تعليق: اتفاقية المقايضة بين العراق وإيران تسرّع من وتيرة إزالة الدولرة
أعلن العراق مؤخرا عن توصله مع إيران إلى اتفاقية لمقايضة “النفط مقابل الغاز”، تجنّبا لتعطيل سداد المستحقات الإيرانية بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. وبهذه الطريقة سيصبح بإمكان العراق ضمان إمدادات الطاقة في الصيف، وفي نفس الوقت تسريع مشاريع ااستخراج الغاز الطبيعي، سعياً وراء تحقيق “الاكتفاء الذاتي”.
وأشار الخبراء إلى أن اتفاقية “النفط مقابل الغاز” التي تم التوصل إليها بين إيران والعراق تمثل محاولة أخرى للتهرب من العقوبات المالية الأمريكية والسعي إلى “نزع الدولرة”. ما سيؤدي على المدى الطويل إلى تسريع وتيرة “إزالة الدولرة” في بعض البلدان وإضعاف هيمنة الدولار تدريجيًا. موضحين بأن “تسليح” الولايات المتحدة للعقوبات يهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي ورفاهية الشعوب.
وبحسب بيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي الصادر في 11 يوليو، فقد وقع مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي، اتفاقية المقايضة التجارية مع سفير إيران لدى العراق محمد كاظم آل صادق في نفس اليوم. وتقضي الاتفاقية بتبادل النفط الخام الثقيل العراقي بالغاز الطبيعي الإيراني. حيث ستستخدم العراق الغاز المستورد في تشغيل محطات الكهرباء المحلية.
ويأتي هذا الاتفاق في ظل موجة الحر الشديد التي تشهدها العراق خلال هذه الصائفة والتقطعات المستمرة للكهرباء، وتأثير ذلك على حياة المواطنين.
وبحسب رويترز، فإن ما يصل إلى 40٪ من إمدادات الكهرباء في العراق تعتمد على إيران. وبالإضافة إلى استيراد الكهرباء مباشرة من إيران، يعتمد العراق أيضا على استيراد الغاز الطبيعي الإيراني لتوليد الطاقة. وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد أشار في خطاب متلفز إلى أنه بسبب التأخير في الموافقة على التحويل من قبل الولايات المتحدة، فإن مدفوعات العراق المستحقة لإيران قد تراكمت بنحو 12.1 مليار دولار. ونتيجة لذلك، خفّضت إيران في وقت سابق من هذا الشهر إمداداتها بأكثر من 50٪، مما أثّر بشكل خطير على توليد الطاقة في العراق.
وتعليقا على هذه الاتفاقية، أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لن تغير سياستها الخارجية تجاه إيران أو العراق، وستواصل تنفيذ جميع العقوبات ضد إيران. في هذا الصدد، قال سون ديقانغ، الباحث في مركز أبحاث الشرق الأوسط بجامعة فودان، إن الولايات المتحدة تطبق “ولاية قضائية طويلة المدى” وتستخدم موقعها المهيمن في نظام الدفع المالي العالمي لإساءة استخدام القوانين المحلية وفرض عقوبات قاسية على إيران وشركائها التجاريين. وهذا إلى جانب أنه يخرق قواعد منظمة التجارة العالمية، فهو يؤثر أيضا على الأطراف الثالثة التي تمارس مبادلات تجارية عادية مع إيران .
ووفقًا لتقارير وسائل إعلام أجنبية، يحتاج العراق إلى تحويل دفوعاته إلى حساب مصرفي تحدده الولايات المتحدة والحصول على موافقة من الولايات المتحدة قبل أن يتم تحويلها إلى إيران. في ذات الوقت، فإن تصرّف إيران في هذه الأموال يبقى مقيّدا، ولايمكنها استخدامها إلا في استيراد البضائع غير المستهدفة من العقوبات الأمريكية.
ويرى سون ديقانغ، أن العقوبات الأمريكية قد جعلت المعاملات التجارية للأطراف الثالثة مع إيران أكثر تعقيديا وإرهاقا. ودفعت المزيد من الأطراف الثالثة إلى ممارسة تجارة المقايضة مع إيران. فمن ناحية، يمكنها التهرب من العقوبات المالية الأمريكية و”الولاية القضائية طويلة المدى” على إيران. ومن ناحية أخرى، ستسهم المقايضة في تسهيل التجارة مع إيران وضمان سلاستها.
وبحسب رويترز، قالت سريلانكا قبل أيام قليلة إنها تسعي للتوصل إلى صفقة مقايضة لـ “الشاي مقابل النفط” مع إيران في أسرع وقت ممكن، لسداد 250 مليون دولار أمريكي مستحقة مقابل النفط الإيراني وإجراء التجارة دون الاعتماد على الدولار الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، طرحت باكستان مؤخرًا خططًا لفتح تجارة المقايضة مع روسيا وأفغانستان وإيران.
وذكرت وكالة سبوتنيك الروسية، إن وزير التجارة الباكستاني سيد نافيد قمر قد قال بأن اتفاقية المقايضة التجارية ستقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي. ونشر موقع “الدبلوماسية الحديثة” الأوروبي مؤخرًا مقالًا نقلاً عن محللين أشاروا فيه إلى أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على العديد من الدول، قد دفعت هذه الدول إلى تعزيز المعاملات التجارية فيما بينها، مما ينبؤ بأن عصر “البترودولار” قد اقترب من نهايته.
وقالت مجلة “إنترناشونال بانكر” أنه بالنظر إلى أن العقوبات الأمريكية تطال قرابة ربع سكان العالم، فإن اتجاه “إزالة الدولرة” حول العالم قد لن يغدو مفاجئًا في المستقبل.
ويعتقد سون ديقانغ أن الولايات المتحدة تفرض هيمنة مالية كبيرة على إيران من خلال ممارسة رقابة عالية وتدقيق في المعاملات التجارية بين إيران والدول الأخرى. ويشير سون إلى أن أضرار العقوبات الأمريكية لاتتوقف عند التجارة الدولية فحسب، وانما تتعداها إلى المصالح الأمريكية. حيث تبرز المقايضة اليوم كوسيلة فعّالة لتجنب المخاطر. ومع استمرار اتساع نطاق المقايضة وتنوعها في المستقبل، قد يعزز ذلك اتجاه “إزالة الدولرة” في نظام التجارة العالمي. مما سيؤثر على مكانة الولايات المتحدة في سوق رأس المال العالمي.