النهوض بالقرى الصينية: نهوض اقتصادي واجتماعي بآن معا
اجنادين نيوز / ANN
لُجين سليمان / عضو مجلس الإدارة للرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل
لم تقتصر معجزة الصين في تحقيق النهضة والنهوض على بناء اقتصاد قوي زراعي وصناعي، بل كان الشعب الصيني جزءا كبيرا من هذا الاقتصاد، وذلك وفقا لمبدأ أنه لا دولة قوية بشعب جائع. غالبا عندما يُسأل أي صيني عن تجربة التخلص من الفقر، لا بد من أن يذكر أعضاء الحكومة الذين ذهبوا إلى أبعد قرية نائية في الصين وعملوا على إجراء استطلاعات ميدانية لسبر حاجات أولئك المواطنين، ومن ثم العمل على مساعدتهم على القيام بأعمال زراعية أو صناعية بسيطة تناسبهم، وبذلك من يرغب بالعمل سيكون لديه مستوى معيشي أفضل. عموما تم العمل على تحقيق نهضة الشعب الصيني من جانبين الأول هو الجانب الاقتصادي والآخر اجتماعي.
على الصعيد الاقتصادي
كانت “التنمية المتكاملة المتعددة المستويات” هي مفتاح السر. على سبيل المثال، على مستوى المزارعين تم ربطهم مع بعضهم البعض، للعمل بشكل جماعي ومشترك، مع تشجيع فكرة التعاونيات الزراعية على تطوير التصنيع الأولي للمنتجات. كما عُمل على تسريع بناء سلسلة صناعية تعتمد على المواد الغذائية في الريف، ومن ثم تحسين توزيع تلك المنتجات. مع تقديم دعم لتطوير صناعات معالجة المحاصيل في مناطق إنتاج الحبوب الرئيسية والمناطق ذات المزايا في المنتجات الزراعية المتخصصة.
استراتيجيا عُمل على تعزيز تخطيط الصناعات الريفية مع توسيع البنية التحتية الحضرية والخدمات العامة الأساسية لتشمل المناطق الريفية، وذلك لتحقيق الترابط بين البنية التحتية الحضرية والريفية والتقاسم الشامل للخدمات العامة. بالإضافة إلى تحسين وظائف الخدمة الشاملة للمقاطعة وبناء منصات للبحث والتطوير التكنولوجي وتدريب المواهب وتسويق المنتجات.
وبالعودة إلى فكرة “التكامل” سابقة الذكر فإنه تم تعميق هذا التكامل بين الصناعات واتجاه تنمية “الزراعة” متعدد الصناعات. واستنادًا إلى موارد كل مقاطعة، تم تسليط الضوء على الصناعات الرائدة، وذلك من أجل بناء عدد من المجمعات الصناعية الزراعية الحديثة ومدن للصناعات الزراعية القوية، مع إنشاء مجمعات تجريبية للتنمية المتكاملة للصناعة الريفية. وأما فيما يتعلق بتوجيه رأس المال الصناعي والتجاري إلى الريف فقد تم توزيعه بشكل منظم للاستثمار في المناطق الريفية. مع التأكيد على أهمية أن يُوجّه رأس المال هذا إلى استخدام الموارد الزراعية والريفية وفقًا للقوانين واللوائح، بشكل لا يشغل فيه الأراضي الزراعية بما هو مخالف لأنظمة ممارسة الصناعات غير الزراعية، وبما لا يُفضي إلى التعدي على ممتلكات المزارعين.
على الصعيد الاجتماعي
تقوم فكرة التنمية في الصين على مفاهيم متعددة ولعلّ من أهمها أنه لا يمكن للتنمية أن تولد إلا بعمل واع ومدروس ومنسّق للسيطرة على الصيرورة الاقتصادية والاجتماعية. وينبغي لهذه السيطرة أن تكون قبل كل شيء حصيلة إرادة وطنية فلا يمكن للتنمية أن تُفرض من الخارج أو حتى أن تتحقق بواسطته. والتصنيع يمثل تغيرا حقيقيا للمجتمع ولذلك ينبغي تحقيق توافق ما بين المجتمع والاقتصاد فيجب الابتعاد عن الوصول إلى مجتمع متقدم صناعيا واقتصاديا ومتخلف على الصعيد الاجتماعي يحافظ على عادات لا تناسب هذا التقدم. فالتنمية من خلال الاستثمار الاقتصادي لا تتحقق إلا بشكل جزئي. ولذلك فإن تأهيل الإنسان وتغيير العقليات من الأمور المهمة أيضا والتي سعت الصين نحوها من خلال عملية تخليص سكان القرى النائية من الفقر، فعلى سبيل المثال وإضافة إلى إرسال المعلمين والمدرسين والمرشدين الاجتماعيين إلى تلك القرى للبقاء فيها مدة لا تقل عن عام ومن ثم مشاركة تجاربهم حول نهوض القرى مع الآخرين فإنه تم العمل على الدخول إلى منازل المزارعين من قبل الموظفين الحكوميين من أجل الجلوس مع السكان والتحدث معهم وتخليصهم من بعض العادات التي قد لا تتناسب مع واقع اقتصادي متحضر. فكما ورد في كتاب “ولد للإصلاح مقومات التجربة الصينية”: “يجب دفع عملية التحديث في أشكال الحياة الريفية، فبسبب تأثير البيئة المحلية والتقاليد المتوارثة، فإن هناك في أساليب حياة الريفيين عددا من القضايا التي لا تتوافق مع المجتمعات الاقتصادية المتطورة والمزدهرة إلى حد ما، حيث يظهر في المجتمع الريفي الكثير من المشكلات التي تعوق عملية التنمية مثل فكرة الإنتاج البسيط وبعض التأثيرات من بقايا الفكر والمجتمع الإقطاعي، والعادات الحياتية المختلفة والعادات غير الصحية والحضارية”.
خاتمة
أدركت الصين باكرا جدا أنه لا تفوق على الصعيد العالمي بدون تنمية داخلية، ولا تنمية داخلية مع أفراد جائعين، ولذلك عملت على تخليص سكانها وتحديدا سكان الأرياف النائية من الفقر، كي تشكّل مجتمعا منسجما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وهو ما يُشكّل تجربة تستحق الدراسة بشكل مفصّل وتحديدا في عالمنا العربي، للنهوض بواقع الشعوب العربية.
الناشر
بهاء مانع شياع / عضو الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل، رئيس لجنه الإعلام والتواصل