السفير الروسي لدى الأردن إذ يَكتب: التلاعب بالعدالة..
اجنادين نيوز / ANN
ـ عَرض: الأكاديمي مروان سوداح.
مقالة “التلاعب بالعدالة”، هي واحدة من المقالات اللافتة جداً للإنتباه عنواناً ونصَّاً والتي يَخُطّها السيد غليب ديسياتنيكوف، الشخصية الروسية اللافتة في الأُردن على كل صعيد، فهو يشغل منصب سفير روسيا الفيديرالية لدى المملكة الأُردنية الهاشمية، وقد تم نشر هذه المقالة مؤخراً في يومية “الغد” الأردنية الشهيرة. المقالة تتحدث عن الوقائع لاسيَّما بما يتصل بالمحكمة الجنائية الدولية، وَ وَضع هذه المنظمة وقراراتها المتلاحقة بما يتصل بالحرب “الإسرائيلية” الإبادية التي تُشنها تل أبيب على قطاع غزة المُحَاصر بأسلحة الموت الجماعي تراباً وشعباً وهواءً وماءً.
في الحقيقة، لا أذكر أنه وعلى مدار السنوات المطوية، أن سفيراً ما لروسيا والاتحاد السوفييتي كان مُعتمَداً لدى الأردن، كان نشر مقالات بقلمه في الصحافة اليومية الأُردنية، فقد يكون ذلك قد حدث ولا أذكره، إلا أنني لم أتوصل إلى ذلك للآن.
أن ينشط سفيراً روسياً في كتابة ونشر مقالات في صحافتنا الأردنية يحمل معنى عميق، لاسِيَّما عندما يتحدث السفير عن الأوضاع في منطقتنا العربية، وهو ما يعني اهتمام القيادة السياسية الروسية بقيادتها البوتينية الفذة بهذا الامر الإعلامي، تماماً كما نهتم نحن أصحاب القلم به، وشعبنا الأردني والعرب يهتمون بذلك أيضاً، ويرون في هذا الأمر تطوراً لافتاً للعلاقات المُنتِجة في كل المناحي مع روسيا الحليفة لنا.
إن هذا هو لعمري أمر مُحَبَّب ومهم ولافت جداً لانتباه الجماهير الشعبية والشخصيات الرسمية الأردنية والعربية على حد سواء، ويُسجَّل في التاريخ المحلي بنورٍ ساطع، وهو إلى ذلك أيضاً يؤكد الإيجابيات التي لا حدود لها في العلاقات الطيبة التي تربط مابين الأُردنيين والعرب مع روسيا الرئيس فلاديمير بوتين، إذ يَعني ذلك الكثير في عالم السياسة والصّلات الطيبة بين الشعوب والدول، ويَنسحب تأثير هذا الأمر على جماهير شعبينا الأردني والفلسطيني بإيجابيات لا حدود لها، وكذلك الأمر على الأُمة العربية برمتها، وسيذكر التاريخ ذلك ما حيينا بنورٍ ونار.
شكراً لسعادة السيد السفير غليب ديسياتنيكوف لنشره هذه المقالة المهمة، ونتطلع إلى مقالات أخرى ينشرها بقلمه في صحافتنا المحلية في الأردن.
تالياً، مقالة السيد السفير غليب ديسياتنيكوف:
التلاعب بالعدالة
أظهرت الأوضاع في غزة أن المفاهيم الأساسية مثل الحقيقة والعدل والعدالة لها عدة مَعَانٍ يفهمها بعض أعضاء المجتمع الدولي بشكل مختلف انطلاقا قبل كل شيء من مصالحهم الذاتية. هذا ما نواجهه حالياً عندما نشاهد الوضع المترتّب حول المحكمة الجنائية الدولية.
يَجدر التذكير بأن المحكمة تأسّست في عام 2002 بصفتها جهة العدالة الجنائية الدولية الدائمة للمساءلة على الجرائم الدولية الأكثر خطورة. على خلفية الممارسة (التي كانت تعتبر في التسعينيات من القرن الماضي بانها “ناجحة”) للمحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، واللتين انشأهما مجلس الأمن للأمم المتحدة تشكّلت الظروف لتأسيس المحكمة الجنائية الشاملة على أساس الاتفاقية الدولية التي كما كان متوقعاً ستتمتع بالاعتراف شبه العالمي.
وحتى أكثر من ذلك، تم النظر إلى المحكمة كعنصر مهم لنظام حفظ السلام والأمن الدوليين. وتنبثق من هنا صلاحيات خاصة لمجلس الأمن الأُممي لإحالة الحالات الى المحكمة.
لكن اثبتت نشاطات المحكمة أن توقعات “المتحمّسين في العدالة الجنائية” غير مبرّرة. يتعلق ذلك بعدم الفعالية الواضحة للمحكمة في مجال تطبيق العدالة الجنائية الدولية والكثير من حالات إساءة استخدام والألعاب السياسية لكبار مسؤولي هذه المنظمة. بالموازنة السنوية قدرها حوالي 170 مليون دولار و900 موظّف لم تضع المحكمة خلال 20 سنة من العمل الّا 40 شخصاً على قائمة المطلوبين، وأصدرت فقط 13 حكماً نهائياً (بما فيها 4 احكام براءة).
هذه “الإنجازات” المتواضعة للمحكمة في عملها الأساسي ترافقها التجاذبات السياسية الخطيرة التي نشبت بين هذه المنظمة وعدد كبير من الدول. مع التركيز في البداية على التحقيق في نزاعات في افريقيا كانت المحكمة معرَّضة للاتهامات بعدم التوازن الجيوغرافي غير العادل الذي اعتبرته إفريقيا شكلاً من التفكير الغربي الاستعماري الجديد.
علاوة على ذلك أصبحت بعض قرارات المحكمة عائقاً كبيراً أمام التسوية السياسية للنزاعات والتصالح الوطني وبين الدول. كما رُفضت محاولات المحكمة الهادفة الى مساءلة رؤساء دول حاليين انتهاكاً لأحكام القانون الدولي بشأن الحصانة.
ولم تتمكن المحكمة ونيابتها من استخلاص النتائج الصحيحة من هذا التوجّه وواصلتا مواجهة أحكام القانون الدولي ومصالح تسوية النزاعات في نشاطهما باستمرار. هذا، وليس من المُستغرَب أن المحكمة ورغم عدد أعضائها الكبير (123) لم تصبح جهة عالمية شاملة حقيقياً مهما كانت التصريحات المعاكسة التي أدلى بها مساندوها. إلى جانب روسيا لا تشارك الأطراف المهمة مثل الصين والهند والولايات المتحدة ومصر وباكستان وإندونيسيا وفيتنام وتركيا والسعودية في نظام روما الأساسي. لا نرى الحماس السابق من بين غيرها من الدول. منذ عام 2015 بالإضافة إلى انضمام 4 أعضاء جدد سُجّلت حالتا انسحاب من المحكمة وحالة سحب التوقيع.
ولكن الشيء الأكثر أهمية يتمثل في أن بعض دول العالم الغربي تشكّل موقفها من هذه المنظمة انطلاقاً من مدى تطابق نشاطات المحكمة الحالية مع المهام المبدئية للسياسات الخارجية لهذه البلدان. ولا يمكن ذلك إلّا أن يُقلقنا جميعاً.
* سفير روسيا لدى الأردن.
…