الوضع الميداني على الجبهات الثلاثة: الفلسطينية والروسية والسورية
اجنادين نيوز / ANN
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
يسعى رئيس أكثر حكومة إسرائيلية متطرفة في تاريخ إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى الحصول على موافقة بشأن إصلاحات قضائية ستشدد السيطرة السياسية على التعيينات القضائية، وتحد من صلاحيات المحكمة العليا لإلغاء قرارات الحكومة أو قوانين الكنيست.
يأتي ذلك في ظل قضايا فساد تطال نتنياهو، ينكرها جميعا، إلا أنها لا تمنع المرء من التفكير في علاقة رئيس الوزراء الحالي المشتبكة بالقضاء، فيما أعرب نتنياهو لـ CNN عن استعداده “للاستماع إلى عروض مضادة” للخطة التي يقودها وزير العدل في حكومته، لمواجهة ما يسميه نتنياهو “النشاط القضائي المتطرف”.
ولسنا هنا بصدد الدفاع عن النظام القضائي الإسرائيلي الحالي، ولا بجنوحه، من خلال مقترحات الحكومة اليمينية المتطرفة، نحو مزيد من التطرف والتجني على شعبنا الفلسطيني، لكننا نلفت النظر إلى أننا أمام حكومة يمينية متهورة، تعتقد أن القوة فوق الحق، وأنها “قادرة” على الإتيان بما لم تأت به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على اختلاف درجات تطرفها، من خلال مزيد من الاقتحامات والمداهمات والقمع والقتل.
ومع استمرار الجهود الدولية لتخفيف التوتر في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لم تحرز نتائج ملموسة حتى الآن، إلا أن أهم التطورات الراهنة تتمثل في أن غالبية الدول لم تعد تعتبر عمليات الرد الفلسطيني على الإرهاب الإسرائيلي إرهابا، فيما عاد مصطلح النضال الفلسطيني إلى الواجهة، دفاعا عن الحقوق الوطنية الفلسطينية المثبتة في جميع قرارات الشرعية الدولية. حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، ولنتنياهو على وجه الخصوص، عادت لتؤكد من جديد على أنه لا يمكن التغاضي عن حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته الفلسطينية المستقلة، في الوقت الذي عاد الحديث فيه، خاصة خلال الزيارة الخاطفة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى موسكو، عن عودة الرباعية الدولية للتسوية الفلسطينية لممارسة دورها.
أعتقد أن الخطأ الجوهري في جهود تخفيف التوتر هو الكيل بمكيالين، فالخطة الأمنية الأمريكية التي تهدف إلى “إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على مدينتي جنين ونابلس” تغفل توغلات الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية، وتغفل عدم إحراز أي تقدم في تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما تغفل الحقوق الشرعية التي لا يحصل عليها الفلسطينيون، شأنهم في ذلك شأن جميع شعوب العالم، حتى ولو تحت سلطة الاحتلال. وعلى الرغم من تأكيد واشنطن الأخير على حل الدولتين لإنهاء الصراع المستمر، إلا أن بلينكن لم يتمكن حتى من “إلقاء اللوم” على مداهمة الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين، ومقتل 39 شهيداً فلسطينياً حتى الآن منذ بداية العام (مع وصول جسد الشهيد عبد الله قلالوة يوم أمس إلى مستشفى التركي في طوباس يصبح عدد الشهداء 39)، من بينهم امرأة مسنة، الشهيدة أم زياد، التي تبلغ من العمر 61 عاماً.
لكن ما يهمنا اليوم هو بدء تلك الحملة الداعمة لتفعيل عمل اللجنة الرباعية، التي تضم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والتي أعلن عنها دعماً للمبادرة العربية التي أعلن عنها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله، جنباً إلى جنب مع عمليات المقاومة والبطولات التي يسطرها الشعب الفلسطيني بدمائه، وكذلك موقف القيادة الفلسطينية المبدئي، والذي عبر عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً في رام الله، خلال اجتماعه بوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، والمطلوب الآن التركيز من جانب جميع الفصائل الفلسطينية على وحدة الصف الفلسطيني، والتخلي عن الانتقادات الداخلية، والتأكد من أنه ليس بيننا فلسطيني يمكن أن يتنازل عن حقوقه الوطنية.
على الجبهة الروسية، نشرت “بلومبرغ” تقارير تفيد بأن عمليات التسليم الأولى لقذائف راجمات “هيمارس” بعيدة المدى، والتي يبلغ مداها 150 كيلومترا، والتي تضمها حزمة المساعدات الأمريكية الجديدة لكييف، لن تتم قبل حوالي 9 أشهر، وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي قد قال نهاية الأسبوع الماضي إن تسليم دبابات أبرامز إلى أوكرانيا سيستغرق هو الآخر “شهوراً كثيرة”.
في سياق متصل، تدرس برلين استرداد أسلحة من قطر لإرسالها إلى أوكرانيا، وفقا لما ذكرته صحيفة “زوددويتشه تسايتونغ” الألمانية، التي قالت إن مسؤولين ألمان زاروا قطر لاستعادة 15 مدفعا من طراز “جيبارد” ذاتية الدفع المضادة للطائرات، فيما لا تزال حمى إمداد أوكرانيا بالدبابات مشتعلة في أوروبا. ترفض قطر العرض الألماني، في موقف شديد الاتزان من كل ما يجري من أحداث في العالم، وهو ما يستحق تقديراً رفيعاً.
كل هذه الهستيريا حول تورط “الناتو” فعلياً في الصراع، والتي تثبت ما كررناه من قبل أكثر من مرة، بأن الصراع لا علاقة له من قريب أو من بعيد بأوكرانيا، وإنما هو صراع بين روسيا والغرب بأيدي أوكرانيا، لن تغيّر على أرض المعركة أي شيء يذكر، فخطوط الإمدادات على وشك أن تنقطع على محور أرتيوموفسك (باخموت) سيفيرسك، خاصة بعد أن أصبح الجيش الروسي على بعد خطوة من إحكام الطوق حول أرتيوموفسك بقصفه لقوافل القوات المسلحة الأوكرانية على الطريق السريع المؤدي إلي المدينة من مدينة تشاسوف يار، وهو الطريق الوحيد المتبقي الذي لا يزال بإمكان كييف على طوله تزويد مجموعتها في أرتيوموفسك بالإمدادات.
لقد أنجزت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا مهامها الاستراتيجية في حماية الأمن القومي الروسي خلال الـ 48 ساعة الأولى من العمليات القتالية، إلا أنها تكتيكياً مستمرة حتى الانتهاء من تطهير جميع الأراضي التي يتم تحريرها من قبل روسيا، لضمان أمنها الكامل.
عاجلاً أو آجلاً سيضطر الغرب إلى إجبار أوكرانيا على ما أشيع نقلاً عن مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، والذي نفته كلاً من كييف وموسكو وواشنطن، بأنه عرض، يناير الماضي، على كييف “التنازل” لروسيا عن 20% من مساحة أوكرانيا مقابل وقف القتال! إلا أنني سأتحفظ حينها على كلمة “التنازل”، فتلك الأراضي كانت ولا زالت بالأساس روسية، أنشأها الروس ويقطنها الروس، ثم منحت لأوكرانيا في إطار الدولة الجامعة التي كانت تسمى الاتحاد السوفيتي، وحينما تفكك هذا الاتحاد، لم تلق روسيا بالاً بهذه الأراضي لكونها تنتمي لدولة صديقة وشعب صديق. أمّا وقد استلت هذه الدولة خنجراً وأصبحت تمثل تهديداً للأمن القومي الروسي، وقامت تنصب قواعد “الناتو” على حدود روسيا، فقد آن الأوان لروسيا أن تستعيد أراضيها، وأن تضمن لنفسها مساحة كافية لدرء التهديدات من “الناتو” المتمدد شرقاً نحوها.
أقول إن روسيا سترد على إرسال صواريخ مداها 150 كيلومترا لنظام كييف بالتوغل إلى عمق 200 كيلومترا والإعلان عن منطقة أمنية عازلة تتجاوز حدود مناطق جمهورية دونيتسك الشعبية التي سيتم تحريرها بالكامل قريباً، لتفقد أوكرانيا بذلك كافة الأراضي التي كانت تزودها بـ 40% من إمكانات الصناعة الوطنية، وحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي لها قبل بدء العملية العسكرية الخاصة، ولن يكون الأمر مجرد “عرض” من مدير المخابرات المركزية الأمريكية، وإنما إلزام بالتوقيع على الاستسلام ووقف كافة العملية العسكرية.
ربما يحتاج “الشركاء” في الغرب إلى تسمية الاتفاق بـ “الـهدنة” أو بـ “وقف إطلاق النار” أو بـ “مينسك-3″، إلا أن المحاولات الهزيلة الراهنة لبعض قادة “الناتو” بالتمويه على الهزيمة التي لحقت بصبيانهم النازيين في أوكرانيا، وبمخططاتهم ضد روسيا، بالاستمرار في إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا لن تتسبب سوى في إطالة معاناة الشعب الأوكراني، ومزيد من التدهور للأوضاع الاجتماعية في أوروبا.
على الجبهة السورية، أصبح من الواضح أن القيادة في دمشق لم تعد تستخدم تعبير قوات الاحتلال في وصف التواجد العسكري التركي على الأراضي السورية، ما يعني، في اعتقادي، أن القيادة السورية قررت التجاوب مع جهود روسيا ومجموعة أستانا للبدء الفعلي والجدي في تسوية العلاقات السورية التركية وعودة المياه إلى مجاريها كعلاقة حسن جوار وتعاون ومنفعة مشتركة، وهو ما يشي كذلك بتقدم ملموس في مواصلة المحادثات السورية التركية الروسية، وموافقة جميع الأطراف كذلك على مشاركة إيران أيضاً في هذه المحادثات، وبالفعل، بدأت تركيا إخلاء بعض المواقع على الأراضي السورية، تمهيداً لاستلامها من قبل الجيش العربي السوري واضطلاعه بمهامه هناك.
قريباً سيعقد اللقاء المرتقب بين وزراء الخارجية لكل من سوريا وتركيا وروسيا وإيران، أي بصيغة أستانا المعهودة، ليصبح المطلوب الآن من جميع أطراف المعارضة السورية التجاوب مع هذه الخطوات الإيجابية، والتصرف بمسؤولية وفقا لما تم تحديده والموافقة عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي نص على المشاركة في عملية تفاوضية مع النظام في دمشق، والمعترف به من قبل الأمم المتحدة ممثلاً شرعياً للجمهورية العربية السورية.
أرى أن من مصلحة السوريين جميعاً أن يدركوا أهمية استعادة العلاقات السورية التركية، ودور مجموعة دول أستانا في استعادة الأمن والاستقرار في سوريا، ووقف التدهور الاقتصادي، وتجاوز العقوبات الأمريكية الغربية، التي أدت إلى فرض أوضاع مأساوية، وعقاباً جماعياً ضد الشعب السوري بأكمله.
ختاماً، أكرر أن الجهود مستمرة لإعلان هذا العام “عام فلسطين”، وقد صدرت عدة بيانات من مؤسسات إعلامية واجتماعية تبنت هذه المبادرة، وأعلنت بالفعل “عام فلسطين”، لهذا أوجه ندائي إلى جميع الصحفيين والمحللين السياسيين وجميع المسؤولين بإيجاد الصيغة المناسبة في مقالاتهم ومداخلاتهم لإعلان العام الحالي “عام فلسطين”، وبهذه الصيغة والطريقة ندعم نضال شعبنا الفلسطيني، ونخلد ذكرى شهداءنا.