التربيةُ و التعليمُ .. ترميمٌ ..أم..تهديمٌ ..
اجنادين نيوز / ANN
أ.د.ضياء واجد المهندس
عندما كتبَت السفيرة البريطانية “جين ماريوت” تقريرَها إلى مجلس العموم البريطاني عن النظام التعليمي (وزارة التربية) في العراق، و استنتجت أنه يؤدِّي إلى مفارقات مدهشة و غريبة عند الخرِّيجين، فطلاب الدرجة الأولى (الحاصلون على معدَّلات عالية) من الأذكياء يذهبون إلى كليات الطب و الهندسة. بينما خرِّيجو الدرجة الثانية يذهبون إلى كليات إدارة الأعمال و الإقتصاد و القانون، و الذين يُصبِحونَ قُضاةً و مُديرينَ لخرِّيجي الدرجة الأولى!!، في حين أنَّ خرِّيجي الدرجة الثالثة يتَّجهون للسياسة، فيُصبِحونَ ساسةَ البلاد و قادتَه، و يحكمون خرِّيجي الدَّرجتين الأولى و الثانية!! .. أمَّا المُتلكِّئون في دراستهم (الذين ينجحون بأوطأ المعدَّلات و لسنوات رسوب متعدِّدة) فيلتحقون بالجيش و الشرطة. فيتحكَّمونَ في الساسة و الحكومة، يُطيحونَ بهم من مواقعهم أو يَقتلونَهم إن أرادوا ذلك، و العراق من البلدان المعروفة بكَثرة الإنقلابات العسكرية فيه!! أمَّا المُدهِشُ حقًّا فهو أنَّ الذين لم يدخلوا المدارس أصلًا يُصبِحونَ شُيوخَ قبائلَ و رؤساءَ عشائرَ يأتمِرُ الجميعَ بأمرِهم، لأنَّ العراقَ بلدٌ عشائِرِيٌّ!!. إنتهى تقرير “جين ماريوت”. و لهذا أقام المُحتَلُّ البريطانيُّ أوثق العلاقات مع العشائر و لا سيما بعد تجربتهم الصعبة في ثورة العشرين في العام1920، و التي كان لمرجعية النجف في حينها الأثر الأكبر لانتشارها و استدامتها. و احتضن الإنكليز و ربطوا الجيش العراقي بتسليحه و تدريبه و تنقلاته و ترقياته بقيادات جيشهم … بينما تجاهَلَ البريطانيون أطبَّاءنا و مهندسينا و علماءنا ، بل إنَّ استكشافاتهم لآثارنا و تأريخنا كان بفِعلِ حملاتٍ لباحثيهم و الذين أكثرهم من اليهود، ممَّا ُيثيرُ شُبهةَ التلاعبِ في ترجمة النصوص البابلية و السومرية و الآشورية.. عندما كنتُ في نقاشٍ مع صديقي و هو بروفسور أمريكي (د.جورجيو)، و هو أمريكيٌّ من أصلٍ بلُغاريٍّ، سبق و أن عَمَلَ أبوهُ في العراق في برامج التجهيزات العسكرية في بداية السبعينيَّات، و التقيتُ أمَّهُ التي عاشت في بغداد لعشر سنوات، قال لي: العراقيون ركبوا القطار الصحيح (التكنولوجيا و العلوم)، لكنهم قادوه بالطريق المعاكس .. و أتذكَّرُ عندما التقيتُ عالمًا يابانيًّا باللغات الشرقية، و يُجيدُ العربيةَ الفصحى بطَلاقة، و كان نقاشنا على سلوكيات التعامل مع الأخلاق، أحسستُ بالمرارة و هو يستشهِدُ بالآيات القرآنية في التعاملِ بين الناس.. كنتُ أعرف التعاملَ بالمِثْلِ (العينُ بالعينِ، و السِّنُّ بالسِّنِّ)، و التعامل بمقدار حُبِّ النفسِ، قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: *”لا يؤمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسهِ”* ، و التعامل بالإيثار، قال تعالى: *”و يُؤثِرونَ على أنفسهم و لو كان بهم خَصاصَة”* و الخَصاصةُ هي شدة الجوع و أنْ لا يجد الإنسانُ ما يأكله!!! و التعامل بما يُحِبُّ اللهُ تعالى به أن نتعامَلَ كالمؤمنين (العفو عند المقدرة و أن نَرُدَّ الإساءةَ بالإحسانِ)، فزادني بأنَّ الإسلامَ يتسامى بأخلاق التعامل و أن يتعاملَ المسلمُ المؤمنُ كما يتعامَلُ اللهُ مع الإنسان ( يرحَمُ و يعفو و يَغفِرُ و يَصفَحُ و يَرزُقُ و يُعينُ و يًهدي و يُسامِحُ و يُكرِمُ وووو) .. عندما سألتُ المستشرق الياباني عن أسباب تقدُّمِ اليابان و حِفاظها على صَدارةِ العِلمِ و الإقتصاد و الصناعة و التجارة و الطِّبٍ و الزراعة و الصيرفة دون تعرُّضِها الى هِزَّاتٍ إقتصاديَّةٍ و مالية قوية مثلما حصل لأمريكا و أوربا و أمريكا الجنوبية و روسيا، بالرغم من قلة الموارد ..قال: السبب الأول: تمسُّكنا بالأخلاق تعلُّمًا و سلوكًا، لأننا ندرس الأخلاق مثلما ندرس العلوم و الأدب و الإدارة و الفنون، فلا تستغرب مِن أن يكون تقليدًا لمُديري الشركات الكبرى أن يمسحوا أحذية موظفيهم الجُدد لكي يُرَسٍِخوا أخلاق التواضع و خِدمة الآخرين، أو أن يعتذر وزير لتأخر باصٍ أو قطار أو طائرة لبِضعة دقائق. السبب الثاني: تمسُّكنا بالعلم، و التعلم، و حُبِّ العمل، فتجد المدارس الخاصة التي تتراكم فيها المعرفة و العلوم منتشرة في اليابان، مع انتشار المدارس الحكومية المجانية و الخاصة ، و كلُّها تعلِّمهم بالتمسُّكِ بالأخلاق ، و تجد المدير و المعلمين ينظِّفون مع طلابهم، و يأكلون قبلَهم لكي يتأكدوا من جودة الطعام و صحيته.. و.. السبب الثالث: التمسُّك بالعائلة و إرثِها، لأننا سنُديمُ وجودَ اليابان و روحَ أجدادِنا.. و السبب الرابع: سَعيُنا لصدارة اليابان، لهذا نحترمُ كلَّ الأعمالِ و كلَّ الموظفين. مهندسو النظافة (الزبَّالون عندنا) يتقاضَونَ رواتب أعلى من باقي الموظفين، لأنهم يمنحونا الصحة و الوقاية من المرض و يبقون الأماكن على أصلها في الجمال … عندنا الأستاذُ الجامعيُّ الأول أعلى دخلًا من رئيس الوزراء … السبب الخامس: تَعلَّمنا و نُعلِّمُ أبناءنا أن يقنع باستحقاقه، و أن يقدِّمَ مَن هو اكفأ منه، و أنَّ كلَّ يابانيٍّ يكون بمكان استحقاقه. و الصدارة للأخلص و الاكفأ و المبادِر … منذ العام 2010 كتَبنا بدمج التربية و التعليم العالي، لكَون خريجو وزارة التربية هم مَن يدخلون وزارة التعليم العالي، و أعدَنا طَرحَ المقترحِ على حكومة العبادي، مثلما أخطأنا في اقتراح دمج العلوم و التكنولوجيا ب وزارة التعليم العالي، و النتيجة كانت تدمير وزارة العلوم و التكنولوجيا، و وأدها (طمرها و هي حية)، فلم تَستطِع لجان وزارة التعليم و لا لجان الأمانة العامة لمجلس الوزراء و لا مجلس النواب إلا بتهديم الوزارة (تفليش)، فتمَّ نقل العاملين من موظفين و مهندسين و باحثين إلى الدفاع المدني، و المنافذ الحدودية، و الكمارك، و الداخلية، لأنَّ كلَّ اللجان التي كانت مسؤولة على الدمج كانت فاشلة و تفتقر الى الخبرة .. لهذا الدعوة إلى دمج التربية بالتعليم سيلحق الدمار بكلتَي الوزارتين الفاشلتين. و الغاية الحقيقية من الدمج كما نؤشرها هي: أنَّ مجموع الدرجات الخاصة بالوزارة الجديدة تعادل نصف الدرجات الخاصة بالوزارات كافة.. أحترمُ رأيَ أحدِ الأصدقاءِ من النواب السابقين عندما قال: (لقد ساهمنا في تدمير البلد)، و وقتها كان أحد النواب الذي يتفاخر بدور المعارضة بإسقاط حكومة صدام حسين سألني عن رأيي بالموضوع، فأجبته: أنَّ نملةً أمريكيةً سألت نملةً عراقيةً كانت قد تسلَّلت الى حاملة الطائرات (إبراهام لنكولن): ماذا كنتِ تعملين أيتها النملة العراقية على حاملة الطائرات خلال الأشهر الماضية؟؟؟؟!! أجابت النملة العراقية: لقد أسقطتُ صدام حسين مع قوات التحالف الدولي.).. لنا و للعراقيين و للخرِّيجين العاطلين و المُعَطَّلينَ و المُهَمَّشينَ اللهُ الرحمن الرحيم الكريم …ناصرُنا على مَن ظلمنا من الفاسدين و الظالمين و المتطفلين. إنه سبحانهُ قويٌّ عزيزٌ عظيمٌ… أ.د.ضياء واجد المهندس مجلس الخبراء العراقي