حوار مع الشاعر عبد الكريم رجب أجراه الصحفي داود الفريح

اجنادين نيوز / ANN

في عالم الشعر، تبرز أسماء قليلة تمتاز بحضورها القوي وتأثيرها المتفرد، الشاعر العراقي عبد الكريم رجب هو واحد من هؤلاء الشعراء الذين نجحوا في ترك بصمة لا تمحى في ميدان الأدب العربي، من مواليد قرية الحلاف في قضاء الهارثة، درس الأدب الإنجليزي وحاز على العديد من الجوائز التي أكدت على إبداعه في الشعر الحر، صدرت له عدة دواوين شعرية لاقت قبولاً واسعاً مثل “الأقلام لا تصدأ” و “صلوات الفيروز” عبد الكريم رجب هو الشاعر الوحيد الذي فاز بجائزة النور للإبداع أربع مرات، بالإضافة إلى العديد من التكريمات التي حاز عليها، وفي هذا الحوار الصحفي، نسبر أغوار تجربته الشعرية والفكرية ونقترب من عالمه الإبداعي العميق.
مرحبا بك
***
كلمة قبل الإجابة عن الأسئلة:
وصلتني رسالة من الأُستاذ داود الفريح تتعلَّق بإجراء حوار، فتردَّتُ في البداية بسبب وضعي الصّحي، وكنتُ على وشك الاعتذار لكن تريَّثتُ، فهي الـمرة الاُولى الَّتي يتقدّم لي فيها الصديق داود بطلب… وعدت للقبول تقديرًا لسعيه الكريـم، ومـجهوده الطيّب.
ثـمّ…
لقد أجبت عن الأسئلة بشيءٍ من العجالة، فربّـما يواجه القارئ خطأ هنا، أو عثرة هناك، فالتمسوا لي العذر.
شكرًا جزيلا للأستاذ داود الفريح، وشكرًا للقارئ.
***
1. كيف أثرت نشأتك في قرية الـحلاف في تشكيل شخصيتك الشعرية؟
ج. قرية “الْـحَلَاف” الّتي لا تبعد عن شط العرب سوى دقائق معدودة… قريةٌ أَحبَّها الـماء فابتسم لـها من جـميع جهاتـها، وأَحبتها الـحياة فنثرت في سـمائها وأَرضها الـمحبّة والـخير.
قريةٌ من نـخيل وأَنـهار، فأَيْنَ وقفتُ أَجدُني بين ساقية ونـخلة…. وبين نـخلة ساقية.
قريةٌ تسكنها موسيقى تغريد البلابل، ولا تغادرها زقزقة العصافير، وتطوف بـها أجنحة الطّيور.
كانت قرية الـحلاف جنّة، حيث الطبيعة الـجميلة جدًا، الّتي تُغري النفس البشرية لتستخرج أجـمل ما فيها… ومنها الكلمة الطيبة الـموشّاة بالـجمال والـموسيقى…

***

2. حصلت على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، فكيف ساهمت دراستك للأدب الأجنبي في تطور رؤيتك الشعرية؟
ج. صديقي العزيز… أعادني هذا السؤال إلى هناك، حيث صف الأول الـمتوسط، وينبغي ألّا أدَّعي ما ليس بي، لكن بشكل عام أقول:
كانت البداية مع مـجلة العربي الكويتيّة، الّتي تعرَّفت بواسطتها على الأدب الإنكليزي وتـحديدًا من خلال الشاعر الإنكليزي “ويليم وردزوورث” وقصيدته “إلى فراشة”… ومنها:
“لا تطيري! ابقي هنا، فقط قليلًا، لكي أَراك
أَرى فيك الكثير من الـجوهر، يا مؤرخة طفولتي
طيري حواليّ، ابقي قليلًا
أّيَّتها الـمخلوقة الـملائكيّة: بفضلك تعود الأَيام الـمنصرمة، إِلى قلبي،”
قرأت هذه القصيدة سعيدًا، فقد شعرت أن ويليام وردزوورث يتحدّث عنّي،
وشكّل لي هذا الـمعنى قفزة في طريقة التفكير، فقد آمنت من تلك اللّحظة أن من الضروري أن يشكل الأدب بعدًا إنسانيًّا، وأن تكون له أجنحة يطير بـها بعيدًا.. أَي أن يـجد القارئ ـــــ من أي دينٍ أو جنسٍ أو جغرافيةٍ أو لونٍ أو طائفةٍ أو بلدٍ ــــ نفسه في النص الَّذي يقرؤه، فيبتسم الـمتلقي قائلا: كأنَّ الكاتب يكتب لي.
***
3. ماذا عن البدايات؟ متى بدأت كتابة الشعر وكيف كانت تـجربتك الأُولى؟
كان الشعر في قريتي يسير مـختالًا، ويقف فخورًا، كنت أسـمعه على لسان الفلاح في حقله، والصيّاد في زورقه، والـمرأة وهي تدير الرحى، كما كانت تفعل جدّتي لأُمي كلّما قابلت حجر الرَّحَى.
فأحببت الشعر ونطق على لساني قبل أَن أُكملَ الدراسة الابتدائية، وتبيّن لي فيما بعد أَن ما كتبته كان موزونًا.
بعد ذلك…
كان عمري خـمس عشرة سنة حين تعرّفت على علم العروض، قرأْتُهُ واستطعت بعد فترة قصيرة أَن أتقن ــــ إِلى حد ما ــــ فنَّ التقطيع الشعري، وأَن أَكتبَ الشعرَ العمودي، وشعر التفعيلة دون أَخطاء عروضيّة.

نـموذج من البدايات… خلال فترة الدراسة الـمتوسطة:
1. قريتي
في قَرْيَتي…
في قَرْيَةِ الْـحَلَافْ…
كَانَ الْـهَوَى يَـحْتَضِنُ الظِّلَالَ والضِّفَافْ
وَكَانَتِ الأَحلامُ فيهَا أَبَدًا
لَا تَعْرِفُ الْـجَفَافْ.

في قَرْيَتي…
في قَرْيَةِ الْـحَلَافْ…
مَنَازِلٌ مَهْجُورَةٌ
قَصَائِدٌ مَقْهُورَةٌ
دَفَاتِرٌ مُـمَزَّقَةْ
جَرَائِدٌ مُـحْتَرِقَةْ
وَعَاشِقٌ وَعَاشِقَةْ
يَـمْتَطِيَانِ اللَّيْلِ… في مُغَامَرَةْ
وَآخَرُونَ هَاجَرُوا…
إلَى نَوَايا حَائِرَةْ
وَآخَرُونَ سَافَرُوا
في قَارِبٍ تَصْنَعُهُ الْآلِـهَةُ الْـمُعَاصِرَةْ.

في قَرْيَتي…
وَفي قُرَى الْـجِوَارْ
يُـحَرَّمُ اللِّقَاءُ وَالْـحِوَارْ
لَا رَأْيَ لَكْ
لَا حَقَّ لَكْ
فَسَّيِّدُ الْقَوْمِ يُريدُ أَنْ يَعيشَ النَّاسُ كَالْأَبْقَارْ
كَمَا يُريدُ كَاشِفُ الْأَسْرَارْ

وهنا أرغب بإضافة معيّنة:
في بداية سبعينيات القرن الـماضي كانت هناك حركة ثقافية واسعة في البصرة، من صورها كثرة الـمكتبات، وازدحامها بالـمواطنين على الدّوام، ومن صورها أيضًا، لا تكاد ترى مارّا لا يـحمل بيده كتابًا أَو صحيفة.
ولقد كان للحركة الشيوعيّة في تلك الفترة فضل كبير على هذه الـحركة الثقافية.
***
4. ما الذي ألـهمك لكتابة أول ديوان شعري لك “الأقلام لا تصدأ”؟
أعتقد أنَـها رغبة لاشعورية… من أجل التخلص من معاناة أكثر من ربع قرن، بسبب عدم الكتابة خلال تلك الفترة الطويلة، على الرَّغم من رغبتي الّتي لا حدود بكتابة الشعر، وأيضا بسبب جـمهور الأسئلة في رأسي، أسئلة… كانت تثير القلق… أهـمّها: هل يـمكن العودة لكتابة ناضجة، بعد قطيعة طويلة مع النحو والعروض.؟
وربـما عنوان الـمـجموعة “الأقلام لا تصدأ” أجاب عن السؤال.
***
5. لديك ديوان جديد بعنوان “حين يـحتفل القصب” حدثنا عن مضمون هذا الديوان وأفكاره.
عادة ما تشير نتاجات الشاعر، وموضوعاته، وأفكاره في القصيدة إلى مكنونه الداخلي، فيـمكن للقرّاء ـــ مع الفارق الثقافي والأدبي بينهم، والـمعطيات التي لدى كل واحد منهم ــــــ الاستدلال على ذلك الـمكنون، من خلال موضوعات وأفكار الشاعر الَّتي تتضمَّن علاقته الـمباشرة بالأرض والوطن والتضحية في سبيله والإنسان والأب والأم والـحبيبة الـحاضرة، أو الـمتَخَيَّلة والقيم والـمبادئ الإنسانيّة النبيلة. وعناوين نصوص الـمجموعة تؤكد ذلك.
منها… ما بينَ سوقِ “المغايز والكورنيش”، وقْفَةٌ عَلَى قَبْرِ أَبي، دهْشَةُ الْـحَجَر، مشاويرُ الأَشواق،
مــا قالهُ أَحـدُ ضحايا سبايكر عَبَاءَةُ أُمِّي
***
6. كيف ترى العلاقة بين الشعر والـمكان؟
ج. الـمكان من أدوات تـحريك الشاعرية، وعلاقة الـمخلوق البشري مع الـمكان (والشاعر منهم) علاقة مقدسة، حيث يؤثر أحدهـما بالآخر، فما من عنصر في الـمكان الّا ويـتضمن معنى من ذكريات… أفراح… أوجاع… مواعيد…أنـها علاقة مباشرة تستقر باللاوعي، فتتشكل في نفس الشاعر رمزية مقدسة للـمكان، لذا نـجد الشاعر يكتب عن مكان… وذكرى، فيشعر القارئ أن الشاعر يصف جنّة الله في الأرض… بينما الـحقيقة ليست كذلك. نعم… فالشعراء أو الرسّامون، أو الفنانون، يعيدون تـجديد الـمكان الذي أحبَّوه شعريًا وفنيًّا.

وكيف تـجسد هذه العلاقة في أعمالك؟
ج. الـمكان قبل الإنسان، لذا فعلاقة الـمخلوق البشري بالـمكان، بشكل عام، علاقة وجود، أما علاقة الشاعر بالـمكان فهي علاقة ذات خصوصية ثابتة، أنـها علاقة تبادل التأثير، وأنَّ النصوص الشعرية زاخرة بـهذا الـمعنى، ثـم… لا أستبعد أن يكون الـمكان الـمتخَيَّل مأوىً للشاعر، يرغب بالركون إليه فرارًا من واقعٍ سيء.
من قصيدة “ما بينَ سوقِ “الـمغايز” والكورنيش”

رِفْقًا بِذَاتِ الْـهَوَى الْعُذْرِيِّ
إِذْ عَبَـرَتْ “سوﮒ المغايزْ” بِسُلْطَانٍ مِنَ الشَّوْقِ *
وَحِينَ مَرَّتْ بِــ “حَنَّا الشَّيخ” شَاكَسَهَا: *
أَهْوَى مُـحَيَّاكِ يَا مَـجْنونَةَ الْعِشْقِ

فـي الْبَصْرَةِ أَسْئِلَةٌ كُبْرَى
تَتَقَــــاذَفُ نَـهْـــرَ الْعَشَّــارِ
فَتُجيبُكَ دَمْعَةُ مَـخْمُــورٍ
يِتَـــأَمَّــلُ حَــيَّ “الْـبَـچَّـاري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من قصيدة سيتا “العراق”

لَـمْ يَزَلْ صَوتُكِ يَا مَعْشُوقَةَ النَّهْرَيْنِ
يَفْتَـرُّ هَوًى بَيْنَ الشَّنَاشِيلِ،
وَمَا بَيْنَ السَّوَاقي
لَـمْ يَزَلْ يَعْشَقُهُ الْعَشَّارُ، وَالْعِشْتَارُ
وَالْكُرْنيشُ، وَالسَّيَّابُ
وَالْـمَقْهَى، وَجِسْرُ السِّنْدبَادْ
لَـمْ يَزَلْ في دَفْتَـرِ الْإِنْشَاءِ،
في أَوْرَاقِ دُنْيَا، وَثُرَيَّا، وَسُهَادْ.
لَـمْ يَزَلْ صَوْتُكِ مَنْحُوتًا عَلَى مِطْرَقَةٍ
تَرْنُو إِلَى مِنْجَلِ أَعْرَاسِ الْـحَصَادْ
***

7. فزت بـجائزة النور للإبداع عدة مرات، فما الذي تمثله لك هذه الجوائز والتكريمات؟
إلى حد ما… تعتبر مسابقة مركز النور من الـمسابقات الـمهمة، لأنـها تـخلو من تأثير العلاقات، لكن مع ذلك، لا أشعر أنـها تـمثّل شيئًا، لكنّني اعتبرت الفوز بـجائزة النور، أو غيرها شاهدًا على أن قصائدي بعد عودتي لكتابة الشعر لا بأس بـها.
***
8. صدر لك العديد من الدّواوين عبر سنوات مـختلفة، هل ترى أن هناك تـحولاً في أسلوبك ومواضيعك الشعرية عبر الزمن؟
ج. لا يـمكنني تقييم ذلك بصورة دقيقة، لكن لابد أن يكون ذلك، فلكل خطوة عنوانـها، ولكل مـحطة بيانـها، ولكل خطوة أو مـحطة أهميّتها، فلا يـمكن الوصول إلى نقطة ما دون التوقف أو الـمرور بالنقطة الذي قبلها، ثـم… نـحن في عالـم متغيّر متجدِّد، لذا فلابد أن يؤثّر هذا التغيير في طريقة التفكير، فـتتغير تبعًا لذلك الـمواضيع والأساليب الشعرية، والـمبدع من الشعراء من يـحتفظ بشعريّة قصيدته في كل الظروف.
***
9. ما هو الدور الذي يلعبه الشعر في زمننا الـحالي، في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية السريعة؟
ج. للأسف، لا أرى أن للشعر في هذه الفترة دورًا يليق به، والأسباب كثيرة… وكثيرة..
كيف يـمكن للشعر أن يعبّرَ عن دوره الـحقيقي؟ وقد أصبح الـخطّاورن شعراء، والطارئون أمراء…
كيف لا يكون ذلك؟، وأنت تواجه شاعرًا لا يـميّز بين الفاعل والـخبر، ولا بين بـحر شعري وآخر.
كيف لا يكون ذلك؟، وأن هناك مشاهد أدبية أو شعرية فيها كل شيء، لكن ليس فيها من الأدب والشعر الّا القليل.
***
10. كيف كانت تـجربتك في الـمشاركة بـمهرجانات أدبية مثل مهرجان الـمربد، وكيف أسهمت هذه الـمشاركات في إثراء تـجربتك الشعرية؟
ج. مهرجان الـمربد مهرجان كبير… تـحضره قامات شعرية سامقة جدًا، يقرؤون نصوصًا فخمة.
ولقد كانت لي ثلاث مشاركات بـمهرجانات الـمربد الّتي أُقيمت قبل 2016، ومن ذلك التأريخ وحتّى الآن لـم أحضر مهرجان الـمربد، الذي لا أعتقد أنه يشكل إضافة منظورة لتجربة الشاعر الـحقيقي.
ووجهة نظري بشكل عام… تُعْتَبَر الـمشاركات بالـمهرجانات الأَدبية ذات جدوى للذين يبحثون عنها، وليست بالضرورة أن تكون هذه الـجدوى أدبية…
***
11. ما هو التحدي الأكبر الذي واجهته في مسيرتك الشعرية وكيف تغلبت عليه؟
ج. التَّحدي الأكبر عبَّرت عنه صدمتان:
وكانت الصدمة الأُولى عام (1978) حين رُفِضَتْ قصيدتي التي كتبتها للمشاركة في إِحدى الـمناسبات الوطنية، والتي كانت لا تـخلو من أَثر أَفكار أحد الـمصلحين الأخلاقية والإنسانية. والّتي بعد إِعادتـها إِلي ضمَّنها القائمون على الاحتفال ملاحظة تقول: “لا تصلح لأَنـها لا تـحمل الـحس الثوري”.
تسلمت قصيدتي الـمرفوضة، وأَنا أَخيّر نفسي بين الكتابة للنظام السياسي أَو مغادرة كتابة الشعر،
فاخترت الـمغادرة، التي استمرت تقريبًا ثلاثة عقود.

الصدمة الثانية
ثم جاءت الصدمة الثانية… عام (1979)، فبسبب سياسة البعث وتـجسسه ومراقبته للمواطنين شعر والدي رحـمه الله بالـخوف، فدفن مكتبتي، ودفن معها كل ما كتبته من شعر.
ـــــ لـم يكن بوسعي التغلب على هذين التَّحدِّيين الّا بعد 9/4/2003
***
12. من بين دواوينك، هل هناك ديوان معين تعتبره الأقرب إلى قلبك ولماذا؟
ج. مـجموعاتي الشعرية على مسافة واحدة مني… لكن… إذا كان… ولابد، فمجموعتي “من طقوس الـمعنى”، ليست لأّنـها الأفضل، لكن هذه الـمجموعة شكلت، نوعًا ما، خطوة إلى الأمام عمّا سبقها.
***
13. هل لديك شعراء مفضلون أثروا في مسيرتك الإبداعية سواء كانوا عربًا أو أجانب؟
ج. لا أفضل شاعرًا على آخر، لكن كنت أشعر بالسعادة حين أقرأ لـجبران خليل جبران ونزار قباني.
***
14. ماذا تـمثل لك الـجوائز والشهادات التقديرية التي حصدتـها خلال مشوارك الأدبي؟
ج. تـمثل إشعارًا إيـجابيّا لا أكثر، يـخاطبني قائلًا: إنَّ عودتك لكتابة الشعر بعد أن غادرته لأكثر من ربع قرن تكلَّلت بالنجاح، أو شبه ذلك.
***
15. كيف ترى مستقبل الشعر العربي؟ وهل ترى أن الشعر لا يزال يحتفظ بمكانته في المجتمع؟
ج. لـم يعد الشعر يـحتفظ بـمكانته الّتي يُعَوَّل عليها في صنع التغيير، أو خلق الـجو لاستقطاب الـجمهور، والأسباب كثيرة جدًا.
ـــــــ أمّا مستقبل الشعر العربي فهذا ما لا يـمكنني قراءته أو التَّـنَـبُّـؤُ به، لكن وفق الـمعطيات ــــ وفي حالة عدم دراسة الظواهر الـحقيقية الّتي أدّت إلى تراجع منزلة الشعر، ودراسة الأسباب الّتي أدّت الى انـحسار جـمهوره، والتّصدّي لـها ــــ فمستقبل الشعر الأدب إلى الأسوأ، قد يعتبر أحدهم أن وسائل التطور وصفحات الإنترنت ووسائل التّواصل الاجتماعي من تلك الأسباب، فأقول، نعم فما ذكرته أزاح الفواصل بين الـمبدع الـحقيقي والطارئ على الثقافة والأدب، لكن في الوقت نفسه هذه الوسائل كسرت قيود الرقابة، فحلّقت بالأعمال الإبداعيّة بعيدًا متجاوزة الأمكنة والأزمنة.
ثـم… أتساءل: أليس الـمبالغة بالإبـهام والايهام والغموض في الشعر من تلك الأسباب.؟
أليست الـخواطر التي بـمستوى كتابة طالب دراسة متوسطة والّتي تُسَوَّق بـمنزلة الشعر، وينال صاحبها لقب شاعر من الأسباب؟؟
***
16. هل يـمكن أن تـخبرنا عن مشاريعك القادمة، وهل هناك ديوان جديد ننتظره في الـمستقبل القريب؟
ج. لدي مـجموعة شعرية جاهزة للطباعة، سترى النور في بداية العام القادم إن شاء الله تعالى.
***
17. في رأيك، ما هي أهم الصفات التي يـجب أن يتحلّى بـها الشاعر الـحقيقي؟
ج. هناك نقطتان:
* ينبغي أن يدرك الشاعر أنه موهبته من نعم الله عليه، كما ينبغي أن يعي الشاعر أنه أحد عناصر العملية الشعرية الـمعقدة، لذا يـجب أن يـحترم هذه النعمة، وأن يتجنب الغرور والنرجسية، هذا أوّلًا.
* ثانيًا: أن تكون القصيدة مـحطّة لتكريس القيم والـمبادئ النبيلة، وموضوعًا للإنسان والأخلاق والوطن بـما تثيره من أسئلة، وربَّـما بـما تـجيب عنها، فهناك قصائد تقيم الدنيا وتقعدها، وتزلزل الرأي العام، وتـحقق تغييرًا شاملًا.
***
18. إذا طلبنا منك أن تصف تـجربتك الشعرية في ثلاث كلمات، فماذا ستقول؟
أنتظر تقييم القارئ
***
19. كيف تستلهم مواضيع قصائدك؟ وهل هناك موضوع معين يشغل حيزًا أكبر في كتاباتك؟
ج. كثيرة تلك الـمصادر التي يـمكن أن يستلهم الشاعر منها مواضيعه، مصادر تفرضها إيعازات تنطلق من العقل الباطن، وكخلاصة لتلك الـمصادر أستطيع أن أقول:
الشعور بالـمعاناة… كالقهر والفقر.
الطبيعة… كالنهر والـمطر والبحر والليل والغابة
العزلة…
التأمل…
قوة التخيّل
الفرح،
التأثر بالـمواقف الإيـجابية والسلبية
أما ما يشغل حيِّزا… فالـمواقف الإنسانية النبيلة.
***
20. ما نصيحتك للشعراء الشباب الذين يرغبون في ترك بصمتهم في عالـم الشعر؟
إضافة إلى ما ذكرته في النقطة 17 أقول:
• الدوام على قراءة القرآن الكريـم ونـهج البلاغة، فالدوام على قراءتـهما يؤدي قفزة نوعية في أسلوب الكتابة.
• القراءة ثـم القراءة، والتي أقترح أن يكون من ضمنها: الـمعلّقات، بعض الشعر الأموي، بعض الشعر العباسي، ديوان الـحماسة، الـجواهري، نزار قباني، السياب، جبران خليل جبران، بعض شعراء الـمقاومة، بعض الأدب الإنكليزي، بعض الأدب الروسي.
• يـمكن للشاعر الشّاب أن يكون مع نصّه كما يشاء، ولا ضير أن يقول أنّه قادر على التحكم بـحركة النجوم والكواكب، لكن… ينبغي أن يكون بين عامة الناس كأحدهم.
• تـجنّب أيـّها الشاعر الشّاب أن تصب الـهمَّ على الورق، وابعث رسائلك على جناح ملاك.

كلمة أخيرة لـجمهورك الأدبي
أقسم صادقًا… وأنا أقول:
أمارس كتابة الشعر كهواية، وإذا حاولتُ أن أضع جدولًا من عشر مراحل لتقييم شعراء البصرة ومثقفيها، فلا أتردّد حين أضع نفسي في الـمرتبة العاشرة، وأنا راضٍ، وسعيد بذلك.
وللمعلومة…
منذ فترة ليست بالقصيرة، وامتثالًا لوصية الأطباء بالابتعاد عمّا يتسبب بضغوطات نفسية، وأنا بعيد عن الـمشهد الثقافي والأدبي، بسبب مشاكل صحية تتعلق بارتفاع ضغط الدم الـمفاجئ، ومشاكل مرهِقة في الـجهاز التنفسي، والوصيّة الأخيرة خلال سفرتي العلاجية… شـملت الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، وأخشى مع عدم استجابتي أن تتكرَّس الـمشاكل الصحية.

ملاحظة: من يرغب من الأدباء والأصدقاء أن يشرّفني بالـحصول على مـجموعتي الأخيرتين “حين يـحتفل القصب” و”لوحة الكوخ الأخير”، يـمكنه التواصل معي عبر أية وسيلة يرغب بـها.

وفي الـختام لا يسعني الّا أن أكرر شكري وتقديري للأستاذ داود، وأرجو الـمزيد من النجاح والتوفيق.
والـمودة والتقدير للجميع

زر الذهاب إلى الأعلى