هل تغدو الصين منطلقاً للأقمار الصناعية العربية إلى الفضاء الخارجي؟
بفضل الصين، مصر أصبحت أول دولة أفريقية تمتلك قدرات تجميع الأقمار الصناعية وتكاملها واختبارها وتوظيفها في مشاريعها الاقتصادية وغيرها
اجنادين نيوز / ANN
*إعداد: يلينا نيدوغينا
في الأخبار قبل أيام قليلة، وبالتحديد في يوم الإثنين، الموافق للرابع من ديسمبر 2023م، وفي تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر ذاك اليوم بتوقيت الصين، أعلنت “وكالة الفضاء المصرية” عن خبر غاية في الأهمية مصرياً وصينياً، بل ومهم للغاية على صعيدين عربي شمولي وأُممي، والخبر هو نجاح الصين، ولأول مرة في التاريخ، في إطلاق القمر الصناعي “مصر سات 2″، من قاعدة إطلاق (تيوتشان) بمدينة (تيا أكوان) الصينية، وذلك لخدمة أهداف التنمية المُستدامة لجمهورية مصر العربية.
يأتي هذا التطور اللافت جداً للانتباه، والحافل بالمعاني العميقة في جوهر العلاقات المصرية الصينية، والعربية الصينية، في إطار تفعيل إتفاقية التعاون الفني والاقتصادي بين مصر والصين، حيث تابعت الوكالة المصرية، أن القمر يأتي كَـ “خطوة هامة على طريق توطين صناعة تكنولوجيا الأقمار الصناعية في مصر بالتعاون مع الصين، في ضوء الشراكة الاستراتيجية التي تجمع حكومتي البلدين، والتعاون المُثمِر والبَنَّاء بين البلدين الصديقين”.
وفي هذا الصدد، جاء في الأخبار التي نشرتها جريدة “الشعب” الصينية، يوم الجمعة، الثامن من ديسمبر 2023م، وهي أهم صحيفة في الصين على الإطلاق، أن مصر تُعد أول دولة تتعاون مع الصين في مجال الأقمار الصناعية في إطار البناء المشترك لمشروع “الحزام والطريق” الذي بدأته الصين، وبهذا الإطلاق إلى الفضاء، قد أصبح التعاون في مجال الفضاء أحد المجالات الرئيسية للتعاون الصيني المصري في السنوات الأخيرة، إذ يُرسِى هذا التعاون أساسًا متينًا لتطوير صناعة الفضاء في مصر، أضف إلى ذلك، أنه سيدفع بعملية تطوير تكنولوجيا الفضاء في القارة الإفريقية أيضاً.
وتزيد “الشعب الصينية” الشهيرة دولياً أيضاً: أن ياسين منير، مدير اختبار المشروع المصري، يتذكر بوضوح المشهد الذي تم فيه تسليم النموذج الأولي للقمر الصناعي، إذ أكد: “سيصبح هذا القمر الصناعي علامة فارقة في تطور صناعة الطيران في مصر.. وأنا أتطلع إلى هذا النجم الذي يَسطع في الفضاء”.
ويُعدُ مشروع القمر الصناعي “مصر سات -2″ إنجازًا تاريخياً للبناء المشترك لـ “الحزام والطريق” بين الصين ومصر، وأحد المشاريع المحددة لتنفيذ “الإجراءات الثمانية الكبرى” التي اقترحتها قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك)، إذ إن السيد منير يعمل منذ شهر مارس بشكل وثيق سوياً مع زملائه من مصر والصين لإجراء اختبارات مختلفة على النموذجين الصناعيين، ولتحديد الحالة الفنية للأقمار الصناعية النموذجية. وقال منير: “تحت التوجيه الدقيق للمهندسين الصينيين، أكملنا بنجاح العديد من مهام الاختبار والتحقق. وساعدنا الأصدقاء الصينيون في تحقيق اختراقات تكنولوجية.”
وبعد تسليم النموذجين الأوليين للقمر الصناعي بنجاح إلى مصر، أكمل القمر الصناعي كامل النطاق التجميع والاختبار والتحقق في مصر وتم شحنه مرة أخرى إلى الصين. قال تسوي يوفو، كبير المصممين وقائد القمر الصناعي، إن التسليم السلس للنموذج الأولي للقمر الصناعي يؤكد تماماً أن مصر لديها بالفعل القدرات العملية والتطبيقية لأنظمة التجميع النهائي وأنظمة الاختبار واسعة النطاق.
بالإضافة إلى ذلك، تم مؤخرًا الانتهاء من تركيب واختبار نظام القياس والتحكم الأرضي ونظام التطبيقات الأرضية في مصر، استعدادا للعمل بعد إطلاق القمر الصناعي. وسيتولى النظام الأرضي مهام القياس والتحكم للقمر الصناعي “مصر سات-2″، وضمان التشغيل المستقر ونقل البيانات للقمر الصناعي، وتزويد مصر ببيانات ومعلومات الرصد الأرضي الدقيقة. وبذلك، “قد أدّى مشروع القمر الصناعي “مصر سات-2″ المدعوم من الصين، إلى تحسين قدرات مصر التنموية المستقلة في صناعة الفضاء بشكل كبير”. قال أحمد رافع، قائد المشروع: إنه سيتم استخدام بيانات الأقمار الصناعية في تعداد الأراضي والموارد في مصر، ومراقبة المحاصيل، وإدارة الموارد المائية، والبناء الحضري، وما إلى ذلك، لتوفير دعم المعلومات لاتخاذ القرارات العلمية في مجال الزراعة والمياه في مصر، والحفاظ على البيئة وغيرها من المجالات، ولها أهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر.
المزيد من المهندسين المصريين يصبحون العمود الفقري لمجال الفضاء بمساعدة الصين
إن تكنولوجيا الفضاء هي انعكاس للقوة الوطنية الشاملة، ويجب أن يعتمد تقدم صناعة الفضاء بشكل وثيق على المواهب المحلية في مجال الفضاء. ويعتمد القمر الصناعي “مصر سات-2″ نموذج تطوير مشترك، وتتكون جميع المناصب في الفريق من الصين ومصر بالتناسب، ويشارك الجانب المصري بعمق في التصميم والتجميع النهائي والاختبار والمراجعة والجوانب الأخرى للقمر الصناعي.
لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد السمك. ولا نحتاج إلى تقديم المساعدة الفنية فحسب، بل نحتاج إلى مساعدة الحكومات المحلية في تعزيز بناء أنظمة التقييس أيضا”. قال تسوي يوفو، إن المعايير هي اللغة المشتركة والمبادئ التوجيهية للتعاون والتبادلات الدولية، وهي بمثابة جسر مهم للتعاون الفني والاتصالات، ويلعب توحيد معايير هندسة الفضاء دوراً مهماً في التنمية المستدامة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء. وبعد التوجيه والتدريب، تعلم العاملون والتكنولوجيون المصريون تدريًجياً، وأنشأوا نظام العمل الفضائي الخاص بهم، ونظام التوثيق الفني والنظام القياسي.
وبصفته المصمم الرئيسي للجانب المصري من مشروع القمر الصناعي “مصر سات-2″، شارك طلال بشكل كامل في تصميم القمر الصناعي واختباره والتحقق منه وتنسيق الفريق وغيره منذ إطلاق المشروع في عام 2019. وصرح طلال أنه بمساعدة الخبراء الصينيين، تمكن هو وزملاؤه من إتقان التقنيات ذات الصلة، “هذه التجربة جعلتني أنمو بسرعة وجعلتني أكثر ثقة في مستقبل صناعة الفضاء في مصر”.
“وبمساعدة الصين، أصبح المزيد من المهندسين المصريين العمود الفقري لمجال الفضاء، وشكلوا مجموعة المواهب. والأهم من ذلك، أن التطور السريع في أعمال توحيد المعايير أدى إلى تحسين كفاءة العمل بشكل كبير، ووضع أساس متين لتطوير صناعة الطيران في مصر.” قال أحمد رافع.
تعزيز صناعة الفضاء في مصر لمواصلة تحقيق تطورات جديدة
قال تامر دباش، مدير مركز AIT المصري للأقمار الصناعية: “أعرب بعض الناس قبل بضعة أشهر، عن عدم ثقتهم بإمكانية النجاح. الآن، أصبح هذا أمرا مثيرا للدهشة بالنسبة لهم.” مضيفا، إن مصر أصبحت أول دولة أفريقية تمتلك قدرات تجميع الأقمار الصناعية وتكاملها واختبارها، “كل ذلك بفضل الصين”.
وباعتباره بنية تحتية أرضية مهمة، لا يمكن الاستغناء عن مركز AIT للأقمار الصناعية في تطوير الأقمار الصناعية. في الماضي، لم يكن لدى مصر مركز خاص بها للأقمار الصناعية، لذلك لم تكن قادرة على امتلاك قدرات أولية لتطوير الأقمار الصناعية ولم يكن بإمكانها الاعتماد إلا على استيراد الأقمار الصناعية الأجنبية الكاملة. وفي يناير 2016، وقعت الصين ومصر اتفاقية للمساعدة في بناء مركز AIT للأقمار الصناعية المصرية، وبدأ التنفيذ في عام 2017. ويعد المركز أكبر مشروع للمساعدة الفنية في الصين منذ إنشاء خط السكة الحديد بين تنزانيا وزامبيا. وتبلغ مساحة المركز حوالي 6400 متر مربع ويتكون من ورشة عمل نظيفة لتجميع الأقمار الصناعية وسلسلة من معدات التجميع والتكامل والاختبار الداعمة..
بالإضافة إلى إنشاء البنية التحتية، ومن أجل مساعدة مصر على إتقان تركيب وتشغيل المعدات، قدمت الصين تدريبًا للعاملين العلميين والتكنولوجيين المصريين، بما في ذلك 11 دورة يبلغ مجموعها 416 ساعة من التدريب النظري و6 جلسات تدريس ميدانية، وتم تأليف أكثر من مليون كلمة من المواد التعليمية الداعمة. وفي يونيو من هذا العام، تم الانتهاء من إنشاء المركز بشكل أساسي واستكمال القبول الفني، مما مكن مصر من الحصول على بنية تحتية فضائية متقدمة دوليًا، وقد لعب دورًا في الانتهاء السلس من التجميع النهائي والتكامل والاختبار للقمر الصناعي “مصر سات -2” على أرض مصر.
وقالت رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي المصرية، إن مساعدة الصين لمشروعي مركز AIT المصري والقمر الصناعي “مصر سات-2” قد حققت تقدما كبيرا، مما أدى إلى تحسين كبير في البحث والتطوير المستقل في مصر للأقمار الصناعية وقدرات القياس والتحكم بالأقمار الصناعية والتطبيقات، مما يجعل مصر الدولة الإفريقية الأولى في مجال الفضاء، وهو ما تقدره وتشكره مصر بشدة.
“التعاون بين مصر والصين في مجال الفضاء مُثمِراً.” قال شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية، إن مركز AIT المدعوم من الصين هو أول مركز لتطوير توطين صناعة الأقمار الصناعية في مصر التي سيمكنها من لعب دور رائد في نقل تكنولوجيا الأقمار الصناعية إلى أفريقيا. كما ستقدم الدعم لاستراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030. مضيفاً، أن مصر ترغب في زيادة تعميق وتوسيع التعاون مع الصين، والتعلم من تجربة الصين الغنية في مجال الفضاء، وتعزيز صناعة الفضاء في مصر لتحقيق تنمية جديدة بشكل مستمر.
تحسين قدرة مصر على تطوير صناعة الفضاء بشكل مستقل
أُقيم حفل تسليم النموذج الأولي للقمر الصناعي “مصر سات-2” بمساعدة الحكومة الصينية في مركز تجميع واختبار تكامل الأقمار الصناعية AIT في مدينة الفضاء المصرية في يونيو/حزيران من هذا العام، ماجعل مصر أول دولة أفريقية تمتلك قدرات الاختبار والتجميع النهائي والمتكامل للأقمار الصناعية.
“روس كوسموس” إذ “توثِّق تعاونها مع الشركات الروسية الخاصة لتطوير الأقمار الصناعية
وقد جاء في المراجع الإعلامية الصينية، ضمنها “روسيا اليوم” الناطق بالعربية، أن فريقاً من مهندسي وكالة الفضاء المصرية، سوياً مع فريق من الخبراء الصينيين، من مركز الأبحاث الخامس التابع لشركة CASC، شارك في صناعة القمر في مراحل تصميم وتصنيع القمر كافةً، ونجح الفريق المصري في تنفيذ أحد مكونات القمر بالكامل، وبالتالي سيكون لدى مصر أول مُنتِج مصري يُطلق إلى الفضاء، وفقاً لوكالة الفضاء المصرية.
ومن الجدير بذكره هنا، أنه تم تجميع وتكامل واختبار النماذج المختلفة للقمر الصناعي في مركز التجميع والتكامل والاختبار في وكالة الفضاء المصرية، والذي يُعَدُ الأكبر من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط، وتم تأسيسه في إطار الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين.
ومن مهام هذا القمر الصناعي “مصر سات 2″، العمل على أهداف التنمية المُستدَامة للدولة المصرية من خلال استخدام تكنولوجيا الفضاء في تطوير قطاعات حيوية، منها على سبيل المثال لا الحصر، الزراعة، واستكشاف الثروات المعدنية، وتحديد مصادر المياه السطحية، ودراسة التغيّر المناخي على البيئة بما يُساهم في دعم الاقتصاد المصري، فضلاً عن تعزيزه لدور مصر الريادي من خلال توفير البرامج التدريبية الهادفة لتأهيل الكوادر المتخصصة في القارة الإفريقية ومنطقة “الشرق الأوسط”، وإمدادها بالبيانات الفضائية.
من جانبها، قالت الشركة الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء، إنه تم إطلاق مركبتين فضائيتين صينيتين هما Starpool-2A وStarpool-2B المعروفتين أيضا باسم Xingchi-2A وXingchi-2B في وقت واحد إلى المدار. وكان الإطلاق الذي تم من قاعدة جيوتشيوان الفضائية في شمال البلاد الساعة 12:10 بتوقيت البلاد ناجحا.
واستخدم في إطلاق القمر الصاروخ CZ-2C وهو صاروخ ذو مرحلتين ويعمل بالوقود السائل ويبلغ قطره 3.35 مترا، ويصل طوله إلى 42 متراً، وهو قادر على إيصال ما يصل إلى 2.85 طن من الحمولة إلى مدار أرضي منخفض.
وتعمل بكين بنشاط على تطوير برنامجها الفضائي الوطني، وتطوير أقمار صناعية وتقنيات للأرصاد الجوية والاتصالات والملاحة مصممة لاستكشاف القمر. وينفذ متخصصون صينيون مشروعا لدراسة الكويكبات والمريخ، وقد تم الانتهاء من بناء المحطة الفضائية لجمهورية الصين الشعبية في المدار، وهي مستعدة للتعاون الدولي. وفي عام 2022، أجرت الصين 64 عملية إطلاق، محطمة مرة أخرى الرقم القياسي الخاص بها، ولتحتل بذلك المركز الثاني في هذا المؤشر العام بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ـ المصادرالمُستخدَمَة في هذه المقالة هي: جريدة “الوطن” المصرية + وكالة أنباء “تاس” الروسية + فضائية “روسيا اليوم” الروسية + وكالة الأنباء الكويتية “كونا”.
ـ يلينا_ياروسلافوفنا_نيدوغينا: إعلامية وكاتبة نشرت في جريدة “الدستور” اليومية الأُردنية، ورئيسة تحرير “ملحق الرؤية الروسية” في صحيفة “ذا ستار” الأُردنية سابقاً، وعضو أتحادي مؤسس، ومستشارة الرئيس ورئيسة الفرع الاردني في الهيئة الإدارية العربية والمجلس القيادي التنفيذي للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.