حوار مع الناقد جميل الشبيبي أجراه الصحفي داود الفريح

اجنادين نيوز / ANN

في حوار اليوم نستضيف الناقد جميل الشبيبي الذي يُعدّ من أبرز الأسماء النقدية التي أثرت في الأدب العراقي، ولد الشبيبي في البصرة عام 1942وبدأ مسيرته المهنية كمعلم إلى جانب كونه ناقدا تميز برؤية عميقة ومتجددة في تحليل السرد والشعر، كتب الشبيبي نقدا في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وصدرت له عدة مؤلفات نقدية تلقي الضوء على تطور الأدب العراقي منها :
1-“بناء مدينة الرؤيا في القصة العراقية القصيرة – محمد خضير نموذجا”
2-“جدل الهوية في الرواية العراقية الجديدة”
شارك في العديد من المؤتمرات والمهرجانات الأدبية وأسهم في نشاطات اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة .

خلال هذا الحوار سنقترب من مسيرته النقدية ورؤيته للتحولات الأدبية في العراق والعالم العربي.
مرحبا بك

1- حدثنا عن بداياتك في عالم النقد الأدبي كيف اكتشفت شغفك بالنقد وما الذي دفعك للتخصص فيه؟

ج 1

البداية كانت قراءات بدائية في الرواية العالمية المترجمة،اخص بذلك الروايات البوليسية: ارسين لوبين،ملتون توب،شرلوك هولمز، قصص اجاثا كريستي وكذلك سلسلة قصص المغامرات والحركة التي سميت ( طرزان)،كان ذلك متزامنا مع تقدمي في الدراسة المتوسطة،وخلالها التقيت بأصدقاء من المدينة،كانت حياتهم وطبائعم وحتى ملابسهم تختلف عما عرفته في محلتي، كان ذلك يدفعني الى تغيير نمط تعاملاتي حتى أكون لائقا وسطهم وهم ابناء الموظفين والبيوت المشيدة بالطابوق، وكانت وسيلتي الاولى التميز في الدراسة، وكذلك الانفتاح على عالم الكتب،بالاستفادة من المكتبة المدرسية،وكان اتجاهي ايضا الى الروايات العالمية، وفي مرحلة الدراسة الاعدادية وسعت استعاراتي من الكتب تجاه المكتبة العامة في البصرة،وكان امينها السيد محيي الدين الرفاعي احد المشجعين لي باقتناء الكتب،واذكر انه اكتفى بهويتي المدرسية للاستعارة الخارجية وكانت مشروطة بتأمين مبلغ من المال لا يمكن لي توفيره ..كانت المكتبة العامة نقلة نوعية في الوعي وفي تعرفي على عالم الرواية،وأهمية الكتاب في حياتي وحياة الآخرين.

2. عشتَ سنوات طويلة في مهنة التعليم في مناطق مختلفة، كيف أثرت تجربتك كمعلم على رؤيتك النقدية للأدب العراقي؟

ج 2

كانت مهنة التعليم مجالا للتعرف على طبيعة المجتمع الذي اعيش به،

لاني كنت منذ مرحلة الدراسة الإعدادية قد خطوت من مرحلة القراءة إلى مرحلة الالتزام الفكري والحزبي، وبهذا المعنى اتجهت قراءاتي إلى التأويل والتفسير الإيديولوجي،وكانت مرحلة زمنية عصيبة تميزت بالتحزب والصراع الذي كانت تحكمه نزاعات ومعارك، وقد اثر ذلك على مسيرتي الحياتية،لكنها- اقصد حياتي المهنية- مكنتني من القراءة المتنوعة الجادة في الفكر والادب ، والتامل بعمق ثم الانفتاح على عالم إنساني ثر بعيدا عن التحزب والتعصب الفكري!!صقل شخصيتي الأدبية: ناقدا يحترم نتاجات الآخرين ويتعامل معها بعناية وحرص شديدين.

3. كتابك الأول “بناء مدينة الرؤيا في القصة العراقية القصيرة” تناول محمد خضير كنموذج، ما الذي شدك إلى أعمال محمد خضير، وكيف ترى أثرها على الأدب العراقي؟

ج3

عرفت القاص محمد خضي كاتبا متميزا للقصة القصيرة، بقراءتي لقصته ( البطات البحرية) الفائزة بالجائزة الأولى في المسابقة التي أجرتها جريدة الجمهورية منتصف الستينيات، وكنت قد تعرفت على الروائي اسماعيل فهد اسماعيل ،الذي اشترك في المسابقة نفسها بقصة ( شعر) الحوارية التي كانت ضمن مجموعته الكرة والباص ولكنه حذفها من هذه المجموعة، كان اسماعيل قد اصدر مجموعته الأولى ( البقعة الداكنة)،وحين فاز القاص محمد خضير، كان اسماعيل قد قطع شوطا في تجريب أشكال جديدة في كتابة القصة،يمكن للقاريء ان يلاحظها في مجموعته ( الكرة والباص) التي صدرت في عام 2019 بعد رحيل الروائي،ومع ذلك قلت لإسماعيل ان هذا القاص سوف يحتل مكانة مرموقة في القصة القصيرة .

وحين قرأت مجموعته المتضامنة ( رؤيا خريف)، لاحظت انها تمثل تجديدا ملفتا للنظر في كتابة قصة تتخطى القصة الواقعية الى قصة( الرؤيا)، التي تستوعب حركة الواقع وتتخطاه الى آفاق فكرية ورؤيوية تنحو الى بناء مدينة رؤيوية على وفق مفاهيم العلم الحديث بالتضافر مع الافكار والرؤى المثالية المجسدة في المدن الفاضلة وكل مدن اليوتوبيا التي اسستها اقلام المبدعين في كل العصور.

لقد منحتني مجموعة ( رؤيا خريف) امكانية تجديد خطابي النقدي بنقلة نوعية من قراءة الواقع التسجيلي الى قراءة التقنيات المبتكرة الموظفة في هذه المجموعة لبناء مدينة الرؤيا والاشارة اليها بوصفها انجازا مبدعا.

4. خلال الثمانينيات والتسعينيات، كانت هناك ضغوط سياسية وثقافية، ما هي التحديات التي واجهتك ككاتب وناقد في تلك الفترة؟

ج4

كانت فترة عصيبة وقاسية على الإنسان العراقي وعلى المثقف بشكل خاص،فالحرب – كما وردت في خطاب السلطة الحاكمة – كانت خطا فاصلا بين الانتماء للوطن او الخيانة ، وهي معادلة تضع المواطن والمثقف المحايد، موضع الشك والمراقبة،اضافة الى ذلك فان علاقة الفرد بالسلطة كانت محكومة بهذا المبدا الذي يعطي ويمنع،وعلى وفق هذا المبدا كان الشاعر او القاص او الناقد،مقربا من وسائل الاعلام : الصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيون ،في حين توضع أمام غير المنتمين الكثير من معوقات عدم النشر،مما يضطر الأديب والكاتب إلى مجاملة السلطة او السكوت !!

كانت فترة عصيبة حقا ان تجد أقلاما ضعيفة ونكرات تتسيد على الساحة الثقافية لقدرتها على التلون والاحتيال!!ولكن تلك الحقبة الصعبة في حياة المواطن أنتجت خطابا قصصيا جديدا تمثل في قصة التسعينيات التي تخطت أساليب السلطة في تكميم الأفواه تجاه تقنيات وأساليب استطاعت أن تنمو في هذا الوضع الشائك وتشير إلى العسف وإدانته دون ان تقع تحت طائلة المراقبة والعقاب، وقد اتضح ذلك في قراءتي للمشهد التسعيني المنشور في كتابي ( نزعة الحداثة والتجريب في السرد العراقي القصير …)

5 . في رأيك ما الفارق الذي أحدثته الصحف والمجلات العربية في نشر النقد العراقي؟
وكيف تجد تأثير كتاباتك المنشورة في صحف مثل “القدس العربي” و”العرب اللندنية”

ج 5

ان نشر النقد العراقي في الصحف والمجلات العربية، اسهم بطريقة متواضعة في التعريف بالمنجز الابداعي العراقي من شعر وقصة ورواية وفنون تشكيلية ،خصوصا وان النتاج الابداعي العراقي،لم تتوفر له وسائل التوزيع والانتشار كما هو حال النتاجات العربية،فقد فرض على النتاج العراقي الحجر والتضييق ومنع تسويقه بقوانين وتعليمات قاسية مازالت قائمة،فكانت اسهامات النقد العراقي المتواضعة تعريفا بهذا النتاج،وتقيمه بوصفه انجازا يقف الى جانب النتاج العربي بمساواة ان لم نرفع رتبته بقدرته على التخطي بثيمه وتقنياته!!

اما تاثير كتاباتي المنشورة في الصحف العربية،فهو شان من شؤون القاريء.

6. قدمت أبحاثا عن السرد الروائي والشعر في منتديات أدبية متعددة، كيف ترى تأثير هذه المشاركات على مسيرتك النقدية؟

ج 6

سؤالك هذا يثير في نفسي الشجون!! فقد نذرت قلمي بالتبشير بالمنجز الابداعي العراقي والبصري منه بشكل خاص،ونشرت عنه أربعة كتب وعشرات المقالات في الصحف العربية والعراقية وبعض المجلات العربية والعراقية خلال فترة طويلة امتدت من منتصف الستينيات ولغاية اليوم،كما اني تبرعت بكتبي إلى عدد كبير من النقاد والأدباء، متوخيا تقيما أو إشارة مدح أو ذم من أي نوع،سواء من الذين كتبت عن نتاجاتهم وبينهم قامات!!او من غيرهم، الأمر الذي آلمني كثيرا، وهو الشعور نفسه الذي تملك زملائي النقاد،حتى وصل الأمر ببعضهم إلى العزوف وإهمال المنجز الأدبي العراقي والبصري بشكل خاص، وهي خسارة للأدب والأديب!!

الملاحظة الأخرى عن هذه العلاقة المرتبكة بين الأديب والناقد،يتعلق بوجهة نظر الأديب عن الناقد الذي يرى فيه قلما مبشرا بما يكتب،بالشكل الذي يجعله ( واجبا) دون ان يلاحظ ان النقد هو فعالية إنسانية مستقلة عن الأدب ومنبثقة منه في آن، ووظيفة النقد خطيرة حين تبشر بالجديد وتكشف معالمه واسبابها، والنقد في الوقت نفسه يبشر بالمبدعين ويمهد الطريق امامهم، وبدون النقد تبدو الحركة الادبية عرجاء.

لقد اسهم النقد العراقي في إدامة أسماؤكم والتبشير بها، أيها الأدباء!!

7- حدثنا عن كتابك “نزعة الحداثة والتجريب في السرد العراقي القصير” كيف ترى تطور السرد العراقي القصير منذ نشر هذا الكتاب حتى الآن؟

ج 7

حين أعود إلى هذا الكتاب،واقرأ صفحات منه، اشعر بالأسى والأسف بأهميته في توصيف التقنيات التي ابتكرها القاص العراقي وهو يحاول ان يعبر الحواجز والمعوقات التي تقف عثرة في طريقه، و يتملكني شعور بالغبن لان كتابي هذا قد تعرض إلى الإهمال والتهميش مع أهمية موضوعه!!ولم ينل ما يستحقه من قراءة جادة،خصوصا وهو يتعرض الى التجديد في بنية السارد في القصة القصيرة،وهي إشكالية لم يكتب عنها – وقت ظهور كتابي – سوى مقالات متفرقة أهمها كتاب الناقدة يمنى العيد (الراوي : الموقع والشكل) الذي تناولت فيه السارد في الرواية، وأفردت فصلا واحدا عن السارد في قصة رغوة الصابون للروائي ( الياس خوري )،

كان موضوع كتابي قراءة تطبيقية حرة في المنجز العراقي القصير، حاولت فيه تتبع نزعة التجريب والتجديد في بنية السارد في القصة القصيرة العراقية عبر نماذج من السرد القصير من مختلف الأجيال.،لان السارد، يعبر بشكل ما عن أفكاره ووجهة نظره عن الحياة….)

8. ما هو رأيك حول “الهوية” في الرواية العراقية الجديدة، وما الذي حاولت توضيحه في كتابك “جدل الهوية في الرواية العراقية الجديدة”؟

ج8

لقد كان التغيير في نيسان عام 2003عاصفا ،توفرت فيه للاديب فرصة ان يقول ما يريد دون رقابة ،وجاء كتابي ( جدل الهوية في الرواية العراقية الجديدة) للتحري عن نزعة التجديد والمغايرة في الرواية العراقية بعد التغيير (وصفتها بالرواية الجديدة) وهل استطاعت بعد مرور فترة طويلة نسبيا( كتابي صدر عام 2018) ان تكشف عن نزعة تحول اساسي في البنية السردية تزامنا مع التحولات في البينية الاجتماعية والسياسية من خلال قراءة تطبيقية على نماذج من الروايات التي صدرت بعد التغيير وعنه ،لقد كان الكتاب مكرسا للتحري عن قدرة الروائي العراقي على استثمار إشكالات الحياة الجديدة في العراق لصالح عالمه الروائي..

9. شاركت في مهرجانات عدة مثل مهرجان المربد الشعري وملتقى قصيدة النثر، ما أهمية هذه الفعاليات الأدبية في تعزيز المشهد الثقافي العراقي؟

ج 9

تمثل المهرجانات والملتقيات الثقافية منابر أدبية ضرورية في إدامة وتجديد الخطاب الأدبي،وهي منابر للقاء والتعارف بين أدباء الوطن الواحد والدول العربية الأخرى،لما في هذه اللقاءات من أهمية ومكانة في التعريف بمنجزات الآخر وتعريفه بالمنجز الوطني،بشرط إعدادها والعناية بها بوصفها منابر أدبية ثقافية وليست لإغراض أخرى تقيمها السلطات لإغراض خاصة،وتضع على قمة منابرها شخوصا لا علاقة لهم بالشأن الأدبي آو من الأدباء المنتفعين ماديا من هذه السلطات، فتصبح هذه المنابر الأدبية فضاء ولقاءات غير أدبية، وتصبح القصائد والمحاضرات والنقود فارغة من محتواها الأدبي!!

ان المسيرة الطويلة في إقامة هذه المهرجانات والملتقيات الأدبية في العراق،قد كشفت بعد انتهائها عن فضائح واتهامات طالت المسؤولين عن إقامتها، وكشفت العديد من التجاوزات على المخصصات المادية لهذه المهرجانات من قبل القائمين عليها،وهي نزعة تثير القرف والتقزز من القيمين عليها الذين ائتمنوا على مقدرات غيرهم فسرقوها وتلاعبوا بها في غير الموضع الذي وضعت له!!!

لذا تبدو هذه النشاطات غير مفيدة حاليا سوى للمسؤولين عنها أما الأدباء فلا شان لهم بها !!

ختاما
شكرا للقاص داود الفريح الذي اتاح لي فرصة الحديث عن ذاتي وانجازي الأدبي

زر الذهاب إلى الأعلى