46 عاما والمسيرة مستمرة
اجنادين نيوز / ANN
فراس الغضبان الحمداني
أقول أحياناً أن من عوامل نجاح الكاتب والصحفي والفنان الإطلاع على سير الماضين من المبدعين والتزود من الذين نعاصرهم منهم لنحتفظ بإرث يمكننا من معرفة الوجهة التي فيها نسير لنصل إلى الغايات . عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الشباب الأولى والبحث عن الذات وتحقيق الإمكانات أكتشف أن أكثر من يجدر به الكتابة عني وعن مسيرتي هو أنا الكاتب والصحفي فراس الحمداني رئيس لجنة الإنضباط في نقابة الصحفيين العراقيين والخبير القضائي في محكمة الإعلام والنشر الذي عرفني الجمهور كاتباً وصحفياً قبل عشرات السنين والملقب بالغضبان ، الذي فتح عينيه على هذه المدينة وعاش مآسيها ولحظات السعادة فيها وشاهد ما لم يخطر على بال من الأحداث والتقلبات التي ترغمني أن أقول وبلا تردد أن بغداد بالفعل هي مدينة ألف ليلة وليلة وليس من مدينة كبغداد في شموخها وعنفوانها البعيد الموغل في تاريخ من الأسى والعذابات والرغبات والإبداع .
بغداد التي يهتز كل وجداني بأجمعه حين أسمع لتلك القصيدة الخالدة للشاعر محمود حسن إسماعيل بصوت كوكب الشرق أم كلثوم التي زارت بغداد عام 1932 وغنت في مسرح الهلال الذي هو عبارة عن ركام الآن حيث تقول في تلك الأغنية الزلزال :
بغداد ياقلعة الأسود
ياكعبة المجد والخلود
ياجبهة الشمس للوجود
سمعت في فجرك الوليد
توهج النار في القيود
وبيرق النصر من جديد
يلوح في ساحة الرشيد
زأرت في حالك الظلام
وقمت مشدودة الزمام .
ربما يكون التمثيل هو البداية ولكن الكتابة هي التاريخ والأرث الحقيقي وعندما أسجل هذا فلأنني لم أعد متمسكاً بالحياة كما كنت أول أيام الشباب فقد بدأت في فلم أحزان الظهيرة عام 1978 وأخرجه سمير حنا وكان معي كبار الفن الراحل يوسف العاني والعملاقان سامي قفطان وحسن حسني وشاركت بعدها في مسلسل جنوح العاطفة الذي أخرجه الراحل محمد يوسف الجنابي مع الراحل قائد النعماني وسامي قفطان والفنانة الكبيرة سناء عبد الرحمن ، وكان فلم الماء والزيت من إخراج الراحل كريم حمزة واحداً من الأعمال التي أعتز بها ومثل فيه نخبة من كبار الفنانين رحم الله الماضين وحفظ الباقين منهم ورزقهم العافية . وفي مجال الكتابة فقد بدأت في العام 1977 بمقال بمجلة الاذاعة والتلفزيون التي حملت إسم فنون لاحقاً وكان يرأس تحريرها الزميل الراحل محمد الجزائري ، واستمرت المسيرة بعد سنوات من سقوط النظام بجريدة البينة الجديدة الذي كان يرأس تحريرها الراحل ستار جبار وبعد رحيله إستمر برئاستها الزميل الرائع عبدالوهاب جبار ، واليوم تنشر مقالاتي بين الجريدة الأم البينة الجديدة وجريدة الوطن الجديد الذي يرأس تحريرها الزميل حسين السومري الذي أبدع في المهينة الرصينة التي ورثها من عمه الراحل ستار جبار .
عندما تستمر الحياة نكتشف كم هي مملة خاصة حين يحيطك هذا الكم من بعض الأغبياء الذين يدعون المهنية والمنافقين والموتى الأحياء الذين يدعون الشرف والفضيلة فتنتهي بك الطموحات إلى الرغبة في مغادرة الحياة ويتقدم بك العمر حتى تمل منه ولا يعود لديك الكثير لتفكر فيه ولتفعله على قاعدة ( شفت وعفت ) وتنادي في ذاتك : متى تنتهي أيها العمر وأتخلص من حياتي التي أرهقتني وكبلتني كثيراً وجعلتني أتوق إلى النهايات السريعة فقد خسرت الكثير .. خسرت عائلتي وخسرت أصدقاء طواهم الموت ولم يتبق منها إلا ذكرى عزيزة تشدني إلى رغبة الخلاص والإبتعاد عن زحمة الحياة الشريرة الباعثة على اليأس . [email protected]