“سوداح” – يمنيون أقحاح في بلاد الشام.. ارتحلوا إلى فنزويلا ! (2)
اجنادين نيوز / ANN
بقلم: مروان موسى سالم سوداح*
*كاتب وصحفي أردني حائز على أوسمة عديدة وشهادات تقدير من رؤساء وحكومات الدول الحليفة والصديقة، ورئيس هيئات صداقة دولية.
عائلة “سوداح”، كبيرة العدد، ويسكن أفرادها في بلدان مختلفة، تقع على يابسة شتى القارات، إذ إن وجودهم المكاني لم ولا يتوقف على استقرارهم في الأردن أو في رياح عَددٍ من البلدان العربية والأجنبية، ضمنها الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا، يمكن وصف هذه العائلة بالعائلة الأُممية، كونها تحمل العديد من المزايا الإيجابية، كالثقافات المتعددة، ولأنها تمتزج في مسارات الحضارات التي انطبعت شخصياتها فيها جرّاء اقامتهم الطويلة في تلك الدول التي فتحت للسوداحيين أبوابها عبر عصور مطوية.
ولهذا، ينتشر آل سوداح في فنزويلا، ويقيمون فيها منذ عهد بعيد وحتى هذه اللحظة استناداً إلى أحاديث المرحوم والدي موسى الذي تابع أمر جزء من هذه العائلة في كاراكاس، ويُعتَقد أن عدداً من السوداحيين ينتشرون كذلك في بلدان قصية غير فنزويلا التي تقع في قارة أمريكا الجنوبية (اللاتينية).
ووفقاً للمرحوم والدي، موسى سالم موسى سوداح، فإن “جزءاً كبيراً” من آل سوداح يعودون بأصلهم إلى اليمن، فقد قال لي أبي ذات مرة بأن شجرة العائلة غدت أوسع عدداً مع تشتت العائلة في أقطار عدَّة، لكن وجود العائلة في المنطقة التي تشتمل على “سد مأرب” التاريخي كان طويلاً، عبر الأزمان الضاربة أوتادها في عمق التاريخ والجغرافيا.
لم يتم توثيق تاريخ هذه العائلة ورقيًا في الصُحف والكُتب، إلا إن بعض أجزائه بقيت حاضرةً يتم تداولها من جيل سوداحي إلى أخر، من خلال الموروثات الشفهية من أب لإبنه. شخصيًا، ورثتُ شذرات من تاريخ عائلتي من فِيِهِ أبي المرحوم موسى سالم موسى سوداح (صَدَّاح – صُوداح)، والذي أكد لي مرارًا وتكرارًا على الأصل الأول للعائلة الذي يَعود إلى اليمن بالذات؛ حين كانت أُسرة مُتحدة يَشد بعضها أزر بعض.
في يوميات والدي الذي وَرِثَ بعضاً من تاريخ الأسرة عن أبيه، جَدي “سالم”، تحدّث عن أن أحوال المنطقة التي سكنتها العائلة واعتاشت على زَرعِها، والحلال الكبير الذي رَعَى فيها، لا سيّما وأن الماء كان آنَذاك وفيرًا في تلكم الإقليم الجميل الذي حباه المولى العظيم بحمايته وحدبه ورعايته، لكن تلك الرقاع الأرضية قد تعرضت قبل نحو 200 سنة إلى عاصفة مَحْل، وجَدْب، فكان أن ساد جَفاف، وحلَّت أزْمَة طعام وبُؤْس على الجميع الذين عانوا هناك من شَظَف الحياة وشِدَّة القَحْط والفَقر، وجاع عدد غير قليل من الناس في تلك الفيافي اليمنية التي توطَّن فيها البشر وأوائل العرب، فاضطر أبناء العشيرة السوداحية الصغيرة إلى مغادرة أحوازهم اليمنية متوجهين صوب الشمال عبر الصحارى والسهول، وعبروا الجبال، فدخل جزء منهم فلسطين الجنوبية والوسطى، وتمركزوا في ضواحي مدينة نابلس وبلدة رفيديا “الضفة الغربية”، في فلسطين المحتلة حاليًا. في حين توزّع جزء منهم في جنوب الأردن، وكان بين طرفي “العائلة – العشيرة” في المكانين الفلسطيني والأردني علاقات قوية ومُصَاهَرة، وتبادل المنافع والمساندة المتبادلة، وكل هذا أدَّىَ إلى تثبيت السوداحيين في هذه البقاع الشامية الكبيرة والقليلة السكان في تلك السنين، والتي كانت آنذاك خاضعة للحكم العثماني.
خلال السنوات الطويلة المَطوية، ظهرت مرادفات عديدة لكُنية العائلة، فمِن “سوداح” تفرَّعَت كُنى منها صوداح، صادح، صدَّاح (أي، صاحب الصوت الرخيم لكون أحد أجدادنا كان شهيرًا بالغناء، وفقاً للمرحوم أبي)، و صَيدح، سِنداحة وغيرها من المرادفات التي ظهرت وتكاثرت تبعًا لظروف العائلات السوداحية التي غدت بعيدة عن بعضها البعض في بلاد الشام الواسعة (فلسطين، الأردن، سورية)، إذ تفرّقت الأُسر، وتباعدت وتحوصلت على ذواتها، وبالتالي ضعف ترابطها ببعضها البعض. بعض السوداحيين يفسِّرون هذا الأمر – الواقع الذي خَيَّم على آل سوداح بسبب شح الأعمال والأشغال وشظف العيش لديهم في أوطانهم الشمالية الجديدة، ولقلة أعدادهم بالمقارنة مع العشائر والقبائل الشامية الكبيرة والاخرى العربية.
سبق وان كتبت ونشرت العديد من المقالات عن عائلة سوداح، في جرائد أردنية يومية، بعضها توقف عن الصدور والأخرى تواصِلُ النشر، منها “الأنباط” اليومية الورقية، بالإضافة إلى صحيفتي “الدستور” و “الرأي”. في بعض المنشور بقلمي عن الشخصيات الشهيرة من العائلة، مواد عن الشاعر والصحفي والكاتب والأديب جورج صيدح (سوداح)، الشخصية المتميَّزة. فبالرغم من هذه السنوات الطويلة على رحيله وعائلته، إلا إن أشعاره متوافرة، وما تزال وافرة لِمَن يبحث عنها في عالم العرب والعربية، وتستذكره دول شقيقة وصديقة، ومجالس الأُدباء والكتّاب والمَهجريين العروبيين، ودوائر القلميين في أمريكا اللاتينية وأوروبا.
كَتَبَت صحيفة «اللواء» اللبنانية ذات يوم، أن جورج صيدح أبصر النور في حيّ زقاق الصواف بدمشق، سنة 1893. كان والده قاضياً في محكمة الاستئناف هناك، طوال ثلاثين عاماً، وأدخله ذووه إحدى المدارس الابتدائية في حارة الكنيسة المَريمية سنة 1899، فقضى في هذه المدرسة عاماً واحداً فقط. ثم دخل (المدرسة الآسية)، ومكث فيها حتى عام 1909. وكان من الأذكياء والنوابغ في اللغة العربية، وغير مُحب للدروس واللغات الأخرى.
عاش أديبنا جورج بن ميخائيل بن موسى صيدح في لبنان ردحاً من الزمن، بعد أن كانت عائلات من عشيرته قد غادرت مدينة الكرك الأُردنية إلى الشمال الشامي، واشتهر بكونه واحداً من أبرز أعلام أدب المَهجر، وكرّس حياته من أجل فلسطين، ولديه إبنة وحيدة (جاكلين)، تزوجت من (حنا غصن)، صاحب مجلة «الديار» اللبنانية، وأتمنى اللقاء بها.
جاء في مقالاتي كذلك: يَنتمي جورج صيدح إلى عشيرة سوداح الكبيرة التي تعود بأصلها الى منطقة مأرب اليمنية. وسكن وعاش ردحاً طويلاً في الشام ولبنان، وارتحل الى عدة دول، منها فنزويلا، حيث ساهم بدور كبير في تأسيس الروابط القلمية للأدباء العرب في المَهاجِر الأمريكية، والتي كان لها باع طويل في نشر اللغة العربية الجميلة، وحضارة الأُمة العربية وقضاياها في أمريكا الجنوبية.
تذكرتُ جورج وقِصص المرحوم أبي عنه، بخاصة تاريخه الفنزويلي واللاتيني، عندما دعاني سعادة الرفيق والصديق الكبير والراقي (عمر فيالما اوسونا)، سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية لدى المملكة الأُردنية الهاشمية، لحضور ندوة، في سفارته الموقرة، إذ كانت الندوة ذات إفادة كبيرة وهي بعنوان: “فِكر بوليفار وتشافيز في الثورة البوليفارية” السلمية، وقد استمعت للندوة باهتمام بالغ، إذ أنني ارتحلت خلالها إلى المواقع الفنزويلية التي عاش فيها الراحل صيدح والصدَّاحين الصَدَاحِيِّين من نوابغ آل سوداح، هذه العائلة العربية العريقة، والتي ستبقى عريقة للأبد أن شاء الله.