التغيُّر المناخي يدفع بنساء اهوار ذي قار نحو البحث عن مهن أُخرى

اجنادين نيوز / ANN
علاء الطائي
عمدت أُم حسن مربية المواشي في اهوار الجبايش الى استبدال مهنتها نحو صناعة الحصران بعد ان دفعها الجفاف نحو ذلك حتى أصبحت الظروف المعيشية عليها غير يسيرة.
قضاء الجبايش الذي تسكنه ام حسن يقع شرق محافظة ذي قار جنوب العراق والذي يبلغ سكانه قرابة الـ50 الف نسمة وتضم اكبر المسطحات المائية الطبيعية في المحافظة،
مربية المواشي تركت مهنتها الأصلية وتبحث عن مهنة أُخرى وعمدت بمساعدة ابنتها الى صناعة الحصيرة القصبية (البارية) التي تتم عن طريق القصب والبردي وهو احد النباتات الطبيعية التي تخرج من دون تدخل الانسان.
أُم حسن تقول، “اقطع مسافات طويلة تصل الى 3 كيلو مترات صباحاً للحصول على هذا النبات، بعد ان كان محيطاً بي من كل جانب، الا ان الشحة المائية تسببت بفقدان تلك النباتات.”
فعملية صناعة الحصيرة القصبية تعينها على مقاومة الحياة كي تعيل نفسها وافراد عائلتها المكونة من ثلاثة افراد من خلال بيعها لمن يرغب بشرائها.
الجبايش جمع كلمة جبيشة التي هي جزيرة صناعية تسبح على صفحة ماء الهور تم التحضير لها بعناية وكونت من طبقات الطمي والقصب والبردي التي تتم تكديسها فوق بعضها حتى تصبح مثلها كمثل جزيرة عائمة يمكن أن تبنى عليها ديار القصب أو الصرايف، وقد وردت هذه الطريقة في العيش من خلال مدونات السومريين قبل سبعة الالاف عام .
وتنظر ام حسن (61 عاما) مربية المواشي في قضاء الجبايش بمحافظة ذي قار جنوب العراق بنظرة منكسرة الى الجاموس الذي هلك نتيجة الجفاف مما اثر على واقعها المعاشي ولتبحث عن حلول لعلها تصل الى نتيجة تسهم في بقائها بعد ان ارتحل العشرات من العوائل نتيجة الجفاف ونفوق المواشي.
زينب شهيد الاسدي من شبكة نساء العراقيات اوضحت بان التغير المناخي تسبب بمشاكل للمراة الريفية وفي مقدمتها فقدان مصادر العيش لذا عمدن الى النزوح وتمت ملاحظة ذلك اذ سجلنا ما يقارب في الصيف الماضي نزوح عائلتين بشكل يومي وهذا الامر يؤشر بشكل سلبي على المراة الريفية.
لكن نظراتها بقيت قلقة غير مطمئنة لواقعها فهي تشك من ان يكون هناك حلولا تلوح في الافق سواء عن طريق دفعات ماء تزرع في نفسها الامل للبقاء، فهذه المواشي وبعض النباتات التي تخرج في الاهوار هي المصدر الاساسي لمعيشتها وبقائها في هذه البيئة التي توارثتها عن ابائها واجدادها .
وسجلت محافظة ذي قار في الاعوام الممتدة من 2021 وحتى 2023 نزوح اكثر من 1300 عائلة بسبب الجفاف ولازالت الاعداد في تزايد في الوقت الذي كشف معاون محافظ ذي قار فيصل الشريفي عن مبادرة للبنك الدولي بتدريب اكثر من 2000 رب اسرة مناصفة بين النساء الرجال لتعليمهم مهن مختلفة مقاربة لاجوائهم لديمومة توطينهم في مناطقهم وبعدها منحهم قروضاً مالية من اجل البدء بها.
معاون محافظ ذي قار فيصل الشريفي كشف عن خطة للعمل على توطين العوائل الاهوارية خوفا من نزوحها من خلال برنامج تدريبي من البنك الدولي والذي يتضمن تدريب الفي رب اسرية من النساء والرجال على مهن هي قريبة على المهن ضمن بيئة الاهوار، وبعد اكمال التدريب الذي يمتد لشهرين يتم منحهم قرضا مالي للبدء بالمشروع.
ملهمة لتدريب فتيات الاهوار
ام حسن مربية المواشي ملهمة لتدريب فتيات الاهوار، واثناء تواجدها في الاهوار تمكنت من استغلال وجود نبات القصب والبردي الذي ينبت على مسافات بعيدة في الاستفادة منه بصناعة الحصيرة القصبية من اجل مواجهة الجفاف، والاعتماد على بيعه للأهالي في المدن وأصحاب المضائف الكبيرة بل قامت بتعليم الفتيات الصغيرات من احفادها والقريبات منها اذ لم يتجاوز عددهن العشر فتيات.
ان الشحة المائية قد قست علی ام حسن وعلى جميع من حولها لذا حاولت البحث عن وسائل يمكن ان تسهم في استمرار بقائها وعدم الهجرة، وقد لبت دعوتها في هذا العمل ابنتها التي تقوم بجمع مادة القصب من على مسافات بعيدة اذ تبدأ من الصباح الباكر والبحث عن أماكن تواجد هذا النوع من النباتات.
عائلتها كانت هي الأولى في دعمها ومساندتها، بالإضافة إلى ابنتها، اذ يقوم ابنها ميثم بقطع مسافات بعيدة لحصد القصب وجلبه لامه كي تتمكن من صناعة الحصيرة القصبية ومن ثم بيعها، اضافت ام حسن.
وتقوم ام حسن بشطر القصبة الى جزئين طوليا ومن ثم تقوم بوضعها عند الشوارع او الطرق المؤدية الى منطقة سكنهم كي يتم سحقها بالعجلات لتتساوى ومن ثم يتم جمعها من جديد والعمل على نسجها وكأنها تنسج الخيوط بعضها ببعض لتنتج عملا فني فريد تسمى الحصيرة وتسمى بلغتهم الدارجة “البارية”.
هذه المراة الستينية تعتمد في خطتها على العمل بشكل يومي نتيجة الاثار المناخية التي طغت على البيئة لكنها عازمة على الاستمرار بالعمل في ساعات النهار ومضاعفته خلال فترة الليل كي تمكن من نسج اكبر عدد ممكن للاستفادة من بيعها .
الخبير المائي في منظمة طبيعة العراق جاسم الاسدي الذي تم القاء به في مكتبه في قضاء الجبايش، ان المخطط لأغمار الاهوار بالمياه وفق رؤية مركز انعاش الاهوار التابع لوزارة الموارد المائية تصل الى 5560 كيلو متر مربع ولم يبلغ الاغمار لكامل المساحة خلال السنوات الماضية الا افي عام 2019 فقد تحقق نسبة اغمار 80% ولكن سرعان ما تراجع حتى جفت اغلب المساحة اذ تجاوزت نسبة الجفاف في هذه المساحة 90% وما بقي سوى مياه في الجداول والانهار الضيقة.
ويضيف الاسدي بان السكان المحليين يواجهن اشرس ظروف مرت عليهم خلال الازمنة الماضية حتى ان اسعار حيوان الجاموس الذي يعد العنصر المكمل والاساسي للاهوار انخفضت الى قرابة المليوني دينار لراس الواحد ، بعد ان كان سعره قبل الجفاف ثلاث مليون دينار ونصف المليون .
تغيير الوظيفة، لا الوطن
ام حسن مربية المواشي ملهمة لتدريب فتيات الاهوار، واثناء تواجدها في الاهوار تمكنت من استغلال وجود نبات القصب والبردي الذي ينبت على مسافات بعيدة في الاستفادة منه بصناعة الحصيرة القصبية من اجل مواجهة الجفاف، والاعتماد على بيعه للأهالي في المدن وأصحاب المضائف الكبيرة بل قامت بتعليم الفتيات الصغيرات من احفادها والقريبات منها اذ لم يتجاوز عددهن العشر فتيات.
فاطمة احدى اللواتي يتعلمن هذه المهنة وتبلغ من العمر 12 سنة تقول، “ان هذا العمل يعطيني حافزاً جديد بالبقاء والعمل رغم فقدان عملنا الرئيسي”، وهو الرعي بالجاموس او صيد الأسماك ولكن الان يمكن ان انسج حصيرة وبيعها بمقدار تصل الى 8 الاف دينار ويمكن إعالة امي وابي ولكن العوق الرئيسي هو المسافة البعيدة لجلب القصب لان الجفاف اتسع في الاهوار فيحتاج ان نقطع مسافة طويلة لحصد نبات القصب.
المختار أبو محمد في قضاء الجبايش ، يرى ان تعليم المهن الأخرى غير مهنة تربية المواشي وصيد الاسماك أصبحت ضرورية لادامة العيش في مناطق ضربها الجفاف وخصوصا النساء وما لاحظناه من تعليم الفتيات لمهنة صناعة الحصران فكرة جيدة وأتمنى ان يكون اهتمام من الجهات الحكومية لتطويره وبالتالي كي يستحصلن مبالغ مالية لمواجهة العيش.
في هذا أثناء، ان زيادة حجم المشكلة والجفاف دفع بالسكان المحليين للاهوار نحو الهجرة اما في المحافظة ذاتها او الرحيل الى محافظة أخرى وان خطة الحكومة بالتنسيق مع مبادرة البنك الدولي تستغرق وقت من وقت انطلاق الدورات وحتى تخرجهم وخلال هذه الفترة يحتاجون الى من يعيل ذويهم لذا تخلق مشكلة اقتصادية جديدة اذ ما فكرت بالحلول للمواطنين.
ام حسن تجد ان دورها وعملها انتهى وبقي الامر متعلقا بالحكومات المحلية المركزية في بغداد، لمساندة ودعم هذه الفئة الهشة لتطويرعملهم والحفاظ عليهم من احتمالية الهجرة وترك المواطن الاصلي.
وقفت ام حسن بعد ان انهت ما يقارب السبع ساعات جلوسا وهي تنسج تلك الاعواد الخشبية لتلملم البقايا المرمية على الارض وتضعها جانبا ومن ثم تغسل يديها كي تستلقي على الارض في غرفتها لتستريح من تعب وتنتظرها ساعات في اليوم المقبل .
وعلى الرغم من المصاعب التي تواجهها ام حسن في حياتها العملية، “تؤكد انها تشجع النساء على الانخراط في العمل واقتحام الكثير من القطاعات”.
تم إنتاج هذا التقرير ضمن اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز