التكنولوجيا الرقمية تظهر وجها جديدا للتحف الأثرية في موقع سانشينغدوي الشهير في الصين
اجنادين نيوز / ANN
المصدر / جريدة الشعب الصينية اليومية
تم افتتاح متحف سانشينغدوي الجديد في قوانغهان بمقاطعة سيتشوشان جنوب غربي الصين، رسميا أمام الناس في يوم 27 يوليو. ومن بين الآثار الثقافية المعروضة في المتحف حوالي 600 قطعة أثرية جديدة تعرض لأول مرة، مما جذب انتباها واسعا من الزوار.
يعد الموقع الأثري سانشينغدوي الأكبر حجما والأطول تاريخيا والأغنى بالآثار الثقافية المكتشفة والمعروفة حتى الآن قبل فترة تشين شي هوانغ في جنوب غرب الصين، كما يُعرف أيضًا بأنه أحد أعظم الاكتشافات الأثرية للبشرية في القرن العشرين. تبلغ مساحة المدينة القديمة في الأطلال الأثرية حوالي 3.6 كيلومتر مربع، وقد شهدت ازدهرا كبيرا في منتصف وأواخر عهد أسرة شانغ منذ أكثر من 3000 عام.
تتمركز في موقع استكشاف أطلال سانشينغدوي قوة المؤسسات البحثية الهامة في الصين. إذ أنه تم دمج مجموعة متنوعة من التقنيات التخصصية والوسائل التكنولوجية المتقدمة والبحوث الأثرية بشكل كبير في علم الآثار بسانشينغدوي، مما سمح بابتكار نموذج بحثي للتنقيب الأثري وشكل منصة مفتوحة للتعاون متعدد التخصصات. ومن خلال الكشف عن حفنة من الرماد على سبيل المثال، يمكن معرفة حرفية النسيج بالتفصيل منذ 3000 عام، وباستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي للمطابقة، يمكن استعادة القطع البرونزية المتناثرة في حفر القرابين المختلفة وإعادتها إلى وضعها الأصلي.
لقد كانت الآثار الثقافية في حالة مستقرة نسبيًا لفترة طويلة تحت الأرض، وشهدت البيئة المحيطة تغيرات هائلة بعد اكتشافها، وإذا لم تتم حماية هذه الآثار في الوقت المناسب، فستتضرر بشكل كبير، مثل تغير لون طلاء اللوحات وكربنة المواد العضوية إلى غير ذلك من الأشياء الأخرى. واعتمدت إعادة التنقيب في هذا الموقع الأثري على مقصورة مغلقة للتنقيب الأثري، والتي يمكنها التحكم بدقة في درجة الحرارة والرطوبة، وتجنب تداخل الغبار الخارجي والبكتيريا وعوامل التلوث الأخرى، وتوفير حماية فعالة للآثار الثقافية في الموقع. وهناك أيضًا مختبرات لحماية الآثار الثقافية في حالات الطوارئ ومستودعات مؤقتة بجوار هذه المقصورة، مع وجود العديد من المعدات المتطورة الأخرى التي يمكن الحصول عليها بكل سهولة.
استخراج الآثار الثقافية هو أيضا عمل تقني. يأخذ أعضاء فريق التنقيب عن الآثار أولاً عينات من التربة والمواد اللاصقة بها والتي لها صلة وثيقة بالآثار الثقافية، ويختبرونها ويحللون حموضتها وقلويتها، والأملاح التي بها القابلة للذوبان ومحتوى الرطوبة إلى غير ذلك من المؤشرات الأخرى، مما يوفر أساسًا مرجعيًا لاستخراج الآثار الثقافية وحفظها لاحقًا. ولضمان عدم تلف الأوعية البرونزية الكبيرة أثناء الاستخراج، تم استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لأول مرة لطباعة غلاف واقٍ من السيليكون يناسب تماما شكل الوعاء المستخرج.
بالإضافة إلى ذلك، يستخدم التنقيب في موقع سانشينغدوي تقنية طور الحركة الاهتزازية لتسجيل خطوط العرض وخطوط الطول المقابلة لكل بقايا أثرية أو عينة تربة يتم اكتشافها في الوقت الفعلي وإنشاء رمز ثنائي الأبعاد، والذي يتضمن أيضًا معلومات مثل العمر ومادة الأثر الثقافي، بحيث يكون للآثار والعينات الثقافية الفريدة من نوعها “بطاقة هوية” خاصة بها.
كيف يتم إعادة القطع البرونزية المكسورة المنتشرة في الحفر المختلفة التي كانت تقدم فيها القرابين إلى شكلها الأصلي حسب التقريب؟ اعتمد فريق حماية الآثار الثقافية في هذا الموقع الأثري طريقة الربط الرقمي للنماذج ثلاثية الأبعاد لمسح الآثار الثقافية في جميع الاتجاهات لبناء نموذج ثلاثي الأبعاد، كما يتم استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لاستخراج معلومات عن السمات الهندسية للأجزاء المختلفة وحساب درجة المطابقة لبعضها البعض، بالإضافة إلى تحليل بيانات القوة للتحقق من قوة إمكانية تركيبات الربط المختلفة، ومن دون لمس الأشياء الحقيقية، يمكن للباحثين محاكاة المطابقة والاستعادة في الفضاء الرقمي للتحقق الكامل من مختلف الحلول الممكنة.
أدى المستوى المحدود للعلوم والتكنولوجيا إلى عدم القدرة على إجراء أبحاث متعمقة حول العديد من الآثار الثقافية. في الثمانينيات من القرن الماضي، أدى اكتشاف عدد كبير من القطع البرونزية والأواني الذهبية وقطع أخرى من اليشم وغيرها من الآثار في سانشينغدوي إلى ذهول الأوساط الثقافية في العالم. لقد بدى الرماد المرتبط بالقطع البرونزية غير مثير للانتباه، لكنه جذب اهتمام الباحثين في ذلك الوقت. حيث تكهن البعض بأنها بقايا من الحرير، لكن الفحص البصري وحده لم يكن كفيلا بتأكيد ذلك.
لكن في السنوات الأخيرة فقط تم حل هذا اللغز. حيث قام متحف الحرير الصيني ووحدات أخرى بتطوير تقنية الكشف عن بروتين الحرير بناءً على مبادئ المناعة، وقد تم العثور على عدد كبير من بقايا الحرير في أطلال سانشينغدوي التي تم إعادة التنقيب فيها في عام 2021. وباستخدام تقنيات التحليل المتقدمة مثل الفحص المجهري لعمق المجال والتحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء الدقيقة، أعاد الباحثون إجراء أبحاث معمقة على بعض القطع البرونزية المكتشفة منذ أكثر من 30 عامًا، وتم التأكد من وجود الحرير.
وقال تشو يانغ الباحث في متحف الحرير الوطني الصيني: “إن اكتشاف بقايا الحرير يثبت أنه خلال فترة ثقافة سانشينغدوي، كان الناس الأوائل في مملكة شو القديمة يمتلكون بالفعل تقنيات متقدمة وناضجة فيما يتعلق بالنسيج، وهذا يساعد على سد الفجوة في دراسة تاريخ المنسوجات خلال فترة شو القديمة.”
تشبه الوسائل العلمية والتكنولوجية “النظارات المكبرة” و “المجاهر” التي يتم الاعتماد عليها، مما يتيح للباحثين التقاط المزيد من الآثار من نفس الآثار الثقافية واستخراج كميات هائلة من المعلومات التي كان من الصعب الحصول عليها من قبل.
وبغض النظر عن المادة التي يتم استعمالها، فإن تقادم الآثار الثقافية أمر لا رجوع فيه، واستخدام الوسائل الرقمية لتسجيل معلومات كاملة عن هذه الآثار يمنحها “حياة جديدة”. بمساعدة الرقمنة يمكن للباحثين والزوار في جميع أنحاء العالم الحصول على معلومات عن الآثار الثقافية في أي وقت وفي أي مكان. وقد أدى تحول الآثار الثقافية من الموارد المادية إلى الموارد الرقمية إلى نشر المزيد من تسليط الضوء لتعزيز التعلم المتبادل لحضارات العالم وتعليم العلوم الاجتماعية.
مقصورة الحفريات الأثرية بموقع سانشينغدوي. مصدر الصورة: إدارة الدولة للتراث الثقافي
تظهر الصورة قيام الباحثين على حماية وترميم الآثار الثقافية المكتشفة في موقع سانشينغدوي. مصدر الصورة: إدارة الدولة للتراث الثقافي
تمثال من البرونز تم ترميمه بمساعدة التكنولوجيا الرقمية. مصدر الصورة: معهد مقاطعة سيتشوان للآثار الثقافية والعلوم الأثرية.