*الهِتليةُ* .. و.. *الحكومةُ الدُّولاريةُ** .

اجنادين نيوز / ANN

أ.د.ضياء واجد المهندس

أيام الدولة العثمانية، بعد أن وصلَ والي بغداد مدحت باشا إلى قصر الولاية في القُشلة، توافدَت عليه جُموعُ الناسِ ومنهم خطيب جامع الإمام أبي حنيفة النعمان الذي شكى من ارتفاعِ أسعارِ الموادِ الغذائيةِ للوالي الجديد والمعروفِ بعدلِه وحُكمهِ الرَّشيدِ..
أنشأ مدحت باشا مجموعةَ *(السَّرسريَّة)* والذي تعني (الشرطة الإقتصادية) لضبطِ الأسعارِ.
انخفضت أسعارُ موادِ التموينِ لأسابيعَ الا أنَّها عاودَت الصعودَ بفِعلِ اتِّفاقِ السَّرسريَّةِ معَ التُّجارِ..
عندما وصلت شكاوى من أهالي بغداد للوالي قرَّرَ تشكيلَ مجموعةِ *(السِّيبندية)* والسِّيبندي يعني (المُفتِّش)، و حدَّدَ عملَهُم بمراقبةِ (السرسريةِ) وتدقيقِ الأسعارِ..
انخفضت أسعارُ موادِ التَّموينِ لأسابيعَ إلا أنها عاودت الصعودَ بفِعلِ اتفاقِ السيبنديةِ معَ السرسريةِ و معَ التُّجارِ، مما اضطرَّ وجهاءُ بغدادَ و خطباءُ مساجدِها لتقديمِ مظلوميةٍ للوالي مدحت باشا..
قرَّر الوالي انتدابَ مجموعةِ *(الهِتليَّةِ)* من موظفي القصرِ لتدقيقِ الأسعارِ ومراقبةِ السرسريةِ و السيبنديةِ..
انخفضت أسعارُ موادِّ التَّموينِ لأسابيعَ الا أنها عاودت الصعودَ بفِعلِ تفاهُمِ الهتليةِ مع السيبنديةِ والسرسريةِ والتجارِ.
اغتاظَ الوالي مدحت باشا من الذي جرى، فقرَّر الإعلانَ عن مجموعة *(الشلايتية)* والتي تعني (النزاهة)، حيثُ يقومُ الشلايتي بتدوين شكاوى الناس بخصوص أسعار المواد الغذائية ليحاسبَ الوالي المتلاعبينَ..
مرةً أخرى انخفضت أسعارُ موادِّ التَّموينِ الغذائيةِ لأسابيعَ وعاودت الإرتفاعَ باتفاقِ الشلايتي مع الهتلي والسيبندي والسرسري والتاجر حتى قالَ أحدُ الشعراءِ الشَّعبيِّينَ شاكيًا فسادَ البَشَواتِ من السرسرية و السيبندية والهتلية و الشلايتية:
إعلَم سيِّدي الوالي
أسعارَ المؤنة بالعالي..
لأنَّ الأصلَ مو طيِّب
باشا من الشَّرفِ خالي..
ما همَّه الفقير و لا درى بياضيم حالي ..

اليوم الحكومةُ الدولارية التي تعلو بالدولار مُدمِّرَةً الدينارَ بفِعلِ الفاسدينَ السِّياسيِّينَ الذين قاموا عبر وسطاء بالمضاربة و المتاجرة بالأسواق المالية في ظِلِّ غِيابِ مقدِرَةِ الدولةِ على إيجادِ حلولٍ حقيقيَّةٍ لغيابِ الخبراءِ عن سُلطةِ القرارِ..
الحكومةُ تارةً تدَّعي بيعَها الدولارَ للوزاراتِ و تارةً أخرى تبيعُ للمسافرينَ لكي يقومونَ بإرسالِ الدولارِ للخارجِ، والأدهى من ذلكَ أنها تبيعُ للمصارفِ الأهليةِ دونَ أنْ تعرفَ الحكومةُ إلى أينَ تذهبُ دولاراتُ البنكِ المركزي العراقي…

في عراقِنا كم من السرسرية و السيبندية والهتلية و الشلايتية الذين يتلاعبونَ بقوتِ الناسِ و أحوالِهِم ..

اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ أنْ تُسَلِّطَ غضبكَ على مَن ظلمنا..
و ترحَم أهلَنا و فُقراءَنا..

البروفيسور د ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

زر الذهاب إلى الأعلى