حوار مع الكاتب والباحث علاء العيسى أجراه الصحفي داود الفريح
اجنادين نيوز / ANN
في هذا اللقاء نتشرف اليوم بمحاورة الكاتب والباحث الموسوعي علاء لازم العيسى، الذي يمثل نموذجا مشرفا للمثقف العراقي الملتزم، وُلد في البصرة، حيث شهد بداياته الأدبية والفكرية من خلال مساهماته الأولى في الصحافة المحلية في أواخر السبعينيات، ليتابع مسيرة غنية بالبحث والتأليف في الأدب والتاريخ والسيرة والفلسفة، انقطع لفترة عن النشر، لكنه عاد بقوة بعد عام 2003، وساهم في تأسيس جريدة “الأضواء” في البصرة بعد الاحتلال الأمريكي. لاقى العيسى تقديرا نقديا واسعا لمساهماته، وحصد جوائز عدة، منها الجائزة الدولية الأولى للكتاب البصري في 2018 في هذا الحوار، نتناول مع الأستاذ علاء لازم العيسى رحلته الأدبية وأفكاره حول قضايا الثقافة والأدب العراقي.
مرحبا بك في صفحة أخبار الأدباء
1. كيف أثّرت نشأتك في البصرة على تكوينك الفكري والأدبي، وهل ترى أنّ هذه المدينة تمتلك خصوصية ثقافية تنعكس على أبنائها ؟
ولدت في منطقة المعقل / كمب حميد الحاوي في 27 / 3 / 1959 وسط أسرة فقيرة في منزل صغير تسكنه أربع عوائل ، وكنت الابن الثاني بعد أخي ضياء ، ثُمّ انتقلت عائلتنا الصغيرة للسكن في البصرة مع بيت جدّي لأمّي في محلّة الصفاة قرب بيت باش أعيان ، وبعدها انتقلنا جميعاً إلى محلّة القبلة قرب جامع العرب وبيوت آل النّقيب . رافدان كان لهما تأثير كبير على تكويني الفكريّ والأدبيّ ، الأوّل بيت جدّي لأمي ، ففي ذاك البيت رأيت المكتبة والكتب لأوّل مرّة ، وبواسطة جدّي وأخوالي تعرّفت على الشّاعر المتنبّي وأبي نؤاس والرّصافيّ ، ونوادر جحا ، وألف ليلة وليلة ، وعلي بن أبي طالب ومقتل الحسين ؛ ومن نقاشاتهم سمعت بغاندي ، وجمال عبدالناصر ، وعدم الانحياز ، ولينين وماركس ، ورشيد عالي الكيلانيّ ، وعبدالكريم قاسم ، ونكسة حزيران . والرافد الثّاني خصوصيّة البصرة أواخر الستّينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي ، وهو ما يمكن أن أطلق عليه ( العصر الذهبيّ ) في تاريخ البصرة المعاصر في الفكر والثقافة والأدب والتسامح ، فقد كانت المدينة حاضنة لجميع الأفكار والايديولوجيّات والدّيانات ، وكانت المقاهي منتديات أدبيّة وفكريّة ، ومن بيت جدّي وأجواء المدينة تكونت شخصيّتي التي تحترم الرأي والرأي الآخر ، وتعدّ القراءة ضرورة حياتيّة كالأكل والشّرب والهواء .
2. بدأت مشوارك الكتابي بالنشر في جريدة ” المرفأ ” في السبعينيّات كيف كانت هذه التجربة المبكرة ، وما الذي دفعك لبدء مسيرتك الأدبية عبر الصحافة ؟
لم يكن هناك دافع مسبق لشاب له من العمر ( 18 ) سنة إلّا الحلم بأن يرى كلماته وقد نزلت بجانب كلمات أدباء كبار ، خاصّة وأنّ جريدة ” المرفأ ” لصاحبها الأستاذ إحسان وفيق السّامرّائيّ كانت محطّة جاذبة ، وحاضنة رائعة لنتاجات أدباء البصرة والجنوب .
3. انقطعت مدة طويلة عن النشر ، ثمّ عدت بعد عام 2003 .
هل يمكننا معرفة سبب هذا الانقطاع ، وكيف وجدت الوسط الثّقافي بعد العودة ؟
أنا كنت قليل النّشر أصلًا ، وسبب انقطاعي عن النّشر بعد ذلك لأسباب سياسيّة فقد دعيت في يوم من الأيام ، وكنت يومها في الجيش، إلى مهرجان شعريّ ، وعندما اعتذرت عن الحضور لأنّني لست شاعرًا ، احتجّ عليّ ضابط التّوجيه السّياسيّ بأنّه قرأ لي شيئاً من الشّعر في جريدة من الجرائد ، وصممت على الاعتذار وبعد اللتيّا والّتي اقتنع ولم أحضر المهرجان ، ولكنني قرّرت بعدها الانقطاع عن النّشر لكي لا أقع مرّة ثانية في فخ الدّعوة للمهرجانات الحزبيّة .
4. شاركت في تأسيس جريدة ” الأضواء ” وأطلقت عليها هذا الاسم . ما الّذي يعنيه هذا الاسم بالنسبة لك ، وكيف كان تأسيس جريدة في ظل تلك الظروف ؟
أطلقت اسم ” الأضواء ” على الجريدة تيمّناً بمجلّة ” الأضواء ” وهي مجلّة إسلاميّة صدرت في النّجف الأشرف أصدرتها جماعة العلماء ، صدر عددها الأوّل في شباط سنة 1959 ، اتّصفت بالانفتاح والرصانة العلميّة .
5. تكتب في مجالات متنوّعة تشمل الأدب والتاريخ والفلسفة ، كيف استطعت أن توازن بين هذه المجالات المختلفة ، وهل ترى أن تعدد التخصصات يعزز من قوّة الكاتب ، أم يشتت أفكاره ؟
مسألة قوّة الكاتب الموسوعيّ أو تشتته مسألة نسبيّة تختلف من كاتب إلى آخر ، وقد ضمّ أرشيف المؤلفين العرب والعراقيين أسماءً لامعة لكتّاب كتبوا في فنون كثيرة فأجادوا وأفادوا ، منهم على سبيل المثال لا الحصر : الكاتب المصريّ عبّاس محمود العقّاد الّذي ألّف بحدود الـ ( 90 ) كتابًا في الشعر والنقد الأدبيّ والفلسفة والسيرة والتاريخ ، علمًا أنّه لم يحصل على شهادة السّادس الابتدائي . ومن العراق : انستاس الكرمليّ مؤسّس مجلّة ” لغة العرب ” ومؤلّف الكتب العديدة في اللغة والتاريخ والبلدان والتّراث الشّعبيّ ، وعلي الخاقانيّ صاحب مجلّة ” البيان ” الّذي عُرف بإصدار عدد من الموسوعات عن شعراء الغري وبغداد والحلّة ، كما أصدر موسوعة فنون الأدب الشّعبيّ في( 12 ) حلقة إضافة إلى جهوده في إعداد الفهارس والبيبليوغرافيات ، والدكتور نوري جعفر ، المولود في القرنة الّذي ألّف بحدود الـ ( 30 ) كتابًا في علم النّفس والتّربيّة والفلسفة والسّياسة والنقد الأدبيّ والسيرة .
6. كنت من ضمن الفائزين سنة 2018 بالمسابقة الدّوليّة الأولى للكتاب البصري الّتي نظّمتها العتبة العباسية ، ما الذي أضافته لك هذه الجائزة ، وكيف تنظر إلى دور المسابقات الثّقافيّة في دعم الكتّاب ؟
إدراج اسمي من ضمن الفائزين في المسابقة المذكورة أضاف لي الكثير من الدّعم المعنويّ لما تتمتّع بهِ الجهة المنظّمة للمسابقة من رصانة علميّة . أمّا بالنسبة إلى المسابقات الثّقافيّة والأدبيّة والجوائز الّتي تُمنح فيها فقد أصبحت من التّقاليد الرّاسخة في مختلف الدول ، على مستوى الوطن العربيّ والعالم الغربيّ ، وأنا أرى أنّ لها فوائد ماديّة ومعنويّة نافعة للأدباء ، وإن كان منح هذه الجائزة أو تلك لا تعني الأفضليّة دائمًا .
7. كعضو في اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة ، كيف ترى دور الاتحاد في دعم الأدباء الشباب ؟
هناك دعم ملموس وواضح لكنّنا نتمنّى المزيد من الدعم ، خاصّة فيما يتعلّق بطبع نتاجات الأدباء وتوجيه الدّعوات إلى المهرجانات .
8. من بين كتبك المنشورة ، ما الّذي تعتبره الأكثر تأثيراً على قرّائك ولماذا ؟
أنا أعتقد بأنّ كلّ كتبي لها تأثير على الآخرين ولكن بنسب مختلفة ، أما الأكثر تأثيراً فهو : ( المجمل في تاريخ البصرة ) طبع على نفقة دار الشؤون الثّقافيّة العامّة سنة 2010، ابتدأت فيه من تأسيس البصرة على يد عتبة بن غزوان وانتهيت باحتلال الإنكليز لها سنة 1914. والكتاب الثّاني : ( المبسوط في أولاد أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين وأحفاده )، طُبع على نفقة مركز تراث البصرة التابع للعتبة العبّاسيّة سنة 2015 ، أمّا الكتاب الثّالث فهو 🙁 نوافذ في الفكر والأدب ) ، صدرت طبعته الأولى سنة 2018 ، ضمّ بين دفّتيه ( 29 ) مقالة في الأدب والسيرة والفلسفة ، مع قراءات لبعض الكتب ، قدّم له الناقد مقداد مسعود .
9. لديك كتابان تحت الطّبع هما : ( أعلام الشّخصيّات والأسر الوافدة إلى البصرة 1875 ــ 1925 )، و( معجم مصطلحات النّخيل والتّمور في اللهجة البصريّة ) . هل يمكنك أن تحدّثنا عن هذه المشاريع الجديدة ، وما الّذي تأمل في تحقيقه من خلالهما ؟
من الأحلام الّتي راودتني منذ أكثر من عقدين من الزمان هي أن أكتب موسوعةً بـأجزاء عن البصرة ، أسلّط فيها الضوء على تاريخها وأعلامها ولهجات أهلها ، وإعداد بيبليوغرافيا تحيط بما نُشر عنها من مؤلّفات باللغة العربيّة ، وإحصاء من نزلها وحلّ فيها من العلماء في القرون الهجريّة الخمسة الأولى ، وقد اتممتُ منها أربعة من ضمنها ( المجمل في تاريخ البصرة )، والبقيّة قيد الانجاز وعددها ثلاثة .
أمّا بالنسبة إلى كتابي (( أعلام الشّخصيّات والأسر الوافدة إلى البصرة )) ، فقد أسهمتُ بوساطته في رسم صورة مشرقة وواضحة لمدينة البصرة أيّام زمان ، من حيث ثقلها السّياسيّ والاقتصادي ، ومن حيث أريحيّة أهلها وتسامحهم الدّينيّ والعرقيّ ، فجمعت ما تيسّر لي من تراجم وأسماء لشخصيّات وأسر وفدت إلى البصرة وعاشت بين أهلها ، وأسهمت مع أبناء المدينة في دفع عجلة التطوّر التّجاريّ والاقتصاديّ والعلميّ والسّياسيّ فيها . وفي كتابي الآخر (( معجم مصطلحات النّخيل والتّمور )) جمعتُ عشرات الألفاظ العاميّة البصريّة حصراً المتعلّقة بالنّخلة من حين زراعة فسائلها إلى وقت جني تمورها وكبسها وتسويقها ، وما يلحق ذلك من صناعات شعبيّة اتّخذت من أجزاء النّخلة مادّة أوّليّة لتصنيعها ، مع مقدّمة تاريخيّة ولغويّة غطّت ربع صفحات الكتاب البالغ عددها ( 155 ) صفحة .
10. شهد العراق تغيّرات كبيرة بعد 2003 كيف أثّرت هذه التغيّرات على المشهد الثّقافيّ والأدبيّ من وجهة نظرك ؟
المشهد الثّقافيّ والأدبيّ في العراق بعد 2003 وإلى اليوم يعيش حالة من التّشظّي والالتباس والاشكاليّات وصراع القيم والاحتقان الطّائفيّ ، ككلّ مرافق الدّولة والمجتمع ، والدّليل على ذلك ، ما نراه ونقرأه ونسمعه يوميّاَ في قنوات الاتّصال الاجتماعيّ من شتائم وتسقيط وتهديد ووعيد بين من يدّعون الثّقافة لأتفه الأسباب ، ولكلّ ذلك تأثيراته السّلبية على المشهدين الثّقافيّ والأدبيّ ، هذا من جانب ؛ ومن جانب آخر فإنّ للانفتاح الكبير على العالم الخارجيّ بعض الايجابيّات لعلّ من أهمّها الاطّلاع على التجارب الأدبيّة الجديدة في السّرد والشعر كقصيدة الهايكو على سبيل المثال لا الحصر .
11. كيف ترى مستقبل الأدب في العراق في ظل التحدّيات الّتي تواجه المثقفين في الوقت الحالي ؟
إنّ السؤال عن مستقبل الأدب في بلد يحمل مثل عمق العراق التاريخيّ والحضاريّ ، يكون فيه الجواب دائمًا وأبداً إنّ هناك حراك إبداعيّ يبشّر بخير يحمل لواءه الشّباب الواعد ، وحراك الأدب في عراق اليوم يشهد نشاطاً فاعلاً ومثمراً .
كلمة أخيرة لجمهورك الأدبيّ
أقدّم لهم أطيب تحيّة مع باقة ورد ، وأرجو أن أوّفق لإكمال مشاريعي الكتابيّة الّتي ستنال رضاهم بإذنه تعالى ، وليكن شعارنا دائمًا وأبداً : (( خير النّاس مَن نفع النّاس )) .