أصدقائي الموتى

اجنادين نيوز / ANN

علي الامارة

(نص في التماهي بين القبر والنقّال)
حين تتقدم الدهشةُ باتجاه النهايايات
يزدادُ عددُ الأصدقاء الموتى
يذهبون بهم هناك الى تراب المقابر
وأنا أحتفظ بهم هنا في هاتفي النقّال
أرفض مسح أسمائهم
وأرفض موتهم في جيبي أو في نقّالي
أو في قلبي
ارفض ان أغيّبهم كما يفعل التراب
انهم هناك تراب عاد الى تراب
اما في نقّالي
فهم حوارات وأصوات وقهقهات وصور
وأسئلة وأجوبة
يرفض نقّالي ان يكون مقبرة جماعية
انّني أحملهم معي أينما أذهب
في جيبي أو في قلبي
هنا لا فرق بين الجيب والقلب
ففي جيبي
انتصر النقّال على القبر
هل سمعتم ميتا تكلم في قبر ؟!
ولكن الموتى -اصدقائي-
كلهم يتكلمون في جيبي
صار جيبي مقهىً لهم
يتحدثون عن شؤوننا
ويتابدلون الآراء
مازالت صباحاتهم وورودهم
تشرق وتفوح في نقّالي
الذي يتنقل معي
يجمع اصدقائي
وآرائي
يجمعني..
نشكر التراب لأنه
يّهال علينا ويسترنا من عيون الحياة
وأنيابها
ولكننا نشكر النقّال ايضا
لأنه يرفض أن يهيل علينا
تراب النسيان
يحتفظ بنا طازجين دائماً
منتعشين بأصواتنا وصورنا
وأحاسيسنا العميقة
القبر لا يحتفظ بالأحاسيس
ولكننا نحترمه
ونضعه على رؤسنا عاجلاً ام عاجلاً
نستسلم للقبر
لكن النقّال بستسلم لنا
القبر يصادر كل شيء
النقّال يحتفظ بكل شيء
القبر يحترم موتك بتغييبك
والنقّال يحترم موتك بتحضيرك
وأنا ازعم الآن ان اهل الموتى واصحابهم
تبكيهم نقّالات الموتى اكثر من قبورهم
فالقبر انتهت مهمته
اما النقال لا تنتهي ابدا
بل حتى اسرار الموتى
يستطيع أن يتسلل إليها
انه يحتفظ بالموتى أحياء !
ليس للقبر مفتاحٌ سريٌّ
ومع هذا فهو عصيٌّ على الفتح
أمّا النقّال فرغم مفتاحه السري
متاح للفتح دائما
القبر أهيب وأقسى
النقّال ليس له أي هيبة
لكنه أرحم
اطمئنوا اصدقائي الموتى
انا ازوركم دائماً هنا
استحضر اصواتكم ومشاعركم
استحضر ارواحكم
اصطحبكم معي دائما
اصطحب حياتكم
فقلبي ليس ثلاجة موتى
ولا مقبرة منسية
استحضركم دائماً
بلا سحر أسود أو أبيض
ولا بخور
ولا ماء ورد ..
عندي فقط
سحر المحبة
وبخور الحنين
وماء ورد الحياة
المتدفق ابداً
رغم مهابة القبور ..!

زر الذهاب إلى الأعلى