتجهت السعودية إلى الصين للحصول على التكنولوجيا الدفاعية لتطوير منظومة الصواريخ لديها .
ويبقى الأمل الأكبر في المشاريع الكبيرة لمبادرة الحزام والطريق في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج ومن المنتظر أن يحقق نجاح تطبيقها زيادةً في الترابط السياسي بين الصين وهذه الدول بشكل تدريجي لتظهر نتائجه في المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين والتي سترسم معالم القرن الواحد ولعشرين في الشرق الأوسط الجديد .
لنجد أنه مثلما اضطّر صانعوا القرارات السياسية في الصين إلى موازنة علاقتهم بين المملكة العربية السعودية من جهة وبين إيران من جهة أخرى وبعناية فائقة ، سوف يضطّر صانعوا القرار السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي من الآن فصاعداً إلى الموازنة بين علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين .