مستقبل البشرية في ضوء الصراع بين الخير والشر
اجنادين نيوز / ANN
باسم فضل الشعبي
صحفي وكاتب يمني
رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام
قال الله تعالى في محكم التنزيل:” ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون” ولهذا الاية الكريمة رقم 35 في سورة الانبياء معاني كثيرة، اولها ان هذه الاية المقصود فيها ليس المسلمين فقط، وانما كل الناس، وكل البشرية في هذا الكون الفسيح على كوكب الارض.
والمعنى الثاني، هو ان الارض التي يقطنها الانسان،هي مكان او دار الابتلاء، وموقع النزال او الصراع بين الخير والشر، والشي الاخر علينا ان ندرك ان الخير والشر شيئان موجودان داخل الانسان، الخير شي متأصل بدليل ان الانسان يولد على الفطرة السليمة النقية، والشر مكتسب من الحياة التي يعيش فيها الانسان بعد الولادة، ولاثبات ذلك ما قاله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم” الانسان يولد على الفطرة وابواه اما يهودانه او يمجسانه”، والمقصود ان ابواه يكسبانه ثقافة جديدة او سلوك اخر، مناقض للسلوك الذي فطره الله عليه عند خروجه الى الحياة الدنيا.
الامر الاخر ايضا ان الابتلاء المذكور في الآية الكريمة والذي يحدث الفتنة في الحياة او في الارض، يقوم اساسا على الصراع بين الخير والشر، بمعنى انه مادام هناك فتنة فان هناك صراع ناتج عنها بالضرورة او مسببا لها، وهذا يقودنا الى الاستنتاج انه مادام هناك صراع بين الخير والشر معناه ان هناك منتصر ومهزوم في نهاية هذا الصراع، وان هناك جولات عديدة يمر بها هذا الصراع حتى يصل الى نهايته.
والمعروف ان كل الكتب السماوية تحدثت عن الصراع بين الخير والشر، وبشرت بل واكدت على انتصار الخير في الاخير، ولتقريب الصورة اكثر، يمكن القول ان ارسال الله للرسل والانبياء على مر التاريخ الانساني، هو اصلا لتثبيت حقيقة الصراع بين الخير والشر، فالله جل شانه لم يكن ليرسل الرسل والانبياء عبثا وانما لحكمة، ونفهم من ذلك انه عندما كانت الناس ترتد وتكفر بالله ويتسع الطغيان ويزداد الشر في الارض، كان الله يرسل الرسل والانبياء مبشرين ومنذرين، لاعادة الناس الى جادة الحق والصواب.
والرسالات السماوية هنا، وكذا الرسل والانبياء،والمصلحين،يجسدون الخير في مواجهة الشر الذي ينتج عن طغيان الناس والامم والشعوب، ونعرف تماما القصص التي وردت في القران والكتب السماوية الاخرى، التي تجسد الصراع بين الخير والشر، بين الرسل والانبياء ومن اتبعهم من المؤمنين من جهة، وبين اهل الطغيان والشيطان والدجل والكفر والشر، وكيف انتصر الخير على الشر في جميع هذه القصص، ونذكر قصة نوح مع قومه، وموسى مع فرعون، وهود مع عاد، وصالح مع ثمود، ومحمد مع قريش وغيرهم من الكفار والمشركين.
كيف نفهم حقيقة الصراع اليوم؟
صحيح اليوم يبدو العالم مختلفا واكثر تطورا وتقدما مما كان عليه الحال في السابق، لكن ذلك لا يلغي حقيقة وجود الصراع بين الخير والشر، كسنة ربانية كونية، ولا يستطيع احد اليوم ان ينكر حقيقة وجود الخير والشر في العالم كله، وهما في حالة تدافع وصراع مستمر، وكما قلنا انفا ان الخير والشر موجودان داخل الانسان وانهما في صراع مستمر داخل الفرد، وينتقل هذا الصراع الى الحياة من خلال السلوك والتعامل البشري اليومي مع الاحداث، فانه يمكن القول للتاكيد ان الشر مصدره امران، الامر الاول البيئة التي ولد وعاش فيها الفرد اكان رجلا او امراة، وهي عبارة عن سلوكيات وممارسات خاطئة مكتسبة بغعل القصور في التربية والتنشئة، وهذا الامر يعالج في كثير من الاحوال بتعديل السلوك وتقويمه، والمصدر الاخر وهو الشيطان، وهذا هو الامر الاخطر، فالشيطان يتربص بالفرد منذ اليوم الاول لوصوله للحياة الدنيا، وهو الذي اقسم عندما طرده الله من رحمته حينما رفض ان يسجد لابونا ادام عليه السلام، بقوله” ولا اغوينهم اجمعين الا عبادك منهم الصالحين”،وهذا دليل ان الشيطان، هو العدو الاكبر للانسان في الارض، وبالتالي فان الشيطان يتربص بالانسان على الدوام ليغويه ويضله عن الطريق القويم، ويدفعه للسير في طريق الضلال والشر.
وبما ان الشر هنا يتجسد في ابليس واعوانه من الشياطين، فانه يعمل على النفاذ الى داخل الانسان بكل الوسائل، اما بالتلبس والمس، واما عن طريق السحرة والمشعوذين ممن استحوذ عليهم الشيطان وعلمهم السحر للاضرار بالناس واحداث الفتن والفساد في الارض، والعياذ بالله، قال الله تعالى في سورة البقرة” وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ” ومن هنا نعلم يقينا ان الشيطان شره عظيم وكبير، وان اعوانه من السحرة والمشعوذين والدجالين ضررهم كبير على الناس والمجتمعات والامم، وهم موجودين في كل زمان ومكان والى يومنا هذا.
اذن، وبتبسيط اكبر فان الخير يكون مصدره الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، كل الناس في هذا الكون بدون استثناء، وان الشر مصدره الشيطان واعوانه من الجن والانس، ولتوضيح الصورة اكثر فان الخير موجود ومتاصل في كل الناس على وجه الارض،بصرف النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم، والشر موجود في كل الناس ايضا، وهما يتصارعان على وجه الارض، وقاعدة الخير ومحفزاته، هي الايمان بالله وتوحيده والاقتراب منه والخلق القويم والصلاح، وقاعدة الشر ومحفزاته، هي ضعف الايمان والابتعاد عن الله، وبما ان الخير سوف ينتصر في الاخير ويعم الكون كله، كما قالت بذلك كل الشرائع والكتب السماوية، فان شرط هذا الانتصار الوحيد، هو العودة الى طريق الحق القويم وترك الباطل، بمعنى اكثر وضوحا العودة الى الله وحده لا شريك له، والايمان بكل انبيائه ورسله وكتبه ايمانا حقيقيا ومطلقا.
ماذا ينتظر الناس في اخر الزمان؟
نعم، البشرية كلها حاليا في اخر الزمان، وهذا الشاهد يستند الى مبشرات ونبؤات عديدة، من ابرزها ظهور المخلص الذي سوف يؤمن به الكثير من الناس من كل مكان في الارض، وهو الذي سيقود المؤمنين لمحاربة ما تبقى من الشر في الارض والقضاء عليه، بقدرة الله وتوفيقه،بعد ان ابتلاه الله وامتحنه لسنوات طويلة، وهيئه واعده لهذا العمل العظيم.
والشر في هذه المحطة الفاصلة، يتجسد في الشياطين واعوانهم من الانس، الذين يرفضون الايمان بالله وبالرجل الهادي والمخلص، تكبرا وغرورا وحسدا من عند انفسهم، ويتم القضاء عليهم، ويرفع الله الشر والفتن من الارض، وتنتهي الحروب والصراعات ويحل السلام ،وتنتهي كل مظاهر الشر واسلحته وادواته، ويثبت الله الخير في الارض وينشره فيها، وتحدث بذلك المعجزة الربانية الكبيرة، والمتمثلة في استخلاف الله للمؤمنين والصالحين، الذين يرثون الارض، كما بشر بذلك القران الكريم في عدة ايات كريمة، ثم تحدث معجزات كثيرة حينها، بعضها معلومة للناس والبعض غير معلومة.
نسال الله ان يهدينا الى الطريق القويم، ويوفقنا للايمان به وبرسله وانبيائه وكتبه، والتصديق والايمان بالعبد المؤمن الصالح الصابر، الذي سيتحقق على يديه الخلاص والخلود، والله ولي الهداية والتوفيق.