التعليم . . بينَ التهديمِ . . و . . التظليمْ
اجنادين نيوز / ANN
أ . د . ضياءُ واجدْ المهندسُ
لا تكمنُ أهميةَ التعليمِ في التوسعِ الكميِ في الفرصِ التعليميةِ فقطْ ، بلْ أيضا التحسنَ النوعيَ للتعليمِ الذي ينقلُ إلى قوةِ العملِ التي تمتلكُ مفتاحَ التنميةِ الاقتصاديةِ .
تضمنَ تقريرُ البنكِ الدوليِ الذي صدرَ مؤخرا في 140 صفحةٍ حولَ الأوضاعِ الاقتصاديةِ والتنمويةِ في العراقِ فصلاً استقصائيا وتحليليا وأرقاما استثنائيةً حولَ التعليمِ . احتوى التقريرُ على معلوماتٍ صادمة واستنادا عليها يحذرُ البنكُ الدوليُ منْ أزمةٍ تواجهُ العراقَ تتعلقُ برأسِ المالِ البشريِ ، تغذيها أزمةٌ التعيلمْ حيثُ يؤكدُ أنَ الطفلَ المولودَ في العراقِ اليومِ سيصلُ ، في المتوسطِ ، إلى 41 بالمائةِ فقطْ منْ إنتاجيتهِ المحتملةِ عندما يكبرُ ، فلنْ يتوقعَ للطفلِ العراقيِ أنْ يحققَ أكثرَ منْ 4 سنواتٍ فقطْ منْ التعلمِ عندَ وصولهِ عمرْ 18 . وبهذا يتمتعُ العراقَ بواحد منْ أدنى مؤشراتِ رأسِ المالِ البشريِ في المنطقةِ . يعزو التقريرُ أسبابُ انخفاضِ مستوياتِ رأسِ المالِ البشريِ إلى السنواتِ الطويلةِ منْ الصراعِ الدمويِ ، وغيابَ الإصلاحاتِ ، ومحدوديةُ الفرصِ المتاحةِ للشبابِ ، والاضطراباتُ الاجتماعيةُ ، والفسادُ الإداريُ . تتلخصَ نتائجُ التقريرِ بما يلي :
1 ) ينفقَ العراقَ أقلَ منْ 10 % لميزانيتهِ العامةِ على التعليمِ ( الأولى والعالي ) مقارنةً بمتوسطِ منطقةِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ إفريقيا . وتمثلَ رواتب المدرسينَ والموظفينَ حصةً عاليةً نسبيا منْ الإنفاقِ على التعليمِ العامِ ( 93 ٪ ) بينما يتمُ تخصيصَ 1 % فقطْ منْ ميزانيةِ الاستثمارِ في العراقِ لقطاعِ التعليمِ .
2 ) تظهرَ الأرقامُ نقصا كبيرا في معدلاتِ الالتحاقِ ما قبلَ الابتدائيِ والثانويِ حيثُ يلتحقُ 11 % فقطْ منْ الأطفالِ بعمرِ 5 سنواتٍ . في التعليمِ الثانويِ ، تتراوحَ معدلاتِ الالتحاقِ بينَ 58 و 33 في المائةِ في التعليمِ الثانويِ والإعداديِ ، على التوالي .
3 ) تؤثرَ المعدلاتُ المنخفضةُ بشكلٍ خاصٍ لتنفيذِ الميزانيةِ الاستثماريةِ بشدةِ على أداءِ نظامِ التعليمِ إلى جانبِ أداءِ باقي القطاعِ العامِ .
4 ) شهدتْ مخصصاتِ التمويلِ العامِ لقطاعِ التعليمِ المهنيِ انخفاضا حادا في التحاقِ الطلابِ ، مصحوبا بانخفاضٍ كبيرٍ في عددِ المدارسِ والمدرسينَ .
5 ) يؤثرَ النقصُ في البنيةِ التحتيةِ التعليميةِ بشكلٍ كبيرٍ على القدرةِ على تقديمِ خدماتٍ تعليميةٍ عاليةٍ الجودةِ حيثُ يبلغُ متوسطَ عددِ الطلابِ في المدرسةِ الواحدةِ بما يقاربُ 400 طالبا معَ مشاركةِ عددٍ منْ المدارسِ في بناياتِ ومرافقَ واحدةٍ .
6 ) بالرغمِ منْ عدمِ مشاركةِ العراقِ بصورةٍ عامةٍ في مسابقاتِ تقييمِ الأداءِ للطلبةِ أظهرتْ أحدَ المقاييسِ القليلةِ لنتائجِ تعلمِ الطلابِ وهيَ تقييمُ القراءةِ للسنواتِ المبكرةِ لعامِ 2012 إلى أنَ جودةَ التعليمِ ، كما يتمُ قياسها منْ خلالِ تعلمِ الطلابِ ، أقلَ بكثيرٍ مما هيَ عليهِ في البلدانِ المجاورةِ .
7 ) يوجد في العراقِ ما يقدرُ بنحوِ 2.1 مليونِ طفلٍ تتراوحُ أعمارهمْ بينَ 6 و 17 عاما خارجَ المدرسةِ ، نصفهمْ تقريبا في الفئةِ العمريةِ للمدارسِ الثانويةِ . على الرغمِ منْ التحسيناتِ في السنواتِ الأخيرةِ ، فإنَ معدلاتِ المشاركةِ التعليميةِ المنخفضةِ نسبيا في العراقِ تعني بقاءً أكثرَ منْ مليونيْ طفلِ ومراهقِ خارجَ المدرسةِ .
8 ) المناهجُ القديمةُ ومحدوديةُ التطويرِ المهنيِ للمعلمينَ ، والدعمُ غيرُ الكافي لمرشدي المدارسِ وبرامجِ التعلمِ ، والبرامجُ المحدودةُ للشبابِ المعرضينَ للخطرِ جميعها أثرتْ بصورةٍ سلبيةٍ على التعليمِ . على سبيلِ المثالِ ، في حينِ أنَ وقتَ التدريسِ في العراقِ قصيرٌ بالفعلِ وفقا للمعاييرِ الدوليةِ ، أفادَ 25 بالمائةِ منْ الطلابِ في عامِ 2018 ، أنهمْ لمْ يتمكنوا منْ حضورِ الدرسِ بسببِ غيابِ المعلمِ ، أوْ بسببِ إغلاقِ المدرسةِ خلالَ العامِ الماضي .
9 ) أدى الصراعُ الذي خلقتهُ داعشْ في العراقِ إلى أزمةٍ إنسانيةٍ تميزتْ بالنزوحِ الداخليِ ل 3.2 مليونِ عراقيٍ وتدميرِ البنيةِ التحتيةِ والخدماتِ في المناطقِ التي احتلتها داعشْ سابقا . في 16 مدينةِ داخلَ المحافظاتِ السبعِ المتضررةِ بشكلٍ مباشرٍ تضررتْ البنيةُ التحتيةُ في 62 بالمائةِ منْ المدارسِ ودمرتْ 18 بالمائةِ منْ المدارسِ تدميرا تاما .
10 ) يقدر التقريرُ احتياجاتِ إعادةَ الإعمارِ ب 4.9 تريليونِ دينارٍ عراقيٍ ، وهذا المبلغُ يمثلُ أضرارَ البنيةِ التحتيةِ ، بينما تمثلُ احتياجاتِ التعافي مثلٍ استعادةِ خدماتِ التعلمِ والتعليمِ ب 490 مليارِ دينارٍ عراقيٍ لتطويرِ التعليمِ المهنيِ للمعلمينَ وللموادِ التعليميةِ ولبرنامجِ تأهيلِ الشبابِ خارجَ المدرسةِ .
11 ) تقدرُ وزارةُ التربيةِ وجودَ نقصٍ في البنيةِ التحتيةِ لأكثرَ منْ 10000 مبنى مدرسيٍ .
12 ) يقدرُ البنكُ أنَ إجماليَ الإنفاقِ الحكوميِ على التعليمِ في العراقِ ( التربيةُ والتعليمُ العالي – باستثناءَ إقليمِ كوردستانْ ) في عامِ 2019 بلغَ 10.8 تريليونِ دينارٍ عراقيٍ . يمثلَ هذا زيادةً طفيفةً منْ 10.0 تريليونٍ في عامِ 2018 ، لكنهُ يمثلُ انخفاضا منْ حواليْ 11.6 تريليونٍ في عامِ 2013 . الإنفاقُ الحكوميُ في العراقِ ( 9.7 في المائةِ ) أقلَ بكثيرٍ منْ المعدلِ الإقليميِ لمنطقةِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ إفريقيا والبالغِ 14.0 في المائةِ .
13 ) لمْ تنفقْ وزارةُ التربيةِ والتعليمِ أيْ مبلغِ منْ الميزانيةِ الاستثماريةِ في عاميْ 2017 و 2018 وأنفقتْ أقلُ منْ 24 مليارِ دينارٍ عراقيٍ في عامِ 2019 ، وهوَ ما يمثلُ 9 في المائةِ فقطْ منْ ميزانيةِ الاستثمارِ الفعليِ لقطاعِ التعليمِ . أما وزارةُ التعليمِ العالي والبحثِ العلميِ فأنفقتْ أقلَ منْ ( 4 ٪) منْ ميزانيةِ الاستثمارِ الفعليِ للتعليمِ العالي في عاميْ 2018 و 2019 . 14 ) لمواجهةِ التحدياتِ الحاليةِ والتطلعاتِ المستقبليةِ لقطاعِ التعليمِ في العراقِ بقترحْ التقريرُ التدابيرَ التاليةَ لضمانِ كفايةِ الإنفاقِ على التعليمِ العامِ :
أ ) إعطاءُ الأولويةِ للاستثماراتِ في التعليمِ على المدى المتوسطِ منْ بينِ الأولوياتِ المتنافسةِ العديدةِ على مواردِ الميزانيةِ الشحيحةِ خلالَ مرحلةِ التعافي منْ فيروسِ كورونا .
ب ) توسيعُ نصيبِ الإنفاقِ فيما عدا الرواتبَ في ميزانيةِ التعليمِ
. ج ) توجيهُ مواردَ عامةٍ إضافيةٍ للمناطقِ والمجموعاتِ الأكثرِ احتياجا .
15 ) ترتبطُ الاختلافاتُ في معدلاتِ الالتحاقِ بالمدرسةِ عبرَ المحافظاتِ بالفقرِ ، لا سيما في المرحلةِ الثانويةِ . في حينِ أنَ معدلاتِ الالتحاقِ بالمدارسِ الابتدائيةِ مرتفعةً بشكلٍ عامٍ في جميعِ أنحاءِ العراقِ ، فإنَ المشاركةَ في التعليمِ الثانويِ تنخفضُ معَ زيادةِ معدلاتِ الفقرِ في المحافظةِ ( بمتوسطِ نقطةٍ مئويةٍ واحدةٍ لكلِ نقطةٍ مئويةٍ زيادةٍ في الفقرِ متعددٍ الأبعادِ ) .
16 ) تظهرُ عينةَ المسحِ عدمَ وجودِ طالبةٍ منْ خارجِ الشريحةِ الاجتماعيةِ الاقتصاديةِ الأعلى مسجلةً في الدراساتِ العليا . يبدو التعليمُ الجامعيُ رفاهيةَ حيثُ يبدو أنَ ( 23 ٪ ) فقطْ منْ الطالباتِ المسجلاتِ في الجامعةِ ينتمينَ إلى أسرٍ تقعُ في الشريحةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ الفقيرةِ .
17 ) يستمرُ الفسادُ في التأثيرِ سلبا على تقديمِ الخدماتِ العامةِ في العراقِ عبرَ العديدِ منْ القطاعاتِ ، بما في ذلكَ التعليمِ . وفقا لمعهدِ دراساتِ الإدارةِ والمجتمعِ المدنيِ ، ذكرَ ( 47 ٪ ) منْ المستطلعينَ في العراقِ أنَ الفسادَ هوَ مصدرُ قلقهمْ الرئيسيِ . التعييناتُ وفسادِ الرواتبِ في شكلٍ “ موظفينَ وهميينَ ” يعيقُ الكفاءةَ والمصداقيةَ . وفقا للبنكِ الدوليِ المحسوبيةِ تحفزُ السلوكَ الفاسدَ في مشاريعِ التنميةِ . على سبيلِ المثالِ ، غالبا ما تكونُ تكاليفُ مشاريعِ التنميةِ مبالغا فيها بشكلٍ كبيرٍ بحيثُ يمكنُ للقياداتِ وأعوانها الاستفادةَ منها . في التعليمِ ، يعني هذا أنَ المستوياتِ المنخفضةَ بالفعلِ منْ مخصصاتِ الاستثمارِ العامِ للقطاعِ قدْ لا تستخدمُ بشكلٍ فعالٍ لمعالجةِ النقصِ الصارخِ في البنيةِ التحتيةِ لنظامِ التعليمِ .
18 ) حددَ تقريرُ البنكِ الدوليِ متطلباتِ وأولوياتِ إصلاحِ التعليمِ بما يلي :
أ – كفايةُ الإنفاقِ على التعليمِ . الهدفُ : زيادةُ نصيبِ التعليمِ في الميزانيةِ الحكوميةِ منْ خلالِ تعزيزِ الإنفاقِ الاستثماريِ وما غيرَ رواتب المدرسينَ والموظفينَ .
ب – المساواةُ في الإنفاقِ على التعليمِ .
الهدفُ : تحسينُ النتائجِ التعليميةِ للأطفالِ منْ الأسرِ والمناطقِ الأقلِ ثراءً .
ج – كفاءةُ الإنفاقِ على التعليمِ . الهدفُ : تعزيزُ القيمةِ مقابلَ الاستثمارِ في التعليمِ منْ خلالِ تحسينِ أداءِ القطاعِ ضمنَ قيودِ المواردِ المتاحةِ .
د – التحدياتُ المؤسساتيةُ وإدارةُ الماليةِ العامةِ في التعليمِ . الهدفُ : تحسينُ فعاليةِ إدارةِ قطاعِ التعليمِ منْ خلالِ الترتيباتِ المؤسساتيةِ المبسطةِ التي تفضي بشكلِ أكبرَ إلى تحقيقِ النتائجِ . يتطلبَ اجتيازُ محنةٍ ( تدهورُ التربيةِ والتعليمِ ) البدءِ بخطواتٍ إجرائيةٍ ضمنَ كلِ أولويةٍ منْ الأولياتِ الأربعة وضمنَ إطارٌ زمنيٌ قصيرٌ ومتوسطٌ وطويلٌ المدى . . ويجبَ أنْ يكونَ شعارنا
( بالتعليمِ . . العراقُ . . يستقيمَ ).
اللهمَ يسرَ لنا أمرنا . . واحللْ عقدةَ لساننا . .
البروفسور د . ضياءُ واجدْ المهندسُ
مجلسُ الخبراءِ العراقيِ