حوارات مع المبدعين… الشاعر : كاظم اللايذ..
اجنادين نيوز / ANN
كمال الحجامي
بعد اكماله الدراسة الاعدادية ، دخل كلية الآداب في جامعة البصرة وتخرج فيها العام (1970) في قسم اللغة العربية. وقد اوفد الى الجمهورية الجزائرية بعد التخرج مباشرة . حيث كان ضمن البعثة العراقية المساهمة في حملة التعريب لمدة (5) سنوات. بعدها عاد الى البصرة ، وعين في متوسطة القعقاع في قضاء شط العرب لمدة (3) سنوات ثم إلى ثانوية أبي تمام في العشار التي اصبح اسمها بعد ذلك (اعدادية الكفاح) ومكث فيها حتى العام (2002)… بعدها أحال نفسه على التقاعد. وفي هذه الاعدادية اصدر مجلة اسمها (نبض الكفاح) شارك في تحريرها المدرسون والطلاب . كتب الشعر وهو في ريعان شبابه. وقد صدر له حتى الآن عشرة دواوين شعرية هي : “الطريق إلى غرناطة ” عام (2006). “النزول إلى حضرة الماء” /دمشق عام (2009) . ” أطراس حارس الزمن ” عام (2012). ” دفتر على سرير الرجل المريض” . منشورات مجلة الشرارة/النجف عام (2013). ” بوابات بصرياثا الخمس” . دار وراقون للنشر والتوزيع بصرة عام (2015). “على تخوم البرية اجمع لها الكمأ ” / مطبعة امل الجديدة دمشق عام (2017). ” مثل طائر الفلامنكو احجل على ساق واحدة ” . عن اتحاد ادباء البصرة دار كيوان.دمشق عام (2019). ” بيدها تسقيني اكواب البابونغ ” (دار أمل الجديدة)عام (2021). “شوهد مغادرا باب الهوا ” الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق (2022).. ” أم البروم..رقعة بسعة العالم ” /دار الرافدين/بيروت (2024).. وللشاعر اللايذ كتاب تحت الطبع بعنوان : (مقهى المعتزلة). وسبق وأن نوقشت عن الشاعر كاظم اللايذ ثلاث رسائل ماجستير في جامعة البصرة وجامعة المستنصرية في بغداد وجامعة طهران.. وبعد هذا المشوار الطويل في سحر الكلمة وجمال القصيدة وتعدد الاصدارات الشعرية فيها كان لنا هذه الحوارية الشيقة مع الأستاذ الشاعر كاظم اللايذ .
س/ تعد البيئة الاجتماعية مؤثراً كبيراً في تكوين شخصية الشاعر وعلاقاته المتعددة مع اهله ومحبيه. ما مدى تأثير تلك البيئة في حياة الشاعر واستلهامه القيم العليا منها ؟
ج/ ولدتُ في فترة التحولات الكبرى التي شهدها العراق بعد الحرب العالمية الثانية ، وفي فترة النهضة الحديثة المتطلعة لأنشاء دولة عصرية حديثة تواكب التحرك الحضاري الذي عم أرجاء العالم ، ولدت في بيئة اجتماعية بسيطة في وسط مدينة البصرة في المحلة التي تسمى ( الحكيمية ) ولكن هذه المحلة في مستواها المدني وقيمها المجتمعية أقرب الى القرية منها الى المدينة ، ولكنها – شأنها شأن غيرها من المحلات كانت تتطلع الى التعلم لأنها ترى فيه سبيلها الى التحول الى عيش أفضل . كان الوالد متعلماً تعلماً تقليدياً وعنده مكتبة تضم في غالبيتها الكتب الدينية والتاريخية والأدبية , وكان للعائلة حسينية ملحقة بالبيت تقام فيها مراسيم العزاء الحسيني ويسمع فيها في أيام عاشوراء وصفر مقتل ( أبي مخنف الازدي ) الذي يروي قصة مقتل الحسين عليه السلام بلغة فصيحة عالية وبأسلوب تراجيدي ملحمي مؤثّر وقد تسربت لغة أبي مخنف بفصاحتها العالية الى لغتي في وقت مبكر مثلما ترسبت مشاهد الفاجعة العاشورية بمعانيها القيمية في ذاتي وعقلي الباطن . وتجلت بعد ذلك في نصوصي التي كتبتها . تظل النشأة الأولى للإنسان سواء أكان كاتباً أو غير كاتب أغلالا يظلّ يرسف بها طوال حياته ولا يستطيع الفكاك منها مهما بلغ من العمر.
س / من خلال تجربتكم الشعرية والتي امتدت لأكثر من اربعين عاماً.. هل هناك تطور في عالم الشعر وبنيته اللغوية في جمال الكلمة وبلاغة المعنى..
ج/ لقد عايشتُ القصيدة العربية في مراحلها الثلاثة : القصيدة العمودية المتوارثة القائمة على نظام الشطرين ، ثم شهدتُ الانعطافة الكبرى التي قادها السياب ورهطه وما سمي بحركة (الشعر الحرّ) التي لاقت في وقتها رفضاً مطلقاً وعدّتْ خروجاً على هذا الفن العربي العريق . وشهدتُ بعد ذلك ظهور قصيدة النثر التي تخلّت بشكل كلي عن اهم ما يميز الشعر عن النثر ألا وهو الوزن أو التفعيلات . في بداياتي كتبت القصيدة العمودية, ثم جرفني تيار قصيدة التفعيلة وكنت منحازاً الى السياب متأثراً به ، أرى ان قصيدة التفعيلة هي النموذج الأعلى للشعر العربي الحديث . وحينما ظهرتْ قصيدة النثر كنت من المناوئين لها والمتحاملين على من يكتبها ، والمسفّهين لطروحاتها ، ولكنني وجدت نفسي مع مرور الايام واحداً من كتبتها بل من المتحمسين لها . واصبحت من الذين يعتقدون ان مستقبل الشعر العربي سيكون مع قصيدة النثر . دون أن أغمط حقّ القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة في الوجود ، فلا غضاضة أن تتعايش هذا الأنواع الثلاثة مع بعضها ما دام هدفها واحداً .
/ للشاعر خطاب مباشر مع المشاهد لكي يعيش عن قرب مع الكلمة والنص الشعري.. كيف توضح هذه الأشياء في دلالتها وتصبح حاضرة لدى الاخرين..
ج / أرى أن على الشاعر أن يخاطب القارئ بلغة يفهمها ، وأن لا يترفع عليه باصطناع الغموض أو التقعير أو الإيغال في الرموز والإشارات البعيدة المطلّسمة . وهذا لا يعني أنني أدعو الى (المباشرة ) . فالمباشرة هي الأخرى داء وخيم يفسد لغة الأدب ويحولها الى كلام عادي خال من الفنّ , حينما أكتب فإن القارئ هو هاجسي الذي أراه ماثلاً أمامي بتقاطيع وجهه التي تعكس ارتياحه أو رفضه وأحاول ان أكون قريباً منه قدر استطاعتي فهو المعنيّ بالكتابة . مع الافتراض الدائم انه بمستوى مقبول من الثقافة والمعرفة والمقدرة على التلقي .
س / كيف يُسهم الشاعر في اسعاف الذائقة الشعرية لدى المتلقى ومنحه فرصة التفاعل مع القصيدة.
ج / كان الأدب وما يزال المؤشرَ على مستوى رقي الأمم ، فحضارة الأمم تقاس بفنونها وعلى رأس هذه الفنون ، الأدب الذي يعد خزين الأمة وروحها ومستودع عبقريتها ، وقد ظل الأدب والشعر على نحو خاص يمارس تأثيره على الناس فأمة العرب هي أمة شعر بالدرجة الأولى حتى قيل ( الشعر ديوان العرب ) .. والعرب يصغون الى الشاعر ويصدقونه وينساقون وراء سحره اكثر مما ينساقون وراء شيوخهم ورؤسائهم ، وصار من علامة المثقف أن يحفظ ما شاء له أن يحفظ من قصائد الشعراء يستشهد بها عند الضرورة والحاجة فتكون معيارأ للثقافة وسبيلاً الى الأقناع وقوة الحجة فضلاً عن الدلالة علىى الرقير والتهذيب وسموق المنزلة .
س/ من احدى مغامرات الحداثة في روح العصر هي قصيدة (الومضة) والتي تعتبر نوعاً شعرياً جديداً له تجربته وحضوره في الشعر. ماهو رايكم بذلك ؟ ..
ج / قصيدة الومضة ، أو الضربة ، أو التوقيعة . وكذلك قصيدة الهايكو، والقصة القصيرة جدا ، هي صرعات حديثة تتميز بالقصر والاختزال والتكثيف ، أفرزتها حياتنا المعاصرة القائمة على السرعة والهرولة . القارئ المعاصر هو قارئ مسرع خاطف على عجلة من أمره ، لم يعد ذلك القارئ المتأمل المتأني الصبور الذي لا يمل من القصائد العصماوات الطوال أو الروايات الضخمة التي تتجاوز العدد الكبير من الصفحات ، قصيدة الومضة هي استجابة طبيعية لروح العصر الدائم التحول ، انها سندويجات خفيفة يتناولها صاحبها واقفا أو ماشياً بدل الوجبات الثقيلة على سماط متعدد الأنواع . وكان لظهور وسائل الاتصال الحديثة ( السوشيال ميديا ) سبباً لشيوع هذا اللون من الأدب .
س/ تعد المهرجانات والمنتديات الادبية فرصة كبيرة في تلاقح الأفكار والاستفادة في تطوير الحركة الشعرية في ميادينا الثقافية . كيف تواكب هذه العلاقات مع الأدباء العرب والاجانب في هذا المجال ..
ج / كلامك عن أهمية المهرجانات واللقاءات الأدبية والحلقات النقاشية كان صحيحاً قبل أقل من عشر سنوات ، أي قبل الثورة التكنولوجية الهائلة في الاتصالات والتواصل الاجتماعي أما الان وبعد هذه الثورة فلم تعد المهرجانات او المؤتمرات أو اللقاءات المباشرة هي الوسيلة الوحيدة للاتـصال والتلاقح ، تستطيع الآن ان تجتمع بالعالم كله في أقصى الأرض وأدناها في لحظة واحدة وأنت جالس على كرسيك في البيت . تستطيع الآن بلحظات أن تنشر قصيدة مثلاً فيقرؤها أناس يبعدون عنك آلاف الفراسخ والأميال . واعتقد أن اليوم الذي ستلغى فيها المؤتمرات والمهرجانات الى الأبد ليس ببعيد ، ستختفي كما اختفت الصحف الورقية والمجلات الورقية واختفت الكتب الورقية وحلت محلها الرقميات . إن عصرنا عصر القفزات الكنغرية والتحولات السريعة يفاجئنا كل يومٍ بل كلَ ساعة باكتشاف جديد .
س/ بعد مسيرتكم الطويلة مع الأدب والشعر كيف تصل إلى الجانب الغربي في ترجمة دواوينك ومجموعاتك الشعرية لهم .
ج / لم أبلغ بعد مستوى متقدماً من الشهرة أو التفوق الإبداعي بحيث تترجم اشعاري الى اللغات الأخرى ، فأنا شاعر على قدر حالي – كما يقولون – مع ذلك فهناك من الأخوة المترجمين من قام بترجمة بعض قصائدي الى اللغة الإنكليزية مثل الدكتور كاظم العلي والاستاذ رياض عبدالواحد والأستاذ محمد سهيل أحمد . كما قام الأستاذ جاسم محمد بترجمة قصيدة لي الى اللغة الفرنسية . ولا أعرف اذا كانت هذه الترجمات قد حظيت باهتمام في الجانب الذيتسميه ( الغربي )
وفي كلمة أخيرة للشـــاعر كاظم اللايذ.
ج / أشكر جريدة الأضواء ويعسوبها المكافح محمد الدخيلي وأهنئه على صموده مع جريدته كل هذه السنوات رغم ما تعرضت له صحيفته من العواصف والهزّات . لقد كنتُ شاهداً على ظهور هذه الصحيفة بعد التغيير في العام 2003 وقد رافق ظهورها في تلك الفترة العشرات والعشرات من الصحف والمجلات ولكنها لم تصمد اذ اختفت واحدة بعد الأخرى وصارت أثراً بعد عين ، بينما ظلت الاضواء ثابتة تنافح و تتطور يوماً بعد يوم .
شـــــكري وامتناني لهذه الحوارية الجميلة معكم