كركيعان اليوم …. وكركيعان الأمس ….
اجنادين نيوز / ANN
الرحالة الصحفي عبدالمنعم الديراوي
جلست مساء اليوم أتأمل الطيور الجميلة التي ارتدت ثيابا فلكلورية جميلة وهي تتحرك في شارعنا . منهم من يهرول للحاق بصاحبه أو قريبه ومنهم من يسير ببطء وهو يتلمس كيس القماش المعلق في رقبته والمعد خصيصا لهذه الليلة التي تمثل ليلة منتصف شهر رمضان المبارك . يتجمعون أمام ابوابنا مرددين ( كركيعان وكركيعان … .. ) ونوزع عليهم ما هيأناه لهم بهذه المناسبة .
حركاتهم جعلتني اتذكر أيام الصبا التي تمتد الى أكثر من ستة عقود مضت .. اتذكر حين كنا صبية ونعيش في قرية نائية شمال البصرة ( قرية حمرينان بالهارثة ). كنا نهيء في النهار مستلزمات ليلة الكركيعان وأمهاتنا يهيئن لنا اكياسا من القماش لنجمع فيهن ما نحصل عليه من بيوتات قريتنا ليلة الكركيعان .
في النهار يهيء كل واحد منا سعفة خضراء ويفضل ان تكون من سعف الزهدي لأنها قوية ومتينة ونقوم بإزالة اشواكها وخوصها ولم نبقي منه سوى عدة وريقات في طرفها ونطلق عليه ( الكركوشه ) هذه السعفة بعد ان أصبحت جريدة طويله نقوم بضرب الجزء الغليض منها على الأرض عندما نقف أمام أبواب قريتنا ونحن نردد ( كركيعان وكركيعان . كل سنه وكل عام .. هاي مكة المعمورة .. بيها الذهب والنورة .. يهل السطوح تنطونه لو نروح ؟؟ ؟ )
وياويل من لم يعطنا شيئا فلنا له اهزوجة أخرى بدايتها ( ويص ويص …… الخ ) .
جريدة النخيل هذه كنا نستفيد منها للدفاع عن أنفسنا فيما اذا هاجمتنا كلاب القرية فهي شرسة جدا ليلا .
وبعد أن نكمل جولتنا يعود كل واحد منا لبيته وعادة ما نكون منهكين وسعادتنا الكبرى تلك الليلة والتي تنسينا تعب التجوال بين أزقة القرية هي حين نفتح الأكياس ونتفحص ما حصلنا عليه من ( جكليت وحامظ حلو وقرص نعناع وخلال مطبوخ ونبق وبعض الكرزات ) .
نأكل ما نستطيع أكله فرحين بما حصلنا عليه بجهدنا .
بعدها نخلد الى النوم ونحن نحلم بيوم العيد الذي سيأتي بعد خمسة عشر يوما .
رحم الله أيام زمان . اتمنى صادقا أن تحيي عوائلنا هذه المناسبة كل عام للحفاظ على تراثنا العريق .