تقرير عن الديمقراطية الأمريكية عام 2022 ( مارس عام 2023)

تقرير عن الديمقراطية الأمريكية عام 2022

مارس، عام 2023

 

أولا، مقدمة
في عام 2022، كانت الولايات المتحدة تبقى في الحلقة المفرغة ما بين تشوه ديمقراطيتها وعجز سياستها واضطراب مجتمعها، وتتدهور المعضلات فيها مثل سياسة المال وسياسة الهوية والتمزيق الاجتماعي واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لقد تتجلى معضلات الديمقراطية الأمريكية في كافة الأبعاد من سياستها ومجتمعها، مما يعكس ما وراء ذلك من العجز الإداري والعيوب المؤسسية.
رغم أن الولايات المتحدة تواجه عديدا من المشاكل المتراكمة، غير أنها لا تزال توجه إملاءات على الدول الأخرى بموقف مغطرس كأنها “معلم الديمقراطية”، وتقوم بفبركة وتضخيم السردية الكاذبة لـ”الديمقراطية ضد السلطوية”، وتقسيم العالم إلى “المعسكرين الديمقراطي وغير الديمقراطي” انطلاقا من المصالح الأمريكية الأنانية، وتقوم بتحضير “القمة الثانية من أجل الديمقراطية”، لحصاد “التعهدات الديمقراطية” وتوزيع دول العالم بها.
كل هذه السلوكيات، سواء أكانت تحت مسميات جميلة مثل “الأخلاقية” أم كانت تحت غطاء المصالح، لن تخفي قصدها الحقيقي في تسييس الديمقراطية واستخدامها كأداة لترويج سياسة التكتلات وخدمة هدفها في الحفاظ على الهيمنة.
ستتم مراجعة وإظهار الأداء الحقيقي للولايات المتحدة في مجال الديمقراطية في العام الماضي في هذا التقرير بشكل نظامي من خلال نكر عدد كبير من الحقائق ووجهات نظر وسائل الإعلام والخبراء، ويتم الكشف عن ظواهر فوضى الديمقراطية في الولايات المتحدة والاضطرابات والكوارث الناجمة عن ما قامت به الولايات المتحدة من ترويج ديمقراطيتها وفرضها على العالم بشكل قسري، بما يوضح لشعوب العالم الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية على نحو أعمق.
ثانيا، من الصعب للولايات المتحدة التغلب على مشاكلها المتراكمة في الديمقراطية
تغض الولايات المتحدة نظرها عن المشاكل العديدة والأزمات النظامية التي تواجه ديمقراطيتها في الوقت الراهن، وتعتقد بموقف متشبث أن الديمقراطية الأمريكية ما زالت نموذجا عالميا ومنارة للديمقراطية. إن مثل هذه الغطرسة لا تجعل الولايات المتحدة عاجزة عن التغلب على مشاكلها المتراكمة في الديمقراطية فحسب، بل تلحق أضرارا خطيرة ومستمرة بدول العالم.


(1) استمرار زخم الانحطاط للديمقراطية الأمريكية
إن النظام الديمقراطي الأمريكي يشبه بمسرح فخم، تصعد عليه مختلف الشخصيات السياسية لتقديم عروضها، لكن هذه العروض، مهما كانت روعتها، لن تتستر على المشاكل الخطيرة والمتراكمة والعجز عن حلها منذ الزمن الطويل. أشارت صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن عام 2022 عام تعرضت فيه الديمقراطية الأمريكية للشكوك، إذ أن حربا أهلية صامتة قد تجذرت في الولايات المتحدة، إن إصلاح الديمقراطية المتضررة يتطلب وعي المواطنة ووعي المصالح العامة، لكن الولايات المتحدة تفتقر إلى أي منهما في الوقت الحالي، إنه أمر محزن بالنسبة لها وهي تنظر إلى نفسها كنموذج منذ زمن طويل. أدرج المركز الفكري السويدي “المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية” الولايات المتحدة في “قائمة الدول الديمقراطية التي تراجعت” لأول مرة في عام 2022.
قد مضى عامان على أعمال الشغب في الكابيتول هيل الأمريكي التي وقعت في يوم 6 يناير عام 2021، غير أن النظام الديمقراطي الأمريكي لم يتعظ بالعبر بشكل حقيقي، ومن الصعب عليه فعل ذلك، فيشهد العنف السياسي مزيدا من التطور والتفاقم. أشارت صحيفة “واشنطن بوست” ومجلة “نيويوركر” إلى أن الديمقراطية الأمريكية تكون الآن في حالة سيئة غير مسبوقة، إذ أن أعمال الشغب في الكابيتول هيل كشفت على نحو تام عن التمزق الاجتماعي والانقسام السياسي وتفشي المعلومات الكاذبة. وعلى الرغم من أن الحزبين في الكونغرس يدركان المشاكل المتراكمة للديمقراطية الأمريكية، غير أن كلاهما يفتقر إلى العزيمة والشجاعة في الإصلاح، انطلاقا من مصالحهما الخاصة وفي ظل جو السياسة الحزبية الذي يسوده الاستقطاب المتزايد.

شلل الكونغرس الأمريكي مرة أخرى عام 2022، لا يرجع سبب ذلك إلى أعمال الشغب، بل إلى الصراع الحزبي العنيف، حيث استمرت مهزلة عجز انتخاب رئيس مجلس النواب للدورة الـ118 من الكونغرس لمدة أربعة أيام متتالية، وتم انتخابه بعد 15 جولة من التصويت. وفي الجولة الأخيرة من التصويت، انقسم الحزبان الجمهوري والديمقراطي على نحو تام، إذ ذهبت أصوات الحزبين لمرشحيهما حصريا. قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنه من المحتمل أن يقع الكونغرس الأمريكي في مثل هذه الحالة الفوضوية مرارا وتكرارا في العامين المقبلين. قال براد بانون، الرئيس لإحدى شركات الاستشارات السياسية الأمريكية، بكل صراحة: “أثبتت الفوضى التي شهدها مجلس النواب مرة أخرى أن المؤسسات السياسية الأمريكية تمر بالانحطاط.”
تشارك الأوساط الأمريكية المختلفة نفس القلق. أشار معهد بروكينغز في تقريره الصادر في عام 2022 إلى أن النظام الديمقراطي الأمريكي الذي كان يفتخر به يواجه الأزمة النظامية، ويتجه نحو الانحطاط بخطوات متسارعة، وقد تحولت تأثيراته الجزئية على السياسة والاقتصاد والمجتمع في داخل البلاد إلى التأثيرات الكلية، وستلحق أضرار خطيرة بشرعية النظام الرأسمالي وتطوره في المستقبل. أشار التقرير الصادر عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أن النظام الديمقراطي الأمريكي يتسارع في الانحطاط، تزامنا مع تفاقم المشاكل المتراكمة للرأسمالية الأمريكية، وهو يقع في منعطف خطير. إن التحديات المتعددة بما فيها القيود على التصويت والتزوير في الانتخابات وانعدام الثقة بالحكومة ستسرّع عملية تفكك الديمقراطية الأمريكية. قال الرئيس التنفيذي لمجموعة “يوراسيا” إيان بريمر في مقالته إن خلل النظام الديمقراطي الأمريكي يقلق الناس من احتمال تكرار وقوع أحداث العنف جراء الانتخابات الرئاسية عام 2024. أثارت عدد كبير من القضايا الاجتماعية الساخنة غضبا مستمرا لدى الجماهير وشكوكه في شرعية المؤسسات السياسية الأمريكية، ويقلق كثير من الناس من أنهم لا يعرفون كم من الوقت يمكن أن يعمل النظام الديمقراطي الأمريكي بشكل طبيعي في حالة استمرار هذا الوضع.
(2) تفاقم الاستقطاب السياسي جراء الصراع بين الحزبين
يواجه كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري صعود الفصائل الراديكالية في كل منهما، ويتضح التناقض بينهما تدريجيا في مجالات القاعدة الشعبية والأيديولوجية والهوية وغيرها، عليه، من الصعب أن يستمر التوازن التقليدي بين الحزبين على أساس التنازل من أجل تسيير السياسة. فلا ينظر كلا الحزبين إلى الجانب الآخر كخصم سياسي له فحسب، بل كتهديد للبلاد. أشارت مجلة “مراجعة نيويورك للكتب” في أحد مقالاتها إلى أن الولايات المتحدة هي “بلد للبلدين”، حيث شكل الحزبان الجمهوري والديمقراطي حكومتين فيدراليتين على رأس المجموعتين المتناقضتين بشدة من المواطنين. وقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ولايات منقسمة أمريكية مع التعمق المستمر للخلافات بين “أمريكين”، ووصل الاستقطاب السياسي إلى حالة خطيرة غير مسبوقة.
في ظل تصاعد التحارب بين الحزبين، تم تغليب مصلحة الحزب والكتل فوق مصلحة الوطن، وتم استخدام كل السبل المتاحة لتبادل الهجمات والاتهامات. في يوم 8 أغسطس عام 2022، احتقمت جهات إنقاذ القانون نادي مارا-لاغو الواقع في ولاية فلوريدا الذي يملكه الرئيس السابق دونالد ترامب للتحقيق، واتهم ترامب وزارة العدل بالتلاعب بالسياسة من أجل منعه من إعادة الترشح للرئاسة، مدعيا بأنه تعرض للاضطهاد السياسي. في المقابل، شن الحزب الجمهوري هجوما شرسا بشأن العثور على الوثائق السرية في منزل الرئيس جو بايدن، كما أجرى تحقيقات في سحب إدارة بايدن القوات المسلحة من أفغانستان، ودفع بمحاسبتها. هكذا، قد أصبحت أجهزة الدولة أداة للأحزاب السياسية لكسب مصالحها الخاصة.
تتميز سياسة الأحزاب بطابع أكبر لتمييز بعضها عن البعض وفقا للعرق والهوية. أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” في إحدى مقالاتها إلى أن الحزب الجمهوري يمثل البيض والبلديات والقرى، بينما يمثل الحزب الديمقراطي المدن ومجموعة متعددة الأعراق. ويرى أكثر من ثلث الداعمين لكلا الحزبين أنه من الممكن اللجوء إلى العنف لتحقيق الأهداف السياسية. في حالة فشل أحد الحزبين في الانتخابات، يشعر الناخبون الداعمون له بأن بلادهم محتلة من قبل القوى الخارجية. قالت العالمة السياسية باربرا والترز إن الولايات المتحدة قد أصبحت “منظومة متعددة الفصائل وخارجة عن التحكم” تقع بين السلطوية والديمقراطية.
إن الاستقطاب السياسي يزيد من صعوبة صنع السياسات العامة. وفقا للبيانات الصادرة عن موقع GovTrack، يتقلل عدد القوانين المعتمدة في دورات الكونغرس تدريجيا، إذ انخفضت من 4247 قانونا معتمدا في الفترة ما بين الدورتين الـ93 والـ98 للكونغرس إلى 2081 قانونا معتمدا في الفترة ما بين الدورتين الـ111 والـ116. وانخفضت نسبة عدد القوانين المعتمدة في عدد المشروعات المقترحة بشكل أوضح، إذ انخفضت هذه النسبة من 6% في الدورة الـ106 للكونغرس إلى 1% للدورة الـ116، حيث انخفضت بـ5 نقطة مئوية على مدى 20 سنة.


صارت أساليب الصراع بين الحزبين أكثر رداءة. أشار بروفسور لاري دايموند أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة ستانفورد إلى أنه من المفترض أن تلتزم الأطراف المشاركة في الانتخابات بالقواعد الديمقراطية مثل الانضباط في ممارسة السلطة ورفض العنف، غير أن هذه القواعد تكون على وشك الانهيار في الولايات المتحدة اليوم. من جهة، يفضل عدد متزايد من الساسة والمسؤولين المنتخبين تجاهل القواعد الديمقراطية والتخلي عنها من أجل نيل السلطة أو الحفاظ عليها. ومن جهة أخرى، يفضل عدد متزايد من الجماهير قبول رؤية سياسية راديكالية بسبب انعدام التوافق السياسي. لقد وقعت الديمقراطية الأمريكية في حالة خطيرة من عدم الاستقرار.
(3) تفشي سياسة المال
قال الكاتب المسرحي البريطاني هنري فيلدينغ: “لو اعتبرت المال إلها، فسيلحق أضرارا بك مثل الشيطان.” في الساحة السياسية الأمريكية، تتغذى السياسة بالمال، وأصبحت الانتخابات مسرحية تكون الطبقة الغنية الممثل الوحيد فيها، بينما أصبحت الدعوات والمطالب لعموم الناس بشأن الديمقراطية “ضوضاء” سياسية. حينما يمد المال أذرعته الشيطانية إلى كل ركن من الساحة السياسية الأمريكية، سيضيق مجال للعدالة والإنصاف حتما.
تكون الانتخابات الوسطية عام 2022 آخر تجسيد لسياسة المال الأمريكية. حسب ما كشف عنه موقع Reveal الذي يتابع تدفق التمويل السياسي منذ فترة طويلة، إن نفقات الحزبين في الانتخابات الوسطية تتجاوز 16.7 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي كسر الرقم القياسي بمبلغ 14 مليار دولار أمريكي في عام 2018، وهي تفوق إجمالي الناتج المحلي لعام 2021 لأكثر من 70 دولة في العالم. ويبلغ متوسط نفقات لانتخاب السينتور في كل من ولايات جورجيا وبنسلفانيا وأريزونا وويسكونسن وأوهايو أكثر من 100 مليون دولار. وأكثر من 90% من المرشحين للسينتورات وأعضاء مجلس النواب كسبوا الانتخابات من خلال ضخ أموال طائلة، إضافة إلى أنه من الصعب تقدير المبلغ الإجمالي الحقيقي لـ”الأموال السوداء” المجهول مصدرها.
تتجلى طبيعة السياسة الأمريكية كـ”لعبة الأغنياء” شيئا فشيئا. وفقا للبيانات الصادرة عن مركز برينان من أجل العدالة، تبرعت كل عائلة من العائلات الـ21 الأكثر تبرعا، 15 مليون دولار على الأقل، وتبلغ إجمالي تبرعاتها 783 مليون دولار، وتفوق بكثير التبرعات بالمبلغ الصغير البالغ مقدارها الإجمالي 3.7 مليون دولار. يوفر المليارنيرات 15.4% من نفقات الانتخابات الفيدرالية، وتدفقت معظم هذه الأموال الهائلة إلى لجنة العمل السياسي التي يسمح لها بقبول التبرعات بلا حدود على مبلغها.
لكن النفقات الهائلة في الانتخابات لم تتحول إلى حوكمة فعالة للبلاد، بل عكس ذلك، تتصاعد المحاصصة السياسية. أشار مقال لجريدة “ليانخه تساوباو” إلى أن السياسة الديمقراطية الغربية قد فسدت في العقود الماضية، حيث تتجمع الثروات في أيدي القلة القليلة من الناس يوما بعد يوم، وأصبح الفقراء أفقر والأغنياء أغنى. تبقى السياسة حكرا على الأغنياء والساسة لخدمة مصالحهم الخاصة، بينما لا يقدر الجماهير على فرض تأثير حقيقي على السياسة رغم امتلاكهم لحق التصويت. فإن هذا الإحساس بالعجز والإحباط الناتج عن فقدان الثقة بالأحزاب السياسية والحكومات التقليدية غذى النزعة الشعبوية، لكن المشكلة لا تزال موجودة دون حل.
(4) نفاق حرية التعبير
تتباهى الولايات المتحدة دوما بحريتها للتعبير. لكن في الحقيقة، يطبق المعيار الأمريكي الذي تحدده الولايات المتحدة نفسها على حرية التعبير الأمريكية. تكون المصالح الحزبية وسياسة المال “جبلين كبيرين” على رأس حرية التعبير، إذ سيتم فرض قيود صارمة على كافة الأقوال التي تخالف مصلحة الإدارة الأمريكية والرأسمال.
تقوم الإدارة الأمريكية بالرقابة الشاملة على وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا، والتدخل في الرأي العام للمجتمع. في ديسمبر عام 2022، غرد المدير التنفيذي لشركة تويتر إيلون ماسك والصحفي مات تايبي تغريدات متتالية، حيث أفسحت عن “ملفات تويتر”، التي كشفت عن أن الإدارة الأمريكية تقوم بمراجعة صارمة على جميع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تتدخل أحيانا بشكل مباشر في محتويات التغطيات للشركات الإعلامية الكبرى، على سبيل المثال، تقوم شركة غوغول بإخفاء روابط الصفحات في أحيان كثيرة. فضلا عن ذلك، قامت شركة تويتر قبل الانتخابات عام 2020 بمراجعة المعلومات الحساسة لمرشحي الانتخابات الرئاسية، وأعدت “لائحة سوداء” لتقييد عرض الحسابات والعناوين الساخنة غير المرحب بها، وتعاونت مع مكتب التحقيقات الفدرالي لمراقبة محتويات وسائل الإعلام الاجتماعي، ومنحت الضوء الأخضر للدعاية السيبرانية المزيفة التي تقوم بها القوات المسلحة الأمريكية. بلا أدنى الشك أن مثل هذه التصرفات بكافة أشكالها خلعت ورقة توت لحرية التعبير في الولايات المتحدة.
تهيمن الرأس المال وكتل المصلحة على ساحة الرأي العام. حينما تلتقي “حرية التعبير” لوسائل الإعلام الأمريكية بالرأس المال وكتل المصلحة، تفوح عنها رائحة المال الكريهة. إن معظم وسائل الإعلام الأمريكية مملوكة للقطاع الخاص، وتكون المجموعات الإعلامية في خدمة السلطة والنخبة، فتكون هناك علاقة تربط بين ملاك وسائل الإعلام والاستثمار والعوائد الإعلانية التي تعولها وسائل الإعلام، وبين الرأس المال وكتل المصالح. سلط الكاتب والإعلامي الألماني المعروف ميشال لوديرز في كتابه تحت عنوان “القوى العظمى المنافقة” الضوء بشكل مفصل على “آلية الفلتر” التي تقوم وسائل الإعلام الأمريكية من خلالها باختيار الحقائق وتحريفها في ضوء آثار كتل المصالح. في يناير عام 2023، كان مقطع فيديو صادر عن المنظمة اليمينية “برنامج الحقيقة (Project Veritas)” حول شركة فايزر الأمريكية في موقع أكثر إلفاتا على الإنترنت، قال فيه مسؤول رفيع المستوى لشركة فايزر جوردون تريستون والكير إن شركة فايزر تفكر في تطوير متحورات جديدة لفيروس كورونا المستجد، نظرا للأرباح الهائلة لتجارة اللقاحات، قائلا إن مسؤولي الرقابة في الإدارة الأمريكية لهم ربط مصلحي بشركات الأدوية. من أجل إطفاء الحريق، اتصلت شركة فايزر بموقع يوتيوب بشكل عاجل لحذف مقطع الفيديو المذكور أعلاه بحجة “مخالفة قواعد المجتمع”، بالإضافة إلى إصدار بيان بشأنه.
تستغل الولايات المتحدة وسائل التواصل الاجتماعي للتحكم في الرأي العام الدولي. كشف موقع التحقيق المستقل “The Intercept” في ديسمبر عام 2022 عن أن الوكالات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية تقوم بالتدخل في الرأي العام في دول الشرق الأوسط منذ زمن طويل من خلال التلاعب بالمواضيع والترويج الخداعي في تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. في يوليو عام 2017، أرسل ناثانيال كاهلر وهو مسؤول في القيادة المركزية للولايات المتحدة جدول بيانات يحتوي على 52 حسابًا عربيا إلى فريق السياسة العامة لتويتر، وطلب منه إعطاء الأولوية لخدمة ستة منها. حسب طلب كاهلر، قامت تويتر بإدراج هذه الحسابات العربية إلى “القائمة البيضاء” لتضخيم المعلومات التي تصلح للولايات المتحدة. أشار أريك سبورلينغ المدير التنفيذي لـ”السياسة الخارجية العامة” وهي منظمة أمريكية مناهضة للحرب، إلى أنه يجب على الكونغرس الأمريكي ووسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية إجراء تحقيقات واتخاذ خطوات بهذا الشأن، بما يجعل المواطنين على علم بأن ضرائبهم استخدمت في ترويج الحروب الأمريكية التي لا نهاية لها.
إن تفجير خطوط أنابيب “نورد ستريم” في سبتمبر عام 2022 فاجأ العالم، وأثارت هوية المسبب ودوافعه اهتماما بالغا لدى المجتمع الدولي. نشر سيمور هيرش وهو صحفي استقصائي أمريكي محنك وحاصل على جائزة بوليتزر، مقالة أشار فيها بكل وضوح إلى أن الإدارة الأمريكية هي وقفت وراء هذا الحادث. لكن وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي ظلت تمتلك حاسة الشم غضت الطرف عن هذا الخبر العاجل، وكانت ردود أفعالها غريبة. قالت الصحفية الكندية “westernstandard” والقناة الثانية للتلفزيون الألماني إن تقرير هيرش من أهم الأخبار خلال السنوات العشر الماضية، لكن جميع وسائل الإعلام في أمريكا الشمالية تقريبا لا ترغب في إفادة هذا الخبر، لأن الدول الغربية لا تريد أن تكون الحقائق وتقنيات المراقبة التي نشرتها في بحر البلطيق مكشوفة. بالإضافة إلى ذلك، فتحت وسائل الإعلام الغربية طريقا آخر، أي التشكك في صحة التقرير الذي نشره هيرش. في يوم 15 فبراير، نشر هيرش مقالة انتقد فيها الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام الرئيسية الأمريكية للتستر بكل السبل المتاحة على حقيقة تفجير خطوط أنابيب “نورد ستريم”. أشار المحللون إلى أنه من غير المستغرب أن تفرض وسائل الإعلام الغربية التي تتبع أوامر الولايات المتحدة تعتيما إعلاميا على تقرير هيرش.
(5) المنظومة القضائية تتجاهل الرأي العام
وقعت المحكمة العليا الأمريكية باعتبارها جهازا يحصن الدستور في حالة من انقسام لا مخرج له على غرار المجتمع الأمريكي، حيث يخطف الانقسام الاجتماعي السلطة القضائية، وتمتد الصراعات بين الحزبين إلى المنظومة القضائية، إذ أن أحكام المحكمة العليا تجسد بشكل متزايد الخلافات الكبيرة بين “أمريكين”، أي بين المحافظين والليبراليين، وأصبحت المحكمة العليا أداة للصراع السياسي، وتآكل أساس الفصل بين السلطات الثلاث بشكل مستمر. قد تم التخلي عن التقاليد وتجاوز الخطوط الحمراء في الصراع بين الحزبين.
قام الحزبان بتمرير أجندتهما السياسية الخاصة من خلال تغيير التوجه السياسي للمحكمة العليا. وأصبحت الانتخابات الرئاسية معركة بين الحزبين من أجل الحق في تعيين القضاة إلى حد ما. عين دونالد ترامب خلال ولايته 3 قضاة محافظين بعد وفاة القضاة السابقين للمحكمة العليا، مما أدى إلى تفوق عدد القضاة المحافظين بأغلبية ساحقة على عدد القضاة الليبراليين. نشر موقع جنوب إفريقيا “ديلي مافريك” مقالة قائلا فيها إن الأصوليين الإنجيليين البيض المتشددين قد سيطروا على المحكمة العليا بعد تولي ترامب منصب الرئاسة، حيث أصدرت المحكمة العليا دائما أحكاما لصالح الإنجيلية والشركات الكبيرة والحزب الجمهوري، وهذا لم يكن أمرا مفاجئا.
إن حكم المحكمة العليا بشأن حق الإجهاض خير دليل على العواقب الوخيمة الناجمة عن تورطها في الصراع بين الحزبين وفك ارتباطها بالمجتمع. في يوم 24 يونيو عام 2022، أيدت المحكمة العليا علنا النزعة الدينية المحافظة، حيث قضت ببطلان الحكم الذي صدر عام 1973 في قضية “رو ضد ويد”، وألغت الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض، مما أدى إلى احتجاجات في أماكن مختلفة في الولايات المتحدة. أظهر استطلاع الرأي أن هناك أكثر من نصف الأمريكيين يرون أن إلغاء حق الإجهاض يعني تراجعا للولايات المتحدة. قالت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية إن المحكمة العليا تقوم بتخريب الديمقراطية بحجة الدفاع عنها في قضية حق الإجهاض، مما قدم نموذجا حيا لـ”استبداد الأقلية”. إن محكمة عليا ذات تمثيل ناقص تم تعيين قضاتها من قبل رئيس ذي تمثيل ناقص، وتم المصادقة على هذا التعيين من قبل مجلس شيوخ ذي تمثيل ناقص واضح، لكن تأثيرات الأحكام لهذه المحكمة العليا على الولايات المتحدة ستمتد إلى عام 2030 أو عام 2040 حتى عام 2050.
كما ألغت المحكمة العليا القانون المتعلق بتقييد المواطنين من حمل البنادق بشكل غير معلن في خارج المنازل، الذي دخل حيز التنفيذ في ولاية نيويورك منذ عام 1913. قال حاكم ولاية نيويورك إنه من غير المقبول أن تقوم المحكمة العليا بإلغاء قانون الحد من البنادق في ولاية نيويورك بشكل متهور في الوقت الذي تقوم الولايات المتحدة فيه بإعادة التفكير في عنف السلاح. أشار المحلل السياسي الأمريكي ماثيو دود إلى أن السبب الجذري للمشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة حاليا يكمن في تفكك الديمقراطية، ويتطلع الأمريكيون إلى صدور حكم عادل لقضية “رو ضد ويد” والإصلاح الحقيقي في قضية السلاح ورفع الحد الأدنى للأجور وزيادة الضرائب على فاحشي الثراء وتحسين الخدمات الطبية الوطنية وغيرها من الإصلاحات التي تعبر عن نداءات المواطنين.
(6) الأمريكيون يتزايد شعورهم بخيبة الأمل إزاء الديمقراطية الأمريكية
أظهرت نتيجة استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وجامعة ميريلاند بشكل مشترك أن فخور الأمريكيين بالديمقراطية تراجع بشكل حاد، من 90% في عام 2002 إلى 54% في عام 2022. أظهر نتيجة استطلاع الرأي الذي أجراه معهد السياسة العامة في كاليفورنيا أن الناخبين في كاليفورنيا يشعرون بشكل عام بالقلق من انحراف الديمقراطية الأمريكية عن المسار الصحيح، و62% منهم يرون أن الولايات المتحدة تتطور نحو اتجاه خاطئ، و46% منهم يشعرون بتشاؤم حيال أفق تسوية الخلافات بالتعاون بين الأمريكيين الذين يمتلكون آراء سياسية مختلفة، و52% منهم يعربون عن استيائهم إزاء الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية الأمريكية. أظهرت نتيجة استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة كوينيبياك أن 67% من المشاركين يرون أن هناك مخاطر لانهيار النظام الديمقراطي الأمريكي، و48% منهم يرون أن هناك احتمالا لتكرار الحوادث مثل أعمال الشغب في الكونغرس الأمريكي. أظهرت نتيجة استطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 65% من الأمريكيين يرون أن النظام الديمقراطي الأمريكي يحتاج إلى إصلاح كبير، و57% منهم يرون أن الولايات المتحدة لم تعد نموذجا للديمقراطية. أظهرت نتيجة أبحاث جامعة كاليفورنيا (لوس أنجلوس) أن قدرة الحوكمة والمسؤولية الديمقراطية للإدارة الأمريكية تنخفض بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، وتفتقر الإدارة الأمريكية إلى إجراءات قوية فيما يخص الدفع بإصلاحات واسعة النطاق وتسوية المشاكل المتعلقة بعدالة الانتخابات والفبركة الإعلامية.
ثالثا، الولايات المتحدة تدفع بالديمقراطية قسرا، وتصنع الاضطرابات في العالم
رغم كثرة المشاكل التي تعاني منها الديمقراطية الأمريكية، لا تعيد الولايات المتحدة النظر في نفسها، بل تعالج أمراضها الداخلية بتصديرها إلى الخارج، وتصر على تصدير قيمها الديمقراطية إلى أنحاء العالم، وتقمع الدول الأخرى وتكسب مصالحها الخاصة باستغلال المواضيع المتعلقة بالديمقراطية، الأمر الذي يفاقم انقسام المجتمع الدولي والمواجهة بين المعسكرات.
(1) الاستقطاب السياسي يختطف السياسة الخارجية
تعد جملة “تتوقف السياسة على حافة الماء” مثلا شائعا في الأوساط السياسية الأمريكية، والتي تعني أن الصراعات بين الحزبين يجب أن تقتصر على الشؤون الداخلية، ويجب الحفاظ على الوحدة عند التعامل مع الشؤون الخارجية. إلا أن الخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول المواضيع الخارجية الهامة تتسع باستمرار بالتزامن مع تفاقم الاستقطاب السياسي، وشهدت السياسة الخارجية “تطرفا” أكثر، وأصبح “تجاوز السياسة حافة الماء” شيئا اعتياديا، الأمر الذي لا يضر بكثير من الدول النامية فحسب، بل يهدد حلفاء الولايات المتحدة أيضا.
منذ ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد، لفقت إدارة ترامب وبعض الساسة المتشددين مختلف الأكاذيب والشائعات ضد الصين بشأن تتبع مصدر الفيروس. ومن أبرزها ما يسمى بـ”تقرير تتبع مصدر فيروس كورونا المستجد” الذي نشره الجهاز الاستخباراتي الأمريكي في عام 2021، وهو تجاهل القواعد العلمية لتتبع مصدر الفيروس واختلق “تسرب الفيروس من معهد ووهان لعلم الفيروسات”، ولفق تهمة بأن الصين تفتقر إلى الشفافية وتعرقل التحقيق الدولي. إن تتبع مصدر الفيروس موضوع علمي، وتهدف هذه المحاولة الأمريكية إلى تضليل الرأي العام والتلاعب يتتبع مصدر الفيروس وقمع الصين واحتوائها من خلال إلقاء المسؤولية عليها، الأمر الذي يكشف بجلاء عن نفاق الديمقراطية الأمريكية والعواقب الوخيمة للاستقطاب السياسي.
بعد تولي إدارة بايدن مقاليد الحكم، انتهت الحرب الأفغانية التي طال أمدها لـ20 سنة، بالانسحاب المتسرع للجيش الأمريكي. فقد هدمت الولايات المتحدة دولة، ودمرت مستقبلا لأجيال شعبها، وهي غادرت دون تحمل أي مسؤولية في نهاية المطاف. رغم أن الجيش الأمريكي قد انسحب، تستمر الإدارة الأمريكية في فرض العقوبات على أفغانستان، وتجميد أصول البنك المركزي الأفغاني بشكل غير قانوني، مما زاد معيشة الأهالي المحليين سوءا. أشار التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في مايو عام 2022، إلى أن حوالي 20 مليون نسمة في أفغانستان يعانون من مجاعة خطيرة. تعرضت أفغانستان لزلزال قوي في يونيو عام 2022، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال ترفض رفع العقوبات عنها.
الاستقطاب السياسي الأمريكي له تداعيات خارجية. أشار التقرير الصادر عن جامعة أوتاوا الكندية إلى أن الدعم العلني الذي أعرب عنه بعض الساسة المحافظين ووسائل الإعلام مثل فوكس نيوز في الولايات المتحدة لعناصر اليمين المتطرف في كندا، يشكل تهديدات أكبر من أي دولة أخرى للديمقراطية في كندا، فيجب التفكير في آثار تراجع الديمقراطية الأمريكية على كندا. يرى الأستاذ غوردون لاكثر في جامعة ألبرتا الكندية أن القوة التي تدفع بالولايات المتحدة إلى الاستبداد قد أصبحت موجودة. ظل الكنديون يعتقدون منذ زمن طويل أن الولايات المتحدة أفضل صديق لهم وستدعم الديمقراطية إلى الأبد، ولكن لم يعد بإمكانهم أن يعتبروا ذلك أمرا طبيعيا.
(2) التحريض على المواجهة والمصارعة تحت ستار الديمقراطية
تعد الديمقراطية قيمة مشتركة للبشرية، ويجب ألا تستخدَم كأداة لدفع الاستراتيجية الجيوسياسية ومواجهة تطور البشرية وتقدمها. ولكن منذ فترة طويلة، تقوم الولايات المتحدة، انطلاقا من الحفاظ على هيمنتها، بخصخصة مفهوم “الديمقراطية” والتحريض على الانقسام وصنع المواجهة تحت ستار الديمقراطية وتخريب المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والنظام الدولي القائم على القانون الدولي.
ألحقت الأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها في بداية عام 2022 أضرارا جسيمة بأوكرانيا اقتصاديا ومعيشيا. أشار البنك الدولي في تقريره في أكتوبر عام 2022 إلى أن أوكرانيا تحتاج إلى ما لا يقل عن 349 مليار دولار أمريكي لإعادة الإعمار بعد الصراع، أي ما يعادل 1.5 ضعف لإجمالي حجمها الاقتصادي في عام 2021. بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، تعتبرها الولايات المتحدة فرصة لكسب المصلحة، حيث لم تتخذ أي إجراءات تسهم في وقف إطلاق النار، بل صبت الزيت على النار وكسبت أموالا هائلة باستغلال الحرب في مجالات مثل الصناعة العسكرية والطاقة. كما تصف الولايات المتحدة تقديم الأسلحة لأوكرانيا ب”الديمقراطية ضد السلطوية”. أشار التقرير الصادر عن مركز التنبؤات الاستراتيجي الصربي إلى أنه في نظر الولايات المتحدة، إن الهجمات التي شنتها روسيا عام 1999 للحاضرة الشيشانية غروزني تمثل جريمة، بينما تمثل نفس العملية التي نفذتها الولايات المتحدة في مدينة الفلوجة العراقية التي لها نفس حجم لغروزني، تمثل تحريرا. فإن ما تسميه الولايات المتحدة من الديمقراطية قد اختطِف منذ زمان من قبل كتل المصالح ورؤوس الأموال، وما أتت به إلى العالم ليس سوى الفوضى والاضطراب.
في أغسطس عام 2022، أصرت رئيسة مجلس النواب الأمريكية حينذاك نانسي بيلوسي على زيارة منطقة تايوان الصينية، بغض النظر عن المعارضة القاطعة والاحتجاج الجدي من قبل الجانب الصيني. وذلك يمثل استفزازا سياسيا خطيرا ارتقى بمستوى التواصل الرسمي بين الولايات المتحدة وتايوان، وأجج توتر الأوضاع في مضيق تايوان. لكن بررت نانسي بيلوسي قائلة إن زيارتها لتايوان “تعكس دعم الولايات المتحدة الثابت لديمقراطية تايوان.” إن زيارة نانسي بيلوسي لتايوان لن تكون بجوهرها مسألة متعلقة بالديمقراطية، بل هي مسألة تهم سيادة الصين وسلامة أراضيها. وإن ما قامت به ليس من أجل الدفاع عن الديمقراطية والحفاظ عليها، بل يعد استفزازا وانتهاكا لسيادة الصين وسلامة أراضيها. حتى بعض الساسة الأمريكيين لا يصدّقون مراوغات نانسي بيلوسي، وتشكك النائب الجمهوري غرين في نانسي بيلوسي، قائلا: “هي تستولي على السلطة منذ عقود، والدولة كلها تنهار، كفى مثل هذه الشجاعة الزائفة للدفاع عن الديمقراطية.”
أصبح المجتمع الدولي أكثر إدراكا لتصرفات الجانب الأمريكي. قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف إن الولايات المتحدة تسمي نفسها “الكاهن الأكبر”، وتصنع فوضى في أرجاء العالم تحت ستار “الحق للديمقراطية”، وتصدّر إرادتها بشكل فظ باستغلال الأموال والتحالفات والأسلحة المتقدمة. كتبت “الأهرام أون لاين” المصرية أن ما يسمى بأيديولوجيا “الحرية والديمقراطية” قد تم استخدامه من قبل الولايات المتحدة كسلاح للمساس باستقرار الدول الأخرى والتدخل في شؤونها الداخلية ونزع شرعية حكوماتها، وإن هذه التدخلات دائما لها تأثيرات سلبية خطيرة، ولا علاقة لها بما تدعي الولايات المتحدة به من تدعيم الديمقراطية والحرية. أشار رئيس حزب غيلورا الإندونيسي أنيس ماتا إلى أن الولايات المتحدة ماهرة في تحويل الدول الأخرى إلى ساحة المعركة، وأن الاستقطاب السياسي في إندونيسيا تم تخطيطه من قبل الولايات المتحدة وراء الكواليس، والصوت المعادي للصين في إندونيسيا أيضا من الأجندة السياسية الأمريكية، فيجب على المجتمعات المسلمة توخي الحذر من ذلك.
(3) تشديد العقوبات الأحادية الجانب
تفرض الولايات المتحدة منذ وقت طويل العقوبات الأحادية الجانب و”الاختصاص الطويل الذراع” على الدول الأخرى وفقا لقوانينها الداخلية وقيمها الخاصة وتحت ستار حقوق الإنسان والديمقراطية. خلال العقود الماضية، فرضت الولايات المتحدة العقوبات الأحادية الجانب والاختصاص الطويل الذراع على كوبا وبيلاروس وسوريا وزيمبابوي وغيرها من الدول، وفرضت الضغوط القسوى على كوريا الديمقراطية وإيران وفنزويلا وغيرها من الدول، وجمدت بشكل أحادية الجانب مساعداتها العسكرية المقدمة إلى مصر بقيمة 130 مليون دولار أمريكي بحجة عدم تحسين وضع حقوق الإنسان فيها، مما خرب بشكل خطير التنمية الاقتصادية ومعيشة الشعب في هذه الدول، وعرّض حق الحياة للخطر وتحدى حق تقرير المصير ومسّ بحق التنمية في هذه الدول، الأمر الذي شكل انتهاكا مستمرا وممنهجا وواسع النطاق على حقوق الإنسان في الدول الأخرى. في السنوات الأخيرة، فرضت الولايات المتحدة عددا متزايدا من العقوبات الأحادية الجانب، وأطالت الذراع لاختصاصها، وغضت النظر عن القانون الدولي والمبادئ الأساسية في العلاقات الدولية، وضرّت بمصالح الدول الأخرى وخاصة الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية، بغية الحفاظ على هيمنتها.
في مارس عام 2022، كشفت وكالة الأناضول التركية في مقالتها أن الولايات المتحدة غزت العراق باتهام مفبرك وتحت ستار “الديمقراطية”، مما أتى بمعاناة جسيمة على الشعب العراقي. أولا، معيشة الشعب تتفاقم بسبب العقوبات العشوائية. في الفترة ما بين عامي 1990 و2003، فرضت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية القاسية على العراق، الأمر الذي فاقم الوضع الاقتصادي وحياة الشعب بشكل خطير. حسب إحصاءات منظمة الأغنية والزراعة للأمم المتحدة، بقيت نسبة الجوع في العراق على مستوى عال بسبب تداعيات ما فرضته الولايات المتحدة من العقوبات وحظر الواردات، لقى 500 ألف طفل عراقي مصرعهم بسبب الجوع والظروف الصعبة للحياة في الفترة ما بين عامي 1990 و1995 فقط. ثانيا، الحروب والاضطرابات الممتدة للسنين أسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى من صفوف المدنيين. حسب إحصاءات وزارة الصحة العراقية، في الفترة ما بين عام 2003 حيث شنت الولايات المتحدة حربا على العراق وعام 2011 حيث أعلنت عن انسحاب قواتها منه، لقى ما يقرب من 120 ألف مدني عراقي مصرعهم بسبب الحرب. ثالثا، النمط السياسي الذي تم استنساخه بشكل فظ لا يتأقلم مع البيئة المحلية. قامت الولايات المنتحلة بدفع تطبيق الديمقراطية الأمريكية قسرا، بغض النظر عن الظروف الوطنية العراقية، مما زاد من النزاعات السياسية بين الأطراف العراقية.
إن ما قامت به الولايات المتحدة من العقوبات الأحادية الجانب يجسد بجلاء كبريائها وعدم مبالاتها للإنسانية. في يوم 11 فبراير عام 2022، وقع الرئيس جو بايدن أمرا تنفيذيا يقضي بمناصفة أصول البنك المركزي الأفغاني المودعة في الولايات المتحدة بقيمة حوالي 7 مليارات دولار أمريكي، ويستخدم نصفها كمصدر الأموال لتعويض المتضررين في حادث “11 سبتمبر”، أما النصف الآخر، فتم تحويله إلى حساب في البنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك. إن هذه التصرفات الأمريكية لنهب أصول الشعب الأفغاني علنا لاقت إدانة واسعة النطاق من المجتمع الدولي.
في مارس عام 2022، أفاد موقع “صحيفة إندونسيا” أن الجماهير من الأصول الأفغانية قاموا باعتصام أمام سفارة الولايات المتحدة لدى إندونيسيا، احتجاجا لقيام الإدارة الأمريكية باختلاس أصول الحكومة الأفغانية. قال المحتجون بغضب إن أصول الحكومة الأفغانية السابقة يجب أن تكون مملوكة للشعب الأفغاني، ويجب استخدامها لمساعدة الشعب الأفغاني الذي تعرض للأزمة الاقتصادية.
(4) تخريب دمقطرة العلاقات الدولية بشكل تعسفي
إن الشؤون الدولية من المنافع العامة للبشرية، فيجب التعامل معها عبر التشاور بين دول العالم، غير أن الولايات المتحدة لم تلتزم بمبدأ الديمقراطية بشكل حقيقي في العلاقات الدولية، حيث تتشبث الولايات المتحدة بعقلية الحرب الباردة تحت ستار “تعددية الأطراف” و”القواعد”، وتمارس تعددية الأطراف المزيفة وسياسة الكتل، وتثير الانقسام والاستقطاب، وتصنع المواجهة بين المعسكرات، وتمارس أحادية الجانب تحت مسمى تعددية الأطراف، وإن ممارساتها للهيمنة والطغيان والتنمر تقوض تطور تعددية الأطراف الحقيقية بشكل خطير.

وضعت الولايات المتحدة قوانينها المحلية فوق القانون الدولي، وتبنت موقفا براغماتيا من القواعد الدولية وتعاملت معها بشكل انتقائي. منذ ثمانينات القرن الـ20، سبق للولايات المتحدة أن انسحبت من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التربية والعلم والثقافة للأمم المتحدة، واتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق الشامل بشأن الملف النووي الإيراني، ومعاهدة تجارة الأسلحة، ومعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، ومعاهدة السماوات المفتوحة وغيرها من 17 منظمة أو اتفاقية دولية مهمة.
خالفت الولايات المتحدة بشكل سافر مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وشنت حروبا وصنعت الانقسام والصراعات في أنحاء العالم. على مدى أكثر من 240 عاما منذ تأسيس الولايات المتحدة، هناك 16 عاما فقط لم تخوض فيه الولايات المتحدة حربا، فهي تعد أكثر الدول تعطشا للحرب في تاريخ العالم. منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، شنت أو شاركت الولايات المتحدة في حروب عديدة مثل حرب كوريا وحرب فيتنام وحرب أفغانستان وحرب العراق، مما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف المدنيين والممتلكات، وأدى إلى الكوارث الإنسانية الكبيرة. منذ عام 2001، إن الحروب والعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة تحت مسمى مكافحة الإرهاب قد أسفرت عن مقتل 900 ألف شخص، وبينهم 335 ألف مدني، وأدت إلى ملايين من الجرحى وتشريد عشرات الملايين.
تجاهلت الولايات المتحدة “معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار” ومبادئ القانون الدولي، وتجاهلت الحقوق الديمقراطية لدول آسيا والمحيط الهادئ والدول الجزرية في المحيط الهادئ في الشؤون الدولية والإقليمية، وأعربت عن دعمها العلني لقرار اليابان بتصريف المياه الملوثة نوويا في حالة عدم قيام الحكومة اليابانية بالتشاور الوافي مع أصحاب المصالح والمؤسسات الدولية المعنية حول مسألة معالجة المياه الملوثة في فوكوشيما، وعدم توفير ما يكفي من المستندات العلمية والواقعية، وعدم معالجة الهموم المشروعة للمجتمع الدولي. من ناحية أخرى، حظرت الإدارة الأمريكية استيراد المنتجات الغذائية والزراعية في المناطق المحيطة بفوكوشيما اليابانية بسبب تلوثها بالمواد المشعة، الأمر الذي كشف عن مدى نفاق “المعيار المزدوج الأمريكي”.
تروج الولايات المتحدة عقلية الحرب الباردة في منطقة جنوب المحيط الهادئ، حيث استمالت بريطانيا وأستراليا لإقامة “الشراكة الأمنية الثلاثية” وتشكيل “الدوائر الضيقة” القائمة على العنصرية، وتعهدت بمساعدة أستراليا في بناء ما لا يقل عن 8 غواصات نووية بالتعاون مع بريطانيا. إن التصرفات الأمريكية تخالف بشكل خطير روح “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” و”معاهدة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ”، وتعد مناورة مجنونة عند حافة الانتشار النووي تأتي بمخاطر جسيمة. في نفس الوقت، فتحت هذه التصرفات “صندوق باندورا” لسباق التسلح في المنطقة، وألقت بظلالها على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
عشية انعقاد قمة الأمريكيتين التاسعة في يونيو عام 2022، كتب خبير الشؤون الدولية البنمي جوليو ياو (Julio Yao) مقالة في إحدى وسائل الإعلام المحلية قائلا إن الولايات المتحدة اليوم هي خائن مطلق للقانون الدولي، والتجسيد الأمثل للجوء إلى الهمجية والفظاظة في العلاقات الدولية. لم تصادق الولايات المتحدة على معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي الدولة الوحيدة التي لم توقّع أو تصادق على أي معاهدة بشأن حقوق الإنسان، ولم تحظر الأسلحة البيولوجية السرية، بل تمتلك أكثر من 200 مختبر فيما وراء البحار. إن الهدف الوحيد لاستضافة الولايات المتحدة قمة الأمريكيتين هو توريط دول أمريكا اللاتينية في الصراع الأوكراني، ومن ثم تقسيمها وإضعافها.
في أغسطس عام 2022، نشرت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” مقالة تقول إن الولايات المتحدة والدول الغربية وغيرها من ما يسمى بـ”الدول الديمقراطية” لا تستغل القواعد الدولية إلا عندما تكون لصالحها، مما يضعف أسسها بلا رحمة. نسيت الولايات المتحدة والدول الغربية تماما سلسلة من الأعمال التدخلية والانقلابية التي تمارسها في كل أنحاء العالم حينما اتهمت روسيا بـ”غزو” أوكرانيا. أضرت التصرفات الأمريكية باقتصاد العالم، وأوقعت المزيد من الدول المتوسطة الدخل في أزمة الديون. عندما تلتزم الدول القوية بقواعد صاغتها بنفسها بشكل انتقائي، يفقد النظام كله مصداقيته.
(5) تلفيق السردية الكاذبة المتمثلة في “الديمقراطية ضد السلطوية”
في الوقت الراهن، تتشبث الإدارة الأمريكية بعقلية الحرب الباردة ومنطق الهيمنة، وتروّج سياسة الكتل، وتلفّق سردية “الديمقراطية ضد السلطوية” لوضع علامة “السلطوية” على الدول المعنية، ويكون ذلك بطبيعته استخدام الأيديولوجية والقيم كأداة لاحتواء الدول الأخرى ودفع الأجندة الجيوستراتيجية تحت ستار الديمقراطية.
في عام 2021، استضافت الولايات المتحدة “القمة الأولى لقادة الدول من أجل الديمقراطية”، حيث قامت بترويج الاصطفاف الأيديولوجي بشكل سافر، وتقسيم المجتمع الدولي إلى ما يسمى بـ”المعسكرين الديمقراطي وغير الديمقراطي” بشكل مفتعل، الأمر الذي أثار شكوكا من الأطراف العديدة بما فيها أطياف المجتمع الأمريكي. نشرت مجلة “فورين أفيرز” ومجلة “ذا ديبلومات” مقالات تنتقد ما حددته القمة من الأهداف الخاطئة، إذ أنها لم تحقق الوحدة بين الدول الديمقراطية، بل لاقت انتقادا لاذعا حول تمثيل الدول المشاركة. غالبا ما تنقص الولايات المتحدة الأهداف المحددة لترويج الديمقراطية في العالم، إن الشعارات الرنانة دائما تشهد عملية بطيئة للتنفيذ. في ظل الظروف السيئة للديمقراطية في داخل الولايات المتحدة، إن انعقاد قمة الديمقراطية ستحدث أزمة جيوسياسية أكبر بدلا من النهوض بالديمقراطية في العالم. أشار الرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية باليابان تاناكا (Tanaka) إلى أن الولايات المتحدة فرضت ما يسمى بـ”الديمقراطية” على الدول الأخرى، وأطلقت حملة “الديمقراطية ضد السلطوية”، وعززت انقسام العالم، فيجب ألا يتبعها اليابان بشكل أعمى.
إن تعريف الذات بالديمقراطية وغيره بالسلطوية، هو أمر بحد ذاته غير ديمقراطي. ليس ما يسمى بـ”الديمقراطية ضد السلطوية” من خصائص العالم المعاصر، ناهيك عن عدم التماشي مع تطور العصر. علّقت القناة الأولى لتلفزيون بيلاروسيا الوطني على أنه من البديهي أن الولايات المتحدة تحدد قائمة المشاركين في القمة وفقا لـ”معاييرها الخاصة بالحرية”، لكن المشكلة هي لماذا تقتنع الولايات المتحدة بأنها قادرة على احتكار التعريف والفهم للديمقراطية، حتى تمليها على الدول الأخرى؟ كما أشارت صحيفة “ستريتس تايمز” السنغافورية في مقالة إلى أنه لا بد للولايات المتحدة من إدراك أن نظامها الديمقراطي قد بهت لونه، ولم يعد نموذجا ذهبيا. لا يوجد نموذج محدد للديمقراطية، ولم يعد للولايات المتحدة حق مطلق لتعريف الديمقراطية، ها هي حقيقة لا مراء فيها. يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم نهجها الدبلوماسي بشكل واقعي، وتغليب التعاون على المجابهة.
رغم أن التقييم للديمقراطية الأمريكية يكون في المستوى الأدنى في التاريخ سواء في داخل الولايات المتحدة أو في خارجها، إلا أنها لا تزال مندفعة في تصدير الديمقراطية والقيم الأمريكية إلى الخارج، حتى وصلت إلى مستوى الجنون. لا تكتفي الولايات المتحدة بتشكيل “الشراكة الأمنية الثلاثية” و”الآلية الرباعية” و”تحالف العيون الخمس” وغيرها من التحالفات القائمة على القيم، بل تحاول ممارسة الاصطفاف الأيديولوجي في مجالات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والتواصل الشعبي، وتضخيم عقلية الحرب الباردة، وتعكير وتخريب التعاون الدولي الطبيعي. علقت قناة الجزيرة القطرية بقولها إن الولايات المتحدة ما زالت تصر على استضافة قمة الديمقراطية لتثبت على أنها قائد الديمقراطية للعالم، على خلفية تراجع ثقة الناس بنظامها الديمقراطي، الأمر الذي جعلها محل الشكوك الواسعة. قال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية جيمس غولدجير إن الولايات المتحدة قد فقدت المصداقية، فيجب على الإدارة الأمريكية أن تعقد قمة بشأن الديمقراطية المحلية، للتركيز على الظلم وعدم المساواة وحق التصويت والمعلومات المزيفة وغيرها من المشاكل في داخل البلاد. أشارت كبيرة الباحثين في المجلس الأطلسي أيما أشفورد إلى أن الولايات المتحدة كيف يمكنها أن تنشر الديمقراطية أو تنصب نموذجا للدول الأخرى في حالة غياب شبه كامل لنظام ديمقراطي يدور بشكل طبيعي في داخلها؟ أشارت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” إلى أن القمة تعكس صورة نمطية للولايات المتحدة حول مسألة الديمقراطية بالنقطتين التاليتين: أولا، في ظل تراجع الديمقراطية في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، يحتاج العالم إلى الولايات المتحدة لتغيير الوضع الراهن؛ ثانيا، إن الولايات المنتحلة بكونها أهم دولة ديمقراطية في العالم، تكون قيادتها العالمية مهمة للغاية بالنسبة للدول الأخرى. هذه الصورة النمطية تتجاهل تماما حقيقة متمثلة في التراجع المستمر للديمقراطية الأمريكية، وتتجاهل نوايا أغلبية الدول للتخلص من اختطاف “مفهوم الديمقراطية” الأمريكية المنافقة، ناهيك عن رغبة شديدة للدول النامية الغفيرة في تطوير الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب.
رابعا، خاتمة
تعد الديمقراطية قيمة مشتركة للبشرية جمعاء، لكنه لا يوجد نظام سياسي يناسب جميع الدول في العالم. بما أن حديقة الحضارات البشرية مزدهرة ومتنوعة، فيجب أن تكون الديمقراطية في دول العالم لها أشكال متنوعة. لدى الولايات المتحدة الديمقراطية الأمريكية، ولدى الصين الديمقراطية الصينية، ولدى كل دولة نموذجها الخاص من الديمقراطية التي تلائم ظروفها الوطنية. وينبغي أن يكون الشعب من يقيم ويحكم ما إذا كانت بلاده ديمقراطية أم لا، وكيف تتحقق الديمقراطية فيها على نحو أفضل، ولا يجوز لحفنة من الدول المغطرسة أن توجه إملاءات.
من غير المنقع أن توجه دولة تكتنفها عيوب إملاءات على الدول الأخرى، ومن يربح على حساب الآخرين ويعبث بالعالم تحت ستار الديمقراطية سيجد رفضا واسع النطاق، إن تقسيم العالم إلى الفئتين الديمقراطية والسلطوية ببساطة لأمر يفتقر إلى الحداثة والعلم. إن ما يحتاج إليه عالم اليوم ليس الانقسام باسم الديمقراطية أو نزعة أحادية الجانب التي تستعلي بالذات، بل يحتاج إلى تعزيز التضامن والتعاون على أساس مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والالتزام بتعددية الأطراف الحقيقية. إن ما يحتاج إليه عالم اليوم ليس التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ذريعة الديمقراطية، بل تكريس الديمقراطية الحقيقية ونبذ الديمقراطية المزيفة والعمل سويا على الدفع بدمقرطة العلاقات الدولية. إن ما يحتاج إليه عالم اليوم ليس “القمة من أجل الديمقراطية” التي تأجج المجابهة ولا تساهم في التعاون لمواجهة التحديات العالمية، بل المؤتمرات التضامنية التي تتخذ إجراءات عملية وتركز على حل القضايا البارزة في المجتمع الدولي.
تمثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان تطلعات مشتركة للبشرية، وقيما يسعى الحزب الشيوعي الصيني إليها دوما. تتمسك الصين بالديمقراطية الشعبية الكاملة العملية وتطوّرها، وتجسد مفهوم “كون الشعب سيدا للدولة” في الحوكمة والإدارة للبلاد من قبل الحزب بشكل ملموس وواقعي. تحرص الصين على تعزيز التواصل والاستفادة المتبادلة مع كافة الدول حول الديمقراطية، بما يكرس قيم البشرية المشتركة التي تتمثل في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، ويدفع بدمقرطة العلاقات الدولية، ويقدم مساهمات أكبر في قضية التقدم للبشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى