حوار مع الشاعر كنعان الموسوي أجراه الصحفي داود الفريح

اجنادين نيوز / ANN

يسرنا اليوم أن نستضيف الشاعر والإعلامي كنعان عبد الزهرة كنعان الموسوي، الذي ولد عام 1973 في مدينة البصرة، الموسوي ليس فقط شاعراً له بصمته الخاصة في الشعر العربي الحديث، بل أيضاً إعلامياً وعضواً بارزاً في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين منذ عام 1999. لقد أثرى المكتبة الأدبية بثلاثة دواوين مخطوطة، منها “الهاشميات” في مدائح ومراثي أهل البيت عليهم السلام، و”الروميات” وهي مطارحات شعرية مع الشاعرة زينب الجبورية، و”حروف بللها المطر” التي تحوي قصائد وجدانية، بعيداً عن الأدب، الموسوي هو متخصص في هندسة الطاقة وتصميم الدوائر الإلكترونية، كما يشغل منصب الأمين العام لرابطة الهيكل الأدبية، التي تصدر مجلة “الهيكل” منذ عام 2014 خلال هذا اللقاء، سنحاول أن نقترب أكثر من شخصيته، ونتعرف على مصادر إلهامه، وتحدياته، وطموحاته الأدبية والفكرية.

مرحبا بك
ـ اهلا ومرحبا بك استاذ داوود.. لي الشرف بك وبصفحة اخبار الادباء

1. بدايةً، كيف كانت نشأتك في البصرة، وكيف أثرت هذه المدينة بتنوعها الثقافي على تكوينك الأدبي والشعري؟

ـ لانني عشت بثلاث مناطق في البصرة.. في الحكيمية وفي منطقة كوت الحجاج مجاور الكنيسة وفي قضاء ابي الخصيب فقد تاثرت جدا بالتنوع الثقافي ما اكسبني افاقا متعددة ومساحات كبيرة فكريا وادبيا.. فمن بيئة مترفة شاعرية رقيقة في الحكيمية دفعتني لمسارات وجدانية في ادب النسيب والغزل الى منطقة كوت الحجاج بجوار صبخة العرب وبكل تجاذباتها السياسية والراديكالية والى ادب المقاومة في زمن صدام حسين اضافة الى فترة مفعمة بشعر الرثاء الحسيني الذي صقل تجربتي واخذني الى الشعر الكلاسيكي من المتنبي الى حيدر الحلي واشباههما ومنها الى نخيل ابي الخصيب بين الماء والطين حيث التجربة السيابية وعمق الاحساس العاطفي والوطني والديني.. حقا كان التاثير البصري علي شديدا ولا اتصور ان اقدم ادبا عراقيا الا بنكهة بصرية صرفة…

2. ما الذي دفعك لدخول عالم الشعر، وما الذي كان يشكل لك دافعاً للإبداع والاستمرار في هذا المجال؟

ـ في الحقيقة انا كنت رساما وكانت في ذهني لوحة تمنيت رسمها ولكنها كانت فوق امكانياتي مهما حاولت… وكان ابي رحمه الله يراقبني بصمت وحينما ادركت ذلك سالته.. فقال لي حاول رسم اللوحة بالكلمات.. فكان البيت (ما بين عينيك والاوهام اغنية… كنتِ المسيح وكان القلبُ كالوتدِ) ومن هذا البيت على بحر البسيط غيرت مساري للابد من الرسم الى الشعر… وعموما يقول جبران خليل جبران (اذا نبغ الفنان صار شاعرا) ومع اني لم انبغ في الرسم الا انه قادني الى الشعر الذي لم استطع التخلص منه رغم محاولاتي.. ففي كل مرة بالاحداث المهمة في حياتي اجدني اقول الشعر مرغما…
الاحداث في كل مرة تدفعني مجبرا للشعر.. وخاصة العاطفية منها.. فلا يوجد حادث في حياتي غير موثق شعريا…

3. حدثنا عن بداياتك في الكتابة، كيف كانت أولى تجاربك الشعرية، ومن كان يشجعك على الاستمرار؟

ـ كنت مولعا بالصورة الشعرية اكثر من اي معيار اخر ولهذا كنت مدمنا على المتنبي والشريف الرضي ومهيار الديلمي ولم اكن اهتم بفلسفة النص ولا بالابعاد الفكرية او الرؤية الانسانية.. كان هاجسي الوحيد كيف ارسم اللوحات من خلال الكلمات.. وقد اعجب بتلك النصوص جميع مدرسي اللغة العربية في المرحلتين المتوسطة والاعدادية والذين كانوا يستبعدوني عن امتحانات اللغة العربية لانهم كانوا مؤمنين جدا بقدراتي في اللغة العربية والقواعد والادب..
في تلك الفترة وباول يوم نستلم فيه الكتب المدرسية.. اقوم بحفظ جميع النصوص الشعرية في كتاب الادب طول الليل.. وعند الصباح بليلة واحدة اكون قد حفظت جميع النصوص الى نهاية السنة.. حفظت المئات من النصوص مما جعلني اعيش الاوزان والقوافي في اعماق روحي حتى صرت اقطع الابيات بدون الورقة والقلم.. وكانت كل عائلتي من الجهتين (لان ابي متزوج اثنين) كانوا يشجعوني بقوة ويستمعون لما اكتب بتركيز شديد ويطرحون ارائهم بايجابية شديدة.. كما ان المدرسين كانوا يهتمون جدا ومنهم الست نهال عبد الرزاق وكل مدرسي اللغة العربية في الاعدادية والمتوسطة..

4. أنت عضو في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين منذ عام 1999، ما مدى تأثير هذا الانتماء على مسيرتك الأدبية؟

اذا كان ثمة تاثير علي وعلى اقراني في فترتي وما بعدها حينما دخلت الاتحاد فان هذا التاثير يتلخص بالدعم اللامحدود من قبل الشاعر الراحل (حسين عبد اللطيف) والذي اعتبره شخصيا ابي الثاني.. ذلك الانسان العظيم الذي كان يهدر كل وقته من اجل الجلوس مع الشباب وتوجيههم والاستماع لكل كلمة وحرف.. الاستاذ حسين رحمه الله له فضل على كل الشعراء من جيلي وما بعده بل وعلى الاتحاد برمته.. ذلك الاهتمام الذي جعل مني شاعرا فعلا.. انا اعترف اني قبل حسين عبد اللطيف كنت اكتب على الوزن والقافية وبشكل جيد جدا الا انني لم اكن شاعرا الا بعد الالتقاء به واستطيع ان اقول جازما ان كنعان قبل حسين عبد اللطيف لم يكن كما هو عليه الان… الفضل الاكبر علي كله ياتي من الاتحاد وجلساته التي من خلالها صرت اسمع الشعر بشكل اخر.. فالاحتكاك بالادباء والاستماع اليهم مهم جدا وهذا ما وفره لي الاتحاد.. ومن الجدير بالذكر ان الشاعر عبد اللطيف كان يقيم لنا جلسات شعرية باشرافه في مبنى الاتحاد بشارع الوطن قبل حصولنا على العضوية وكان يقيم كل حرف وكل بيت شعر يلقى على تلك المنصة…

5. لديك ثلاثة دواوين مخطوطة، هل يمكننا أن نتعرف أكثر على كل ديوان وما يميزه عن الآخر؟

نعم .. الديوان الاول كله في مدائح ومراثي اهل البيت عليهم السلام ويتخلله بعض النصوص الوطنية وبحسب الاحداث التي مر بها العراق ومنها ثورة 1991 وانتفاضة اذار عام 1999 اضافة الى بعض النصوص حين احتلال العراق ولكن ما يميز تلك النصوص انها كانت تستنهض العزائم باسم الحسين ع والذي تجده العنصر المشترك بجميع نصوص هذا الديوان… لقد ضمنت الديوان تلك النصوص الوطنية لوجود الامام الحسين فيها… لا يوجد نص ديني او سياسي او وطني في هذا الديوان الا وفيه صورة من صور ابي عبد الله..
اما الديوان الثاني (الروميات) فقط كان عبارة عن مطارحات شعرية في الغزل بيني وبين الشاعرة العراقية زينب الجبورية… فقد اتفقنا ان تكون ملهمتي وان اكتب قصيدة في كل نص منها يؤثر بي وجدانيا وهكذا كان.. وهو اكبر دواويني من حيث عدد وحجم القصائد فقد تجاوز 200 قصيدة كله في الغزل والحب.. ولان اول قصيدة كانت باسم الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي كرمز للحب كان اسم الديوان الروميات.. وقد قدمتها فيه ب لقب (مطربة الادباء واديبة المطربين) علما اني قراتها في مهرجان المربد عام 2005.
الديوان الثالث (حروف بللها المطر) كان ايضا بالنسيب والغزل ولكن كانت لكل قصيدة ملهمة مختلفة من خلال اعجابي باي فنانة او ممثلة او بطلة قصة.. فكانت العناوين بعيدة عن الحاضر المعاش.. مارلين مونرو… بروك شيلدز .. شادية.. لوليتا… وهكذا.. كنت اعيش احداث حياة بطلات العالم بالجمال والثقافة والفن واكتب فيهن.. لهذا جاء معظم الديوان بروح غربية وادب عربي كلاسيكي..
استطيع ان اقول ان دواويني بحق تمثل سيرة حياتي..

6. لماذا اخترت أن تتناول موضوع “الهاشميات” في مدائح ومراثي أهل البيت في أحد دواوينك؟

اعتقد لان الشريف الرضي اختار ذات اسم العنوان لذات المضمون ولم اجد اسما معبرا اكثر من هذا الاسم.. في البداية ورد اسم دموع الشموع… ولكني فضلت الهاشميات فيما بعد…

7. “الروميات” هي مجموعة شعرية تمثل مطارحات شعرية مع الشاعرة زينب الجبورية، كيف جاءت فكرة هذه المطارحات؟ وهل تجد هذا النوع من التفاعل الإبداعي مفيدًا للتطور الشعري؟

ـ لم اكن اخطط للفكرة.. انما وجدت نصوصا نثرية لشاعرة مليئة بالاحساس الفائق الذي اسرني فلم استطع الا ان اكتب الرد.. وبعد مجموعة نصوص بين اخذ ورد.. قررنا الاستمرار على هذا المنوال.. ان ارد على نصها ومن ثم ترد هي على نصي وهكذا.. ولانها كانت قد مرت بتجربة شديدة الالم في فقدانها طفلين. كانت تكتب بالم شديد اثر في روحي بقوة.. في الحقيقة اعترف اني كتبت فيها اجود شعري بل ان قصائدي فيها كانت تخرج من عميق قلبي..
حقيقة لا يوجد ما يقيد الشعر.. القصيدة وليدة احساس نعيشه واحيانا حينما تخرج عن ذلك الاحساس ربما ترى القصيدة لا تمثلك.. فالانسان حبيس متغيراته والحياة مستمرة على اية حال ولهذا ربما تشعر بانك الان لست انت بالامس.. الامر معقد فلسفيا نوعا ما ولكن لا يمكن لشيء ان يقيد الشاعر في لحظة التجلي والكتابة.. وانا ارى ان المتقيدين ليسوا سوى انصاف شعراء..

8. ديوانك “حروف بللها المطر” يتناول القصائد الوجدانية، كيف تعبر عن مشاعرك من خلال الشعر؟ وهل ترى في الكتابة وسيلة للتنفيس أم للتأمل؟

الكتابة هي الشاعر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. انت تتحدث عنك مع القصيدة وتبثها شكواك في مرحلة ما.. وهذا ربع الشعر.. واما انك تعيش باحساسك تجربة انسانية ما لشخص اخر فانت تتقمصه وتكتب عنه.. اذن انت صرت نصف شاعر… وحينما تتامل وتتخيل انك شخص ما يمر بتجربة ما ومن ثم تكتب عنها فانت شاعر تام… بين تلك المراحل الثلاث عشت ديوان حروف بللها المطر وصرت انتقل من واقع خيالي الى خيال واقعي بمعنى اني لم اكن انا في بعض قصائد الديوان واحيانا اكونني خارج زمكاني الواقعي.. وانا اتصور ان تجربتي بالديوان الثالث كانت اهم من التجارب الاخرى مع ان الروميات اكثر شاعرية لانه يمثل الصدق في كنعان…

9. أنت متخصص في هندسة الطاقة وتصميم الدوائر الإلكترونية، كيف توفق بين هذا التخصص العلمي والشعر؟

ـ اصلا انا رجل فيزياء في حقيقتي.. وقد لا يصدق احد بان الفيزياء عبارة عن حب.. كثيرا ما يتم سؤالي عن هذا الامر ولكن اؤكد لك بان الفيزياء عبارة عن علاقة غرام كبير واتمنى ان نؤسس لمحاضرة في الاتحاد للحديث بهذا الموضوع ولكن يكفي ان تعرف بان الجاذبية التي اوجدها نيوتن بقانون الجذب العام تتحدث عن علاقة حب هائلة بين كل جرمين تتناسب طرديا مع حاصل ضرب الكتلتين وعكسيا مع مربع البعد بين مركزي ثقليهما.. الجاذبية هي الحب بين كل اثنين.. يكفي ان نقول بان فلانة جذابة… اي تجذب قلبك وكانها الشمس وانك الارض… اعتقد ان الشعر حب وان كل شيء يحيط بنا عبارة عن حب…

10. كرئيس لرابطة الهيكل الأدبية التي تصدر مجلة “الهيكل”، ما هو دور المجلة في دعم الأدب العراقي؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهكم في إصدارها؟

نحاول في الرابطة بكل ما لدينا من قوة ان ندعم الادب والادباء من خلال النشر بطريقة جميلة.. وان عملية نشر الادب امر مهم للغاية من اجل تكريس ثقافة قراءة الجمال.. واما التحديات فاننا لم نجد مؤسسة حكومية او غير حكومية بامكانها دعم هذا المشروع ولو في محافظة البصرة… فمقر الرابطة والمجلة في محافظة البصرة بينما نطبع المجلة في مصر او سورية او المغرب!!! لعدم وجود مؤسسة ثقافية داعمة للاسف الشديد… علما ان الرابطة تاسست في جامعة البصرة.. كلية الاداب عام 1993 …
11. برأيك، كيف يمكن أن يسهم الأدب والشعر في مواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها العراق؟

ـ يقول ابي رحمه الله .. الاقتصاد والادب والفن.. ركائز ثلاثة بامكانها تغيير المجتمع ونقله من الحضيض الى القمة… لا يمكن لاي حكومة بالعالم ولا اي مؤسسة ان ترتقي بالمجتمع من دون تلك الركائز… ولهذا نرى بلدنا العراق يغرق بالفساد والضياع الاجتماعي والثقافي بسبب عدم دعم الفن والادب وعدم الاشتغال بشكل صحيح في ملفات الاستثمار والاقتصاد…
لابد من ادب في عملية الانتقال الى مستوى الازدهار.

12. ماذا تعني لك فكرة الالتزام بالقضايا الإنسانية والاجتماعية في شعرك؟ وهل ترى أن للشعر دوراً حقيقياً في التغيير؟

ـ الشعر ديوان العرب واهم مصدر من مصادر الاعلام الموجه ويمكن استثماره في عملية توجيه المجتمعات بالاتجاه الصحيح وانا اعتقد ان على الادباء مسؤولية كبيرة جدا… معظمهم قد تخلا عنها وهي مسؤولية توعية الشعوب وجرهم باتجاه الحب والتسامح والوعي الذي به تبنى الاوطان ويكون الازدهار… لا يكون الشاعر شاعرا بدون ان يهتم لقضايا وطنه وامته والا فان الشعر جاء من كلمة شعور.. ومن لا يهتم لقضاياه فهو عديم الشعور ولن يكون شاعرا ابدا… يقول نزار قباني
يصلب الانبياء من اجل رايٍ .. فلماذا لا يصلب الشعراءُ
الشعراء عبارة عن اراء كثيرة وليس راي واحد فهم معرضون للصلب بشكل دائمي.. واما اشباه الشعراء فقطعا لن يكون لهم اي راي في القضايا الانسانية والاجتماعية..
اصلا ديواني الهاشميات كله قضايا انسانية وفي مقدمتها الحرية

13. هل لديك طموحات لترجمة أعمالك الأدبية إلى لغات أخرى للوصول إلى جمهور أوسع؟

ـ طبعا بوجود المترجم الجيد هذا مطمح كل شاعر او اديب… لكن من اين لنا ذلك المترجم الذي يستطيع محاكاة القصيدة العمودية للغاة اخرى.. اعتقد ان الامر صعب ومعقد ونحتاج الى شاعر مهم ومترجم بنفس الوقت..

14. كيف ترى مستقبل الشعر العربي المعاصر؟ وهل ترى أن الشباب لا يزالون متفاعلين معه كما في الماضي؟

ـ انا متاكد ان الشعر اقوى من المحاولات الكثيرة للاطاحة به.. لانه بقى صامدا لاكثر من الفي عام.. نعم هناك لغط كبير يتعرض له الشعر الان مما ادى الى نزوح المجتمع باتجاه الشعر العامي الذي حافظ على التفعيلة والقافية… ولكني مطمئن بان الادب الفصيح سيعود وسوف يكتسح الساحة مجددا.. هذه ليست نبوءة بل حقيقة اراها امامي….
سوف يتفاعل الشباب مع الشعر ان عاد كما كان في سابق عصره.

15. أخيراً، ما هي نصيحتك للشباب الذين يرغبون في دخول عالم الشعر والأدب؟

النصيحة التي قالها لي استاذ محمود عبد الوهاب رحمه الله .. اقرا اقرا اقرا ثم اقرا وبعدها اكتب.. القراءة هو الطريق الوحيد للعلم والادب وبدونها لن تكون شيئا يذكر..

كلمة أخيرة لجمهورك الأدبي

ـ طالبني الكثير بديوان بي دي اف.. وانا اعد الجميع بانه قريبا جدا سوف انشر ديوان حروف بللها المطر… وشكرا جزيلا استاذ داوود الحبيب على هذه الفسحة الجميلة.. فائق احترامي واعتزازي وتقديري لكل ما تقوم به خدمة للادب والادباء.. شكرا من عميق القلب.

زر الذهاب إلى الأعلى