حوار مع الناقد والمخرج المسرحي ( أحمد طه حاجو ) أجراه الصحفي داود الفريح
اجنادين نيوز / ANN
في عالم المسرح والنقد ، حيث تتلاقى الفنون مع الفكر ، يبرز الناقد والمخرج المسرحي العراقي ( أحمد طه حاجو ) بجهوده وإبداعاته التي تركت بصمته ، من البصرة ، المدينة التي تحتضن العديد من رموز الأدب والفن ، بدأ ( حاجو ) مسيرته التي جمع فيها بين النقد المسرحي والتأليف والإخراج والكتابة الصحفية ، حاز على العديد من الجوائز والتكريمات ، كما نشر أعمالًا نقدية وأدبية أثرت الوسط الثقافي .
في هذا الحوار ، سنحاول استكشاف رؤى ( أحمد طه حاجو ) حول قضايا المسرح العربي والتحديات التي يواجهها ، ونغوص في تجربته الأدبية والمسرحية ونناقش مشاريعه المستقبلية .
مرحبا بك
* بداية نود أن تخبرنا عن رحلتك في عالم المسرح والنقد الأدبي ، كيف كانت بدايتك وما الذي دفعك لاختيار هذا المجال؟
_ البداية كانت منذ سنين طوال ، اي منذ عمر الرابعة عشر ، اذ كان اخي الاكبر مني قارئاً نهماً لكتب علم النفس والفلسفة والروايات وعلم الاجتماع بالإضافة الى الكتب الادبية ، فكان يعطيني كتب متعددة ويطلب مني القراءة ، مثل كتب ( المنفلوطي ) وغيرها ، بالإضافة الى توفر كتب كثيره عندنا ورثناها من جدي ، وهي كتب أدبية ودينية ومختلف الاختصاصات ، ان تلك القراءات المستمرة والمتنوعة جعلتني اعشق القراءة ، لا سيما الادبية ، وشيئاً فشيء صرت اقرأ المجلات الثقافية بأكملها ، وبعدها دخلت كلية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية ، فرع الاخراج المسرحي ، ونلت شهادة الماجستير في هذا التخصص ، لأنني وجدت ان هذا التخصص استطيع من خلاله اقول ما اريد من خلال ككتابة النصوص واخراجها في الكلية ، فكتبت العديد من النصوص المسرحية وجميعها تناقش الواقع الاجتماعي والسياسي للعراق على وجع الخصوص ، كوننا ابناء بيئة نتأثر بما يحيط بها .
أما فيما يخص النقد ، فاني كما قلت باني قارئ وعند تناول اي منجز ادبي او مسرحي ، فاني احيله الى العناصر المكونة له وملاحظة مساراتها ، وبالتالي ستكون هناك مقارنة متجردة في كيفية مسار تلك العناصر داخر المنجز ، ومسارها الذي ينبغي ان تكون عليه ، وهنا افكك المنجز مستنداً الى المنهجية المعمول بها ، وانا افضل دائماً في كتاباتي النقد الاجتماعي كونه يرصد مساس المنجز من المجتمع .
*حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات في النقد المسرحي والتأليف ، كيف أثرت هذه الجوائز على مسارك الإبداعي ؟
_ الجوائز كما تعرف هي اداة تحفيز للمبدع على الاستمرار في الانجاز ، كما انها تضع المبدع بشتى التخصصات في حالة منافسة وتحفيز مستمر على العطاء وانجاز الجديد والمختلف ، وعادة ان الجديد لا اقصد به فقط من اجل الحصول على الجوائز ، بل من اجل مناقشة ما هو عميق من خلال التخصص .
*تعد مسرحية “متصنمون” إحدى أعمالك التي نالت جوائز مهمة ، حدثنا عن الفكرة التي بنيت عليها هذه المسرحية وكيف تفاعل الجمهور معها .
_ ان النص المسرحي ( متصنمون ) كتبته عام 2011 ، وشاركت بها بمهرجان النيل والفرات في مصر ونلت المركز الثاني ، وناقشت من خلال المرحلة الزمنية التي عشناها وما زلنا نعيشها ، حيث انتقدت المحسوبية في التعامل واليأس الذي يعاني منه خريجي الجامعات من الحصول على وظيفة تحفظ لهم كرامتهم ، وموت طموحهم ، والصدمة من تحقيق احلامهم الوردية ، فنص مسرحية ( متصنمون ) يركز على مستوى المجتمع العراقي الذي لا يعترض على الأخطاء ، بل انه يمجد بأي مسؤول ، ان هذا النص يعد نصاً تحريضياً ، لكن للأسف لم استطع اخراجه بسبب الانشاغالات ، لكن ان شاء الله سأعمل على اخراجه ان سنحت الفرصة .
* أنت ناقد مسرحي ، كيف ترى وضع النقد المسرحي العربي اليوم؟ وهل ترى أنه يقوم بدوره في دعم المسرح العربي؟
_ النقد المسرحي هو اداة رئيسية في تقويم العرض المسرحي ، أو النص المسرحي ، لان النقد هو استعراض المحاسن والمساوئ ، وهذا ما افعله في قراءاتي النقدي في العروض التي اكتب عنها او النصوص التي اقرأها ، لكن هناك من النقاّد من يجامل المخرج او ينحاز الى عرضاً معيناً ، لأسباب خاصة به او مصلحة ما ، وهذا لا يندرج الى النقد بشيء وان تم نشره بوسائل الاعلام المقروءة على انه نقد ، لأنه فاقد لعناصر النقد الرئيسية ، وهذا الظاهرة موجودة ليس في الوطن العربي فحسب ، بل في العراق ايضاً ، وكذلك هناك نقاداً عراقيين وعرب وهم اسماء مهمة يكتبون النقد المسرحي بحيادية تامة ، ويفككون العرض المسرحي او النص المسرحي بصورة دقيقة ويشيرون الى عناصر القوة والضعف ، وقراءاتهم النقدية تأخذ كعينات لمحتواها الفكري الهادف ، ولا اريد ان اذكر اسماء معينة ، لأني قد اغفل البعض منهم لانهم كثيرين .
*باعتبارك مخرجا ، ما هي التحديات التي تواجه المسرحيين في العراق والعالم العربي؟
وكيف تتعامل مع هذه التحديات ؟
_ التحدي الأهم الذي يواجه اي مخرج ، هو جهة الانتاج ، لان العرض المسرحي هو ( صناعة ) وفي بالعراق والبصرة على وجه الخصوص ، اضيف افتقار البصرة لاماكن للتمرين المسرحي وعمل البروفات ، فالعمل المسرحي يحتاج لجهات راعية لذلك ، الديكور والازياء والمكياج والاضاءة والإكسسوار وغيرها تحتاج الى جهة ممولة ، وفي الغالب يتحملها المخرج ، او يتعاون الكادر في توفير احتياجاتهم ، مما اثر سلباً على عدد العروض ومستواها الابداعي .
*باعتبارك رئيس تحرير مجلة البصرة الثقافية ، كيف تسهم في نشر الثقافة المسرحية والأدبية عبر هذه المجلة؟
_ أسست هذه المجلة مع مجموعة من الشباب والاساتذة وباختصاصات متعددة ، من اجل ان تكون نافذة ثقافية مفيدة للجميع بمحتواها النوعي ، والذي سيكون ان شاء الله مفيداً حتى للباحثين ، اذ تحتوي المجلة على ابواب ثابتة منها المسرح ، السينما ، الفن التشكيلي ، الموسيقى ، الصحة ، التاريخ ، الرياضة ، الشعر ، القصة ، أماكن ، والعديد من الابواب ، لتسهم في رفد ثقافة الفرد البصري بمعلومات متنوعة عن مبدعي البصرة والعالم العربي ايضاً .
*تحدث عن دور الصحافة الثقافية في العراق ، وهل ترى أنها تؤدي دورها في تسليط الضوء على الفعاليات الثقافية والأدبية؟
_ الصحافة الثقافية في العراق من اهم العناصر التي تعّضد النشاطات الثقافية وتسلط الضوء عليها ، وبالتالي تعمل على تطوير تلك النشاطات عبر خلق اهتمام من قبل الشارع على تلك النشاطات ، الا انني ارى بعض الجهات الاعلامية المأجورة والتي تروج للنشاطات وتمتدحها بصورة عمياء وان كانت ضعيفة ، وهنا تكون تلك الجهة قد ضللت الرأي العام ، وهي معروفة لدى المختصين في الوسط الثقافي ، لان المثقف الحقيقي لا تنطوي عليه الحيل الاعلامية ، وهناك قنوات تلفزيونية ووكالات اخبارية وصحف ومجلات مهنية ، وتعمل بحيادية ونقل الحقيقة دون مديح اعمى ، وهنا تكون قد ادت دورها بصورة مثالية .
*تشارك في العديد من اللجان الإعلامية لمهرجانات ثقافية مختلفة ، ما هو الدور الذي تلعبه في تغطية هذه الفعاليات؟
_ شاركت في العديد من المهرجانات في اللجان الاعلامية وكانت مهمتي العمل الصحفي كما تعلم في تحرير الاخبار والتقارير وهي منشورة عبر وكلات وصحف ومجلات ورقية ، ومن المهرجانات التي اعتز بها هي مهرجان المربد الشعري ، اذ اني عملت في لجانه الاعلامية لأكثر من دورة عدا الدورة الأخيرة دورة الشاعر ( أحمد مطر ) 35 ، وفي عام 2020 عملت في مهرجان الدمى والعرائس الدولي ، الذي اسسه البروفيسور سيف الدين الحمداني ، اذ كانت مهمتي عمل الفيديوهات الترويجية والتواصل مع الفنانين العراقيين والعرب والتي على اثرها سلط الضوء على هذا الحدث في فترة جائحة ( كورونا ) حيث السبات وتوقف الحياة ، ونلنا على اثرها جائزة التايمز العالمية المركز الأول .
*كيف أثرت الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق على أعمالك المسرحية ونقدك الأدبي؟
_ قد تطرقت سلفاً عن هذا الموضوع ، ان الواقع السياسي والاجتماعي هو المحرك الاساس لأي عمل اقوم به ، سواء كان نقداً ام نصاً مسرحياً ، او مقالاً ، او تقريراً … الخ . ان المعيار الذي اعمل عليه في كتابتي هو الاجتماعي ، فالنقد الاجتماعي اعتمده في قراءاتي النقدية الادبية او المسرحية ، ولي كتاب صدر مؤخراً بعنوان ( البعد الاجتماعي في النقد المسرحي المعاصر ) ، ان اي اخلل في المجتمع هو نابع عن تردي سياسي ، وبالتالي علينا ان نناقش الواقع السياسي في منجزتنا لنتحمل المسؤولية ونسهم في تصحيح المسار .
* لديك العديد من المؤلفات في النقد المسرحي ، برأيك ما الذي يميز كتاباتك النقدية ؟
وكيف تجد تفاعل الجمهور معها ؟
_ اصدرت كتاب الأول والذي حمل عنوان ( نبضات مسرحية ) ج1 ، وهو قراءات نقدية في نصوص وعروض وكتب مسرحية ، وايضاً نقد النقد ، وقد اعتبر مصدراً لأكثر من رسالة ماجستير واطروحة دكتوراه ، وقد اقتبس منه الباحثين ، وايضاً الكتاب الأخير ( البعد الاجتماعي في النقد المسرحي المعاصر ) ، اما كتاب الثاني المسرحي والذي حمل عنوان ( التحريض في العرض المسرحي المعاصر ) فهو الأقرب لي ، لأنه جسد رسالتي في الحياة والطريقة التي اروم ايصال رسالتي من خلالها ، فالتحريض لفعل الخير من اهم العناصر التي ينبغي ان يتحلى بها البشر ، فقد لا يتقبل الفرد النصيحة ، الا اننا نستطيع تحريضه على فعل الخير بطريقة غير مباشرة من خلال الإثارة والاقناع … الخ . ، وهذا ملخص الكتاب .
وأضيف على ذلك كتابي النقدي الثالث والذي حمل عنوان ( تجليات حرف ) وهو من اصدار اتحاد ادباء البصرة عام 2022 ، وهو نقد أدبي ، وايضاً اعتمد كمصدر لأكثر من بحث ترقية في اللغة العربية ولأكثر من قراءة نقدية .
*نرى أن لديك تجربة في التصوير الفوتوغرافي ، كيف يساهم هذا الفن في إثراء رؤيتك المسرحية والنقدية ؟
_ انا من هواة التصوير ، وعادةً الفنون تتداخل فيما بينها ، اذ ان العرض المسرحي استطيع ان اشبهه بصورة فوتوغرافية ، فالتكوين الجمالي ومراعاة اللون وتوزيع الكتل على الخشبة وفق رؤية معينة ورسالة معينة ، يتدخل فيها العنصر الجمالي الى حد كبير ، كي تسهم في جذب انتباه ودهشة المتلقي من خلال دقة عملية التنظيم ، والصورة الفوتوغرافية ومن خلال التحكّم في زاوية العدسة ، لا سيما في التصوير الحر ( الخارجي ) حيث يمكن ان نتحكم بخلفية الصور واختيار المكان المناسب لصنع صورة متوازنة جمالياً ، فهناك تقارب كبير بين الصورة الفوتوغرافية والصورة النهائية للعرض المسرحي من اجل خلق تكوين جمالي جاذب ، وبالتالي اي خلل في ترتيب الكتلة داخل الصورة او العرض المسرحي فأن النقد سيكون راصد من اجل تحقيق التوازن .
*ما هي رؤيتك حول دور المسرح في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي؟
_ المسرح له دور مباشر في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية … الخ . ان تحقق له مناخاً من الحرية ، وغالبية البلاد الدكتاتورية وان تسترت بشعارات الديمقراطية والحرية ، لا تولي المسرح اي حرية بل تضيق عليه السبل لأنه يعد منبراً للحرية والتحريض وتغيير الفكر والوعي ، والتاريخ مليء بقصص النجاح التي حققها المسرح وتغيير قوانين ، مما جعل المسرح عرضة للمضايقة من قبل الرقيب ، فولدت انواع من المسارح مثل مسرح المقهورين بأنواعه ومسرح الشارع وغيرها .
* هل هناك مشاريع أو أعمال جديدة تعمل عليها حاليا؟
وهل يمكنك اطلاعنا على تفاصيلها؟
_ لدي كتاب في النقد الأدبي يحمل عنوان ( البؤر السردية الواصفة ) حالياً اضع عليه اللمسات الاخيرة لإرساله للطبع ان شاء الله ، ولدي كتاب آخر يحمل عنوان ( لا وداع ) وهو مجموعة نصوص مسرحية ايضاً اعمل على اكماله .
*أخيرًا ، ما هي نصيحتك للشباب الذين يتطلعون لدخول هذا المجال؟
_ المجال الثقافي بصورة عامة يحتاج الى وعي ودراية بماهية التخصص الذي يرومون مزاولته ، وهذا يحتاج بحث دائم وسؤال وقراءة والاستماع للنصيحة ، وعدم تصديق المجاملات والاطراء ، والنصيحة الأهم هي الاستماع الى النقد البناء من قبل المختصين لأن رأي المختص هو الرأي السديد دوماً ، لأنه ناتج عن تجربة وخبرة .
*كلمة أخيرة لجمهورك الفني ؟
_ في البدء اشكرك استاذ ( داود الفريح ) على تلك الاسئلة النوعية والتي شملت مختلف تخصصاتي الثقافية ، والشكر لحرصك ولتأسيسك صفحة أخبار الأدباء ، المهتمة بما يتناوله الادباء وما يحتاجه الاديب بعموم العراق ، كما اتقدم بالشكر لقراء صفحة ( أخبار الأدباء ) وان شاء الله اكون عن حسن الظن دوماً واقدم ما يحترم ذائقة القارئ وما يهم الباحثين .