الصين وروسيا… تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد
اجنادين نيوز / ANN
بقلم الصحفية والكاتبة الصينية وانغ مو يي
يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ روسيا لمدة 3 أيام بناء على دعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتعد الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الصيني بعد إعادة انتخابه رئيسا لجمهورية الصين الشعبية، وأيضاً الزيارة الأولى للرئيس شي لروسيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي تعد رحلة صداقة وتعاون وسلام.
حققت شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد تنمية مستدامة وسليمة وثابتة، تحت قيادة الرئيس شي والرئيس بوتين في هذه السنوات. في عام 2013، زار الرئيس شي جين بينغ روسيا وفتح صفحة جديدة في العلاقات الصينية الروسية، وفي عام 2015، تبادل الرئيسين الصيني الروسي الزيارة ووقعا بيانا للتعاون المشترك في إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والحزام الاقتصادي “طريق الحرير”، في عام 2019، قرر رئيسا الصين وروسيا الارتقاء بالعلاقة بين البلدين إلى “الشراكة الاستراتيجية الشاملة للتنسيق بين الصين وروسيا في العصر الجديد”، وفي عام 2021 اتخذ الجانبان قرارا بتمديد اتفاقية معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بمناسبة الذكرى العشرين لها..
وخلال هذه الزيارة، تم توقيع بين البلدين “البيان المشترك لجمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي بشأن تعميق شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد” وأشار الجانبان فيه إلى أن العلاقات بين الصين وروسيا ليست من نوع التحالف العسكري-السياسي خلال الحرب الباردة، بل علاقات تتمتع بطبيعة عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث. كما وقعا بيانا مشتركا بشأن الخطة التنموية للمجالات ذات الأولوية للتعاون الاقتصادي بين الصين وروسيا قبل عام 2023 لتعزيز التبادل التجاري بين الجانبين.
على الصعيد الاقتصادي بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين مستوى قياسي، فوفقاً لبيانات الجمارك الصينية، زادت التجارة مع روسيا بنحو الثلث في عام 2022 لتتجاوز 190 مليار دولار أميركي، من بينها، بلغت صادرات الصين إلى روسيا 76.123 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 12.8%؛ وبلغت واردات الصين من روسيا 114.149 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 43.4%. وتحافظ الصين على مركزها كأكبر شريك تجاري لروسيا لمدة 13 سنة على التوالي. وقد أعرب ايغور مورغولوف السفير الروسي لدى الصين أنه من المتوقع أن يتجاوز حجم التجارة الثنائية 200 مليار دولار بحلول 2024.
وفي مجال الطاقة تعد روسيا ثاني أكبر مصدر للنفط (86.25 مليار طن عام 2022) إلى الصين بعد المملكة العربية السعودية ( 87.49 مليار طن عام 2022). وتعد روسيا أيضا موردا رئيسيا للغاز الطبيعي للصين.
وعلى الصعيد الثقافي فهناك تعاون بين البلدين اذ يتبادل الطرفان الطلاب سنويا للدراسة في الجامعات الصينية والروسية ، فالكثير من الطلاب الصينيين يدرسون في الجامعات الروسية في التخصصات العلمية والانسانية والاجتماعية وتعلم اللغة الروسية والادارة والهندسة. كما أن الطلاب الروس يأتون للدراسة في الجامعات الصينية التي أبرمت أيضاً اتفاقيات مع الجامعات الروسية لإجراء البحوث في مجالات عديدة مثل الفضاء والطيران.
كما تتعاون الصين وروسيا في مجال الفضاء ففي العام الماضي وقعت مؤسسة روس كوسموس الفضائية الروسية والادارة الفضائية الوطنية الصينية برنامج التعاون لأعوام 2023-2027. وسبق للجانبان أن أعلنا في العام 2021 عن التعاون في مجال إنشاء محطة القمر العلمية الدولية للقيام بالأبحاث العلمية.
وعلى الصعيد الرياضي فقد أطلق رئيسا البلدين رسمياً عامي التبادلات الرياضية بين الصين وروسيا خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. وفي هذا الإطار وقّع البلدان في العام الماضي اتفاقاً يقضي بأن تقيم روسيا والصين بشكل مشترك أكثر من 600 حدث رياضي في عام 2023.
تستند العلاقات الصينية الروسية إلى عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث، ولا تشكل تهديداً لأي دولة أخرى في العالم، بل تعمل الصين وروسيا على استمرار التعاون الوثيق بينهما لتعميق التنسيق الاستراتيجي والتعاون العملي في مختلف المجالات بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين. وتشكل العلاقات الروسية-الصينية اليوم حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي والعالمي، كما أنها تدفع النمو الاقتصادي وتعمل على ضمان الأجندة الإيجابية في الشؤون الدولية، فضلاً عن أنها تقدم مثالا على التعاون المتناغم والبناء بين القوى الكبرى. وتسعى الصين وروسيا إلى بناء عالم متعدد الأقطاب يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك والانفتاح والتسامح وترفضان الهيمنة والأحادية وسياسة القوة.
منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية اتخذت الصين موقف الحياد وبذلت جهوداً نشطة لتعزيز المصالحة ومفاوضات السلام، وأصدرت وثيقة لحل النزاع في أوكرانيا تشرح فيها بشكل شامل ومنهجي موقفها الأساسي ومقترحاتها، وتبرز دور الصين كدولة كبرى مسؤولة في الدفاع عن السلام العالمي. قدمت الصين مقترحا من 12 نقطة لإنهاء الصراع في أوكرانيا من خلال معالجة أعراض الأزمة وأسبابها الجذرية، وأكدت مجددا على ضرورة إنهاء الصراع عن طريق الحوار والتفاوض. إن موقف الصين، الرامي إلى إنهاء الصراع، يتماشى مع التطلعات العالمية للشعوب المحبة للسلام في جميع أنحاء العالم، التي تؤمن بأن التسوية السياسية للصراع تصب في صميم المصلحة المشتركة لروسيا وأوكرانيا والمجتمع الدولي.
نجحت الصين وروسيا في شق طريق يتسم بالثقة الإستراتيجية المتبادلة وصداقة حسن الجوار بين الدول الكبرى، وزيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي لروسيا تمثل معلما بارزا للعلاقات الصينية الروسية في العصر الجديد. وستضخ زخما قويا في العلاقات الثنائية، وتدفع العلاقات الثنائية قدما لتتطور باستمرار على مستوى عال.