جريمة التهديد في القانون العراقي
اجنادين نيوز / ANN
عبد العزيز حسين علي
لعلّ من أبرز الأمور التي دعت إلى أهمية وجود تنظيم يحكم العلاقات بين أفراد المجتمع ، هو ما ينشأ بين الأفراد من نزاعات و تضارب بين المصالح ؛ نتيجة لما يشمله الواقع من كم هائل من تعاملات اضطر إليها الإنسان عندما وجد نفسه عاجزا بمفرده عن تلبية بعض حاجاته التي لا يمكن أن يصل إليها دون الإعتماد على الآخرين من نظرائه البشر سيما عندما اخذت الجماعات البشرية تؤسس المدن الحديثة بشكلها الحضاري المنظم.
ولما كان القانون هو الوسيلة المثلى لتحقيق التوازن بين العلاقات بما يضمن حفظ الحقوق والمصالح و ما يتصف به من تجرد وعمومية لا يستثنى من قواعده أحد ؛ تفرعت لنا إتجاهات عديدة لتغطي كل نواحي الحياة الإجتماعية
وما استقرأه فقهاء القانون من الواقع العاملي بوضعهم الفروض التي تمثل أوجه النزاع او التعدي ليضعوا لنا احكاما فاصلة تردع من تسوّل نفسه مخالفتا وكأنه بذلك يرسم السلوك المثالي للإنسان داخل مجتمعه.
إن القوانين العقابية تتضمن بنصوصها جميع السلوكيات والأفعال التي تشكل جرائم توجب معاقبة من يقترفها ، وهي على اختلاف أنواعها تشمل صور التعدي والتجاوز على المصالح العامة و الخاصة سواء أكانت مادية أو معنوية من التي قرر القانون حفظها وحمايتها.
ومن أبرز الجرائم التي تنال من سلامة و أمن الإنسان داخل المجتمع وتعكر صفو حياته و حقه في سلامة نفسه من الخوف والقلق هي جريمة التهديد التي نص عليها المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل في المواد ( 430 – 432) و التي وضع لها عقوبات مختلفة تبعا لجسامة الفعل المشتمل على التهديد و القصد الذي يبتغيه الجاني مو ورائه؛ ولذا فإن المشرع عدّ التهديد من جنس الجناية ضمن الفقرة (1) من المادة (430) في حالة قيام الجاني بالتوعد لآخر بان يرتكب جناية ضد نفسه او ماله او ضد نفس او مال غيره – شخص يهم المجني عليه – او بإسناد أمور مخدشة للشرف او إفشائها وكان ذلك مصحوبا بطلب او بتكليف بأمر او الأمتناع عن فعل او مقصودا به ذلك ؛ و مثالا على هذا الفرض ( كأن يقوم أقارب فتاة ما بتهديد شخص يروم الزواج منها بأن يقتله او يعتدي على سلامة جسمه بالضرب او نحو ذلك من الأفعال التي تعد من الجنايات او يقوم بتشويه سمعته بأمور مخدشة للشرف تتعلق به او بشخص اخر يهمه بغض النظر عن حقيقة هذه الأمور إذا ما اقدم هذا الشخص فعلا على التقدم لخطبة هذه الفتاة ) و حيث شددّ المشرع العقاب في هذا الفرض لما يشتمل عليه من خطورة كبيرة للجاني بأن جعل العقوبة السالبة للحرية تصل إلى السجن لمدة لا تتجاوز ٧ سنوات او الحبس ( حسب سلطة القاضي التقديرية تبعا لظروف وملابسات الجريمة ) .
وفي الفرض الآخر الوارد في الفقرة (2) من نفس المادة جعل العقوبة ذاتها اي (السجن لمدة ٧ سنوات او الحبس) ولكن ضمن حالة أخرى تعبر أيضا عن خطورة في ذات الجاني ودرجة كبيرة من الترويع تبعثه في نفس المجني عليه عندما يكون التهديد بواسطة( خطاب يخلو من إسم مرسله او مسند صدوره إلى جماعة سرية سواء أكانت موجودة فعلا ام مزعومة ).
وينزل المشرع بعد ذلك بالعقوبة إلى وصف الجنحة وهي الحبس مدة لا تتجاوز ٥ سنوات بنص المادة (431) إذا لم يصاحب حالة التهديد الواردة في نص المادة السابقة طلب او أمر بتكليف بأمر او الأمتناع عن فعل.
ومن أجل اي يغطي المشرع كل الجوانب المتصلة بحالة التهديد بغض النظر من عما يرافقها من ظروف وملابسات مما لم يتم ذكرها في النصين السابقين (430 , 431) ؛ جاء لنا بالمادة (432) والتي تنص ” كل من هدد اخر بالقول او الفعل او الإشارة كتابة او شفاها او بواسطة شخص اخر في غير الحالات المبينة في المادتين 430 و 431 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة او بغرامة لا تزيد على مائة دينار”
حيث تتطرق هذه المادة إلى الوسيلة التي يكون فيها التهديد فقد تكون بالقول مباشرة او من خلال وسيط او الفعل كمن يقوم بوضع رصاصة داخل ظرف ويضعها على باب المجني عليه او بالرسم او الإشارة المفهومة ففي كل هذه الحالات تقع جريمة التهديد لكن النزول في العقوبة جاء بسبب عدم اقتران العفل بأحدى الحالات التي تم ذكرها والدالة على خطورة المجرم و جسامة فعله.
ولا بد من الإشارة إلى أن المسؤولية تبقى قائمة ولو لم يقم الجاني بتنفيذ وعيده كون المسؤولية تتحقق لمجرد قيامه بالتهديد الجدي مع انصراف علمه وارادته إلى بث حالة الخوف والرعب في نفس المجني عليه اي بتوافر القصد الجرمي وخلاف ذلك تنتفي المسؤولية في حالة ما إذا كان الفعل من قبيل المزاح او الهزل ونحو ذلك.
كما تجدر الإشارة إلى أن النصوص أعلاه تستغرق بمعالجتها الصور الجديدة من حالات التهديد التي ظهرت إبان مواقع التواصل الإجتماعي وما يعرف اليوم ( بالابتزاز الإلكتروني ) الذي غالبا ما يتمثل بحالة إسناد أمور مخدشة بالشرف او أفشائها مقابل القيام بعمل معين سيما وأن المشرع في كثير من المواطن لا يعتد بالوسيلة التي ينفذ بها الجاني جريمته فمواقع التواص اليوم باتت ملازمة لحيتنا اليومية وجزء من واقعنا الإجتماعي.