(48) مَرَّة بمواجهةِ الموت!
اجنادين نيوز / ANN
الأكادِيمي مَروان سودَاح (الأُردن).
– عضو في نقابة الصحفيين الأُردنيين والاتحاد الدولي للصحفيين:
في منطقة “جَبَل عَمَّان” السياحي بامتياز، والواسع جغرافياً والعَريق تاريخياً والشهير بجذوره القديمةِ الضاربة في أعمق أعماق التاريخ الأُردني، وجمالِيته المتميزة، والجاذب للمواطنين المحليين والسياح الأجانب من دولٍ مختلفة، نرى يومياً جماعات من عشاق الراحة والاستجمام يروِّحون عن أنفسهم على مساحات دواويره الثلاثة القديمة والعريقة وفي الشوارع الجميلة التي تتفرع عنها.
أقول، وبالرغم من جذب هذا الجبل الجميل لكل هؤلاء المُغْرمِين بجماليات المكان وعَراقة تاريخه، إلا أن المخالفات التي يرتكبها بعض أصحاب السيارات والمركبات لم تتوقف، ويُلاحَظ للمدقق أن فئة الشباب بخاصةٍ، بالإضافة بعض غيرهم من المتقدمين في السن، يرغبون في سياقة “سريعة” لمركباتهم، فربما يعتقد هؤلاء أنهم بهذا التصرّف إنَّمَا يحققون “تَمَيُّز” لشخصياتهم لم يشعروا به من قبل، أو تطلعاً منهم “لإثبات الذات الشبابية” أمام المواطنين ورجال الأمن والشرطة الساهرين نهاراً وليلاً على حماية المواطنين والعناية بمصالحهم، بل أن بعض هؤلاء الشباب، كما سَمعت ذات يوم، يُفَاخِرون بالتمتع بِما يُسَمّونَهُ “سند ظهر” “لديهم”، إذ غالباً مايصفونه بِ “المُهِم” و “المُهم جداً!”. لذا، وكما يبدو، لا يأبه بعضهم ارتكاب مخالفات ربَّمَا اعتقاداً منهم بأن ذلك يعمل على تعظيم ذواتهم ومكانتهم في المجتمع!
وفي هذا (المجال) وخلال شهرين تقريباً، تَمَكَّنتُ من إحصاء (48) مخالفة سياقة ارتكبها بحقّي أصحاب السيارات خلال انتقالي البطيء من شارع إلى شارع آخر. واللافت، أن عدداً من هذه المخالفات كان ارتكبها أصحاب السيارات أمام منزلي، فبعضهم قادوا سياراتهم بعكس السير، و/أو بسرعات عالية وجنونية، والهدف من كل ذلك، كما يبدو، محاولة منهم للوصول بمركباتهم إلى أهدافهم بأقصر الطُرق أو لاستعراض الذات و”الفهلوة”، وغالبية هؤلاء كانوا يقودون سياراتهم بمسير معاكس تماماً، بالرغم من وجود “كاميرات” حكومية تم تركيبها قبل شهور في المنطقة التي يقوم فيها منزلي. لكن، يبدو أن “العادة التاريخية” للبعض في مواصلة مخالفة القوانين عن سابق إصرار وترصد، أصبحت لدى هؤلاء “البعض” عادة يَستحيل التخلي عنها، “لاسِّيمَا” وفي أغلب الحالات عند إنعدام وجود دوريات سَيَّارَة شرطية أو راجلة، أو رجال شرطة مُتَخَفِّين بزي مَدني يُمَكِّنَهُمُ من ضبط المخالفين الذين يتحدّون القوانين ولا يأبهون بمصالح المواطنين.
يرى البعض أنه من الضروري تواجد متواصل لرجال الشرطة والسيارات الشرطية في مختلف الأماكن والمواقع الرئيسية وذات الكثافة السكانية للأُردنيين والأجانب، بخاصةٍ في تلك التي تشهد مخالفات يومية للقوانين. إن هذا الواقع الخطر المُعاش قد يَدفع ببعض أصحاب السيارات والسائقين، عن سابق إصرار، إلى “مواصلة التمتع!” بـِ “هواياتهم” في “التشحيط” والسياقة بسرعات كبيرة، بالرغم من أن هذا الأمر قد يعرِّضَهم لمساءلة قانونية مُكلِفة لهم، وقد تكون مخالفاتهم ذات يوم، وفي لحظة غير محسوبة، بطاقة مجانية لموت مؤكد لهم وللمُشاة الأبرياء. هذه التصرفات الرعناء وغير القانونية وغير الإنسانية قد تغدو “وداعية” في لحظة ما، في ثانية واحدة غير محسوبة لهم وللمواطنين المتواجدين في عين المكان.
إن مواصلة تحقيق السياقة بالطريقة العشوائية وغير المسؤولة هو مخالفة واضحة وصريحة لنصِ وحرفِ القانونين الأُردني والإنساني، ويؤشر على خطر كبير يُحدق بكل مواطن أردني ضمنهم الأطفال، والشيوخ، والعَجزة، والفتيات والسيدات الذين قد لا يَحسبون حساباً لمواجهة الموت من سائق سيارة متهّور، وقد يكون ضمن هؤلاء أيضاً زوار الأُردن الأجانب (كما شاهدت ذلك عدة مَرَّات)، وغيرهم من البشر مِمَن لا يمكنهم عبور الشارع بسرعة لأسباب قد تكون صحية لديهم؛ تماماً كَمثلي (أنا) كاتب هذه السطور، إذ أنني أعاني يومياً من طيش وعدم اكتراث بعض السائقين بطرائق سياقتهم العشوائية والسريعة لمركباتهم دون أخذهم بالاعتبار الوضع الصحي الواضح للعيان لِمَن يسيرون بمساعدة “العكاكيز” وهم ينتقلون من شارع إلى آخر؛ ومنهم أنا كاتب هذه السطور، إذ أنني أعاني منذ منتصف السبعينيات المنصرمة من عدة كسور عظمية في عددٍ من مناطق جسدي، فهي تشكِّل “حَجر عثرة” كبير أمامي في محاولاتي اليومية قطع الشوارع سريعاً من جانب إلى أخر مقابل.
وهنا، لا أخفي عن القارىء أنني انتظر أحياناُ فترات طويلة، وأحياناً طويلة جداً، بانتظار سيارة ما يتلطف سائقها بالوقوف ليُمكِّنني من قطع الشارع من جانب إلى الجانب الآخر المقابل. لقد تعرضت عدة مرات إلى حوادث كادت تنقلني إلى الحياة الأُخرى بسبب رعونة سائقين كادوا يطحنون جسدي بعجلات مركباتهم المُسرعة. كانت هذه صور مؤلمة لي، وهي ما تزال تتكرر حتى لحظة كتابتي هذه السطور. إنها صورٌ مؤلمة ومتلاحقة ماثلة أمام عَيِنَيَّ يومياً لم ولا ولن أنساها، بل ولن أنسى ولا يمكنني أن أتناسى مشكلتي اليومية في “قطع الشوارع” كونها خشية متواصلة لدي من بروز سائق قد يكون متهوراً يطحنني فجأءة ويَهرب، فتكون نهايتي كإنسان وكمواطن أردني، وكمواطن في هذا العالم.
أتقدم بعميق الشكر والتقدير لكل مَن سارع لمساعدتي مِن الإخوة في الكادر الشرطي، ولجهودهم اليومية العظيمة في حماية الوطن والمواطن، ولثباتهم المتواصل في تأكيد تطبيق القانون على الجميع دون أي استثناء، ولمراقبتهم الدقيقة للشوارع، ولضبطهم مَن تُسَوِّل لهم أنفسهم في لحظة ما تحدِّي القانون وسفك دماء الأبرياء.
-انتهى.