حوار مع الشاعر هاني أبو مصطفى أجراه الصحفي داود الفريح
اجنادين نيوز / ANN
يعد الشاعر العراقي هاني أبو مصطفى أحد أبرز الأسماء في الساحة الأدبية والشعرية العراقية والعربية، إذ استطاع أن يجمع بين الشعر والمسرح والصحافة، ليكون بذلك صوتاً قوياً يعبر عن أوجاع وهموم الإنسان العربي، نشأ في مدينة الزبير في البصرة، وترسخت بداياته في الشعر من خلال دواوينه التي تجاوزت حدود التقليد إلى عوالم جديدة من التعبير والبحث عن الذات، حصد أبو مصطفى جوائز عديدة، منها جائزة “شاعر النيل والفرات” عن ديوانه “بهذا أوصاني والدي” ولقب “شاعر القطرين” في مهرجان الإبداع والفنون، يسعدنا اليوم أن يكون معنا في هذا الحوار الصحفي ليشاركنا أفكاره ورؤاه الأدبية ومشواره الشعري.
مرحبا بك
1. بداية حدثنا عن بداياتك في عالم الشعر، كيف اكتشفت ميلك للشعر وما الذي جذبك لهذا الفن؟
ج . كل الود صديقي أستاذ داود أحد الأسماء المهمة في خدمة الأدب قولاً وفعلاً . بالتأكيد أن لكل شاعر بدايةً غير أني يُمكن لي أن أقول بأن لي بداياتٍ مختلفة . فقد بدأتُ شاعراً للقصيدة العامية ومازلت رغم ابتعادي عن ساحتها ظهوراً . كانت قراءتي لشعر مجنون ليلى هي التي دفعتني نحو ضرورة أن أكون شاعراً عمودياً وقبل أن أُتقن اللغة والعروض انهمرت قصائدي العمودية فقررتُ دراسة اللغة والعروض فأنا أُريد أن يصل شعري إلى العالم كله .ليعرفوا بأني كنتُ عاشقاً للجسد والحقيقة .ولم أنحصر على دراسة اللغة والعروض بل ذهبتُ إلى دراسة المنطق والفلسفة والتصوف والعقائد فاصطادني الحلاج الصوفي من ليلى المرأة إلى ليلى الحقيقة الإلهية لأجد نفسي صوفياً لهذا العصر بوفق سنوات العمر المتنوعة بين الغربة والسجن .
2. قصائدك تحمل طابعاً صوفياً عميقاً، كيف أثر التصوف على رؤيتك الشعرية وعلى نمط كتاباتك؟
ج .التصوف جعلني على قدمٍ متجولة في كل مكانٍ من هذا العالم الرحب . وقدمٍ ثابتة على الأرض كما يقول مولانا جلال الدين الرومي في الرقصة المولوية المعروفة . فالتصوف يمنحني فهماً للحياة بلا حدود . وعشقاً للحقيقة الإلهية بلا صدود . . فقراءة كتب التصوف بشكل عام تفتح نوافذ متنوعة للشاعر وأنا أنصح بها وأنصح باتخاذها مسلكاً تطبيقياً فالقراءة النظرية لا تكفي ويحتاج صاحبها إلى تذوق مثالياتها الروحية عملاً .
3. كيف كانت تجربة الفوز بجائزة شاعر النيل والفرات لعام 2018؟ وماذا أضافت هذه الجائزة لمسيرتك الأدبية؟
ج .المسابقة كانت تحت إشراف أحد وزراء الجامعة العربية الدكتور حيدر طارق وكبار النقاد والأدباء والممثلين المصريين وبمساعي رائد مؤسسة النيل والفرات الشاعر الكبير ناجي عبد المنعم . وبحضور عربي واسع وما أضافته لي هو توسيع دائرة العلاقة معهم إذ كانت مدخلاً لمساهمتي في طرح فكرة المهرجان الدولي للابداع والفنون على شرف وفد أدبي عراقي ترأسته وكان محطة مهمة كونه أول وفد عراقي بعد سقوط النظام السابق .كذلك التقيت فيه مع الدكتور صلاح فضل وكنا تناقشنا في عدة قضايا أدبية وسياسية .وكان من المفروض أن يستثمر اتحادنا مستوى علاقاتي في مصر ودول أخرى لمشاريع ثقافية أُخرى ولات حين مناص .
4. شاركت في العديد من المهرجانات الدولية في مصر والإمارات ولبنان، ما مدى تأثير هذه المشاركات على تجربتك الشعرية؟
ج . التأثير كبير فهو يجعلك تتنفس تجارب جديدة فضلاً عن كونه مدخلاً لإيصال شعرك فقد استطعتُ أن أضم عشرات الأدباء والشعراء إلى معجم أدباء العرب المبدعين وهو مجلد كبير فضلاً عن معاجم أخرى درجت اسمي وأسماء عراقية كثيرة عن طريقي فأسمي الآن في معاجم عربية عدة تناولت شعري وسيرتي كشاعر عراقي وكل ذلك بفضل العلاقات الجديرة بالابداع وليست سواها كوني استطعت أن أثبت وجودي شاعراً بكفاءتي لا بمقابلات شخصية كما يحصل في بعض المهرجانات التبادلية .
5. حصلت على لقب “شاعر القطرين” في مهرجان الإبداع والفنون، كيف ترى أهمية مثل هذه الألقاب والجوائز في مسيرة الشاعر؟
ج . ربما يتصور البعض أن كل الألقاب هامشية فشاعر القطرين لم يكن عن مسابقة تنافسية وإنما هو لقب أخذته من أدباء مصريين أمام جمهور أدبي عربي متنوع عام 2020 بسبب تنسيقي لمهرجان دولي على شرف وفد أدبي عراقي فكان تكريماً منهم وتقديراً لجهدي وهذا بالنسبة لي أفضل من ألقاب المسابقات السنوية فثمة حدث ذكره المصريون في صحفهم ولهذا فأنا أعتز به أيما اعتزاز .
6. حدثنا عن ديوانك “الإله تابو” الذي حصلت به على لقب فارس الإبداع، ما هي الأفكار الأساسية التي تناولتها في هذا الديوان؟
ج . الإله تابو هو مجموعة قصائد ضربت المألوف وأخذت على عاتقها خطر الأفكار التي قد تكون كفرية بالنسبة إلى البعض مع كونها تحمل رسالة الايمان كله من خلال ذلك التمرد على القراءات الدينية السابقة .
7. نلاحظ أنك تجمع بين كتابة الشعر والمسرح، كيف يختلف تأثير كل من المسرح والشعر على جمهورك؟
ج . أراني ومنذ زمن ابتعدتُ عنه لكن كانت لي معه جولة خارج العراق كتابةً وتمثيلاً . وهو عالمٌ كبير ينفع الشاعر في تجاربه ورؤاه . وابتعادي عنه تمثيلاً لم يُبعدني عنه كتابةً . ولدي مجموعة نصوص مسرحية بانتظار الطبع . ومنها نصي الفائز في جائزة مهرجان الفجيرة الدولي في المركز الثالث تنافساً مع كبار الكتاب العرب والأجانب والذي من شروطه أن يُترجم لخمسة لغات .
8. في ظل التطورات التكنولوجية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كيف ترى مستقبل الشعر العربي؟
وهل تؤمن بأن وسائل الإعلام الجديدة تساعد في نشر الشعر؟
ج .كل هذه المسميات التي ذكرتها تمثل مرحلة خطيرة على المبدع وقناة كاشفة لمستوى عطائه فهي لمن يستثمرها نافعة جدا وتُقلّص له المسافات وتصل به إلى أعلى القمة عندما يكون مبدعاً . وأما مَن انشغلوا بالبحث عن الجميلات والحفلات الليلية الهابطة . فقد خسروا خسراناً مبيناً . فالشاعر التاريخي من اصطاد التاريخ وجعل له موطىء قدم في عرش الابداع العالمي . لا من اصطادته نسوةُ زُليخا
9. كونك مستشاراً ثقافياً سابقاً في مؤسسة النيل والفرات ، ما هي التحديات التي تواجهها الثقافة العربية اليوم من وجهة نظرك؟
ج .التحديات كثيرة ومن أكبرها أن المؤامرة الصهيونية لم تكن سياسية فقط بل حتى على اللغة العربية والإبداع الأدبي . فهم لايريدون ابداعاً له علاقة بالأرض والعرض والقضايا المصيرية فصنعوا لنا بسياسة نظرية باللاشعور شعراء وأدباء همهم الوحيد أن تكون رمزياً لا علاقة لك إلا بما قاله وكتبه الأوربيون وهنا الخطر لأن المثقف يُطلب منه أن يقرأ ثقافة الآخرين ولكن على أن يقتحمهم بثقافته وتاريخه بلونه المعاصر معتزاً بتجربته الجديدة المنطلقة من تراثه الأصيل . وكما قيل بأن الأمثلة تُضرب ولاتُقاس فهذا يُذكرني بما قاله لي الدكتور صلاح فضل .يا استاذ هاني دعك من شعر العمود واذهب الى التفعيلة فقلت له وكيف تراني شاعراً عمودياً ؟ فقال أنت شاعر حقيقي ولكن التفعيلة أفضل. وعندما التقيته في عام 2020 في الامارات في جلسة الشاعر فاروق جويدة في القرية التراثية . وهو يقرأ شعراً عمودياً كان الدكتور صلاح فضل يصفق بحرارة . فقلتُ له دكتور هل نصحت فاروق جويدة بالتفعيلة فابتسم .
10. صدر لك رواية بعنوان “بودلير في جبة الحلاج” كيف كانت تجربتك في كتابة الرواية؟
وهل تخطط لكتابة أعمال روائية أخرى؟
ج .كتبتُ روايتين كانتا مكتملتين للطبع ومع الأسف فقد احترقتا مع الحاسوب قبل عامين فأصابني اليأس من العودة إلى كتابة الرواية . وأما رواية بودلير فهي مغامرة مني كوني لا أؤمن بالفشل فكانت محط اختلاف بين الثناء والرفض . وربما أعود إلى محاولة جديدة
11. بعد هذه المسيرة الطويلة، ما هو الدافع الذي يبقيك مستمراً في عالم الأدب والشعر؟
ج .لا أُخفيك حالاً. كم أتمنى لو لم أكن شاعراً لعلي أرتاح من مراقبة هذا الواقع المرير .فالشعر لعنة في رحمة . ورحمة في لعنة تُرافق صاحبها إلى أن يموت ومازلتُ أرى نفسي غريباً حتى في أهلي . ولعل العوز وبعض الحالات الخاصة أيضاً جعلني لا أتمكن من نشر ثلاثة دواوين مطروحة في خانة الانتظار سيكون قتلي على يديها كما أظن .
12. لديك دواوين شعرية لم تُطبع بعد، هل هناك مشاريع قادمة لنشر هذه الأعمال؟ وماذا يمكننا أن نتوقع منها؟
ج . كما قلتُ لك . يقف العوز وأخوته العشرة مانعاً بيننا . ومن ناحية محتواها فهي تحمل خطراً على أعداء الحقيقة وتجربة فلسفية كما أعتقد لم يقف عليها إلا الدكتور السعودي خالد الدعجاني في رسالته عني حين رأى بأني شاعر النص الصوفي المعاصر وبأني جئتُ بالجديد على مستوى النص الصوفي مخالفاً لجلال الدين الرومي والحلاج والفارابي
وعلى مستوى الشاعر الصوفي الذي خرج إلى الطبيعة والمرأة والسياسة بقراءة صوفية .
13. أخيراً، ما هي النصيحة التي تود أن توجهها للأجيال الجديدة من الشعراء الذين يسعون لتحقيق أحلامهم في عالم الأدب؟
ج . النصيحة هي أن يبحثوا عن وجودهم العالمي لا عن المنصة وأن يبتعدوا عن صراعاتها المقيتة . وأن يحسبوا حساب الزمن والتاريخ لنصوصهم وسيكون التاريخ كفيلاً بحفظ تراثهم فأكابر الشعراء لم يكونوا أكابر بيومٍ وليلة . ولم ترفعهم المنصة والمهرجانات بل رفعتهم حكمتهم وجمالية شعرهم ورحلتهم المختلفة واغتناماتهم للفرص الثمينة .
كلمة أخيرة لجمهورك الأدبي .
كل من يراني شاعراً أو أي شيءٍ آخر قريباً منه فهو صديقي . وكل من يراني بعيداً عنه فهو صديقي . وكل من لايراني شيئاً . فهو صديقي . فأنا أرى الجميع بعينٍ المحبة الواحدة على اختلاف التعامل اقتراباً وبُعداً . وأما قلبي فهو مسافرٌ مع الله المطلق فشكراً لكم جميعا ولك أستاذ داود الفريح