مأساة عشرين يناير- صفحة شرف وبطولة في تاريخ آذربيجان
اجنادين نيوز / ANN
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية
مأساة عشرين يناير- صفحة شرف وبطولة في تاريخ آذربيجان
بقلم: سيد عبد الله جباروف مدرس جامعة التربية والتعليم فرع قوبا
يحيي الشعب الأذربيجاني هذه السنة ذكرى مرور 34 عاما على مأساة 20 يناير والذي سجل في تاريخ أذربيجان كـ“يناير الأسود”. وقد حدثت هذه المأساة في يوم 20 يناير عام 1990 نتيجة العدوان والقتل العشوائي للمدنيين الذي قامت به قوات النظام السوفيتي في مدينة باكو – عاصمة أذربيجان.
أن فترة الركود الاقتصادي الطويلة في الاتحاد السوفييتي تم استبدالها تدريجياً بأزمة اقتصادية. وزاد عدم اتخاذ الحكومة إجراءات عملية لازمة لتحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين وغيرها من الظروف السلبية من حالة الاستياء المبررة، ومن ناحية أخرى، أدت مطالبات أرمينيا الإقليمية ضد أذربيجان وتحريض ذوي الميول الانفصالية في قره باغ أظت إلى تفاقم الوضع الاجتماعي والسياسي المعقد. وعلى خلفية هذه العوامل المذكورة، فقد خلقت الهدف الأساس لتحقيق رغبة الشعب الأذربيجاني في نيل الاستقلال و الحرية من جديد.
فأدى إحياء حركة التحرير الوطني للشعب الأذربيجاني، ومن ناحية أخرى، فإن تفاقم الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد أعطى قيادة الاتحاد السوفيتي ذريعة لاتخاذ إجراءات قاسية ضد أذربيجان، وقد قامت القيادة السوفيتية بإصدار أوامر لحوالي 30 ألفاً من الجنود السوفيتيين المدججين بالأسلحة الثقيلة لاقتحام مدينة باكو وذلك في محاولة لقمع الشعب الذي أصر على استرجاع استقلاله، حيث تم القيام بذلك الاقتحام بوحشية لم يسبق لها مثيل، مما أدى إلى قتل أكثر من 150 شخصا من المدنيين في ليلة واحدة، وإصابة أكثر من 700 شخص بجروح، وتم اعتقال وتعذيب مئات المدنيين. وكان من بين الضحايا فتى عمره 7 سنوات، وفتاة عمرها 16 سنة، وشيخ عمره 80 سنة، وطبيب شاب أطلق عليه الرصاص وهو في سيارة إسعاف أثناء مساعدته للضحايا الآخرين، وأصيب الكثير من المواطنيين الأبرياء، حيث فتح الجنود نيران أسلحتهم في كل اتجاه وقتلوا وجرحوا المئات من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل.
وقد جاء في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش بأن هذه المأساة “من بين أبشع انتهاكات حقوق الإنسان … وقد استهدفت الهجمات الأطقم الطبية، وسيارات الإسعاف، و مباني المستشفيات”.
و لا شك في فضح التناقض بين تصريحات القيادات السوفيتية لحقيقة النوايا الخبيثة للعدوان الغاشم، بعدما قال وزير الدفاع السوفيتي ديمتري يازوف، بأن هدف العملية العسكرية في أذربيجان هو حماية الحكومة الشيوعية في باكو، ومنع التيار المطالب بالحرية والاستقلال من الفوز في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في شهر مارس عام 1990.
عام 1988 حين قام زعماء الحزب الشيوعي السوفيتي البائد بمحاولات جدية لفصل منطقة قره باغ الجبلية التابعة لأذربيجان وضمها إلى جمهورية أرمينيا نتيجة الضغط الأرميني المتواصل على القادة السوفييت الموالين لهم داخل الإتحاد السوفيتي وخارجه، بدأت بوادر هذا العدوان . لقد أيقن الشعب الأذربيجاني بأن القيادة السوفيتية قد باعت قضيته وتواطأت مع أرمينيا ووجهت له طعنة من الخلف حيث اتضح هذا الأمر في موقف القادة السوفييت المتردد والمتخاذل تجاه هذه القضية العادلة والذي تمثل في الدعم اللامحدود للأرمن في عدوانهم على جمهورية أذربيجان. ونتيجة لهذا الدعم والتواطؤ فقد بدأ الأرمن بطرد الأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية في أرمينيا وقراباغ تمهيدا لفصل منطقة قراباغ الجبلية من أذربيجان.
لقد استطاع الشعب الأذربيجاني في تلك الفترة الزمنية مقاومة إجراءات أرمينيا عن طريق تنظيم المظاهرات والاجتماعات الجماهيرية الحاشدة تضامنا مع الشعب الأذربيجاني المطرود من أرمينيا وقره باغ الجبلية استنكارا لموقف وسياسة القادة السوفييت المتواطئة مع أرمينيا.
لقد شكلت هذه المظاهرات والاجتماعات نواة للحركة التحريرية للشعب الأذربيجاني. وبهدف قمع الحركة التحريرية لجأت القيادة السوفيتية في محاولة للحفاظ على الإمبراطورية إلى استخدام القوة ضد الشعب الأذربيجاني؛ ففي ليلة التاسع عشر من يناير عام 1990 دخلت القوات المسلحة للاتحاد السوفيتي السابق إلى مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان والعديد من المدن الأذربيجانية الأخرى مستخدمة أحدث الأسلحة المتطورة .
أن هذا العدوان كانت جريمة بشعة في حق المواطنين الأبرياء العزل وانتهاكاً صارخاً لسيادة جمهورية أذربيجان وانتهاكاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان. وقد مثل هذا الاعتداء امتحاناً للكرامة الوطنية وقمعاً لإرادة الشعب الأذربيجاني الذي بدأ كفاحه ونضاله العادل والمشروع لنيل استقلاله وحريته وإقامة دولته المستقلة.
تجدر الاشارة الى أن قوة حيدر علييف وحكمته بشكل عام، كدليل على حمايته لأذربيجان مثل المظلة. على الرغم من أنه كان خارج النشاط السياسي لبعض الوقت، إلا أن القائد العظيم عاش دائما مع مصالح أذربيجان، وكان قلبه ينبض معها، وفي الأيام الصعبة التي مر بها شعبنا – بعد مأساة 20 يناير 1990، نقل مرة أخرى الصوت الحقيقي لشعبنا للعالم.
وفي 21 يناير، حضر إلى الممثلية الدائمة لأذربيجان في موسكو ورفع صوته الصحيح وأدان هذا العمل الدموي الذي قامت به قيادة الاتحاد السوفياتي وأعرب عن احتجاجه على هذه الجريمة المرتكبة ضد شعبه وطالب بمعاقبة مرتكبيها وأدلى ببيان للعالم حول هذه المذبحة.
ولا شك أن الفظائع المرتكبة قد فشلت في قمع حركة الاستقلال المتزايدة، وعززت إرادة وعزيمة الشعب الأذربيجاني لاستعادة سيادة الدولة. وقد استرجعت أذربيجان استقلالها عام 1991، ومنذ ذلك الحين أصبحت عضوا بارزاً في المجتمع الدولي، ومع ذلك، يعتبر أيضا 20 يناير واحدة من أكثر الصفحات المجيدة في تاريخ أذربيجان.
وفي يوم 20 يناير من كل عام يزور آلاف من الأذربيجانيين “مقابر الشهداء” في مدينة باكو تقديراً لذكرى أبناء الشعب الذين ضحوا بحياتهم من أجل استقلال أذربيجان.
وبعد مرور أربعة وثلاثين عاماً على “يناير الأسود”، مازال يتخذ شعب أذربيجان من ذلك اليوم ذكرى للحرية والعزة والكرامة الإنسانية، عازماً على مواصلة الكفاح من أجل التقدم نحو مستقبل.
رحم الله شهدائنا الأبرار الذين وهبوا أرواحهم ودمائهم الطاهرة دفاعا عن الوطن وحماية استقلاله.