دور الصين في تخفيف الديون عن العراق: تجربة الوزير الأسبق باقر جبر الزبيدي

اجنادين نيوز / ANN

أحمد محمد _عضو مجلس الادارة الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل.

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تسارعًا ملحوظًا في تراكم الديون نتيجة الأزمات الاقتصادية المتعددة وارتفاع الاحتياجات المالية للحكومات. وفي العراق، بعد سقوط النظام السابق، ارتفع العبء على المالية العامة بشكل كبير بسبب الحروب التي عانى منها البلد، بدءًا من الحرب مع إيران التي استنزفت موارد الدولة، مرورًا بأزمة الغزو الكويتي، وصولًا إلى الصراعات الداخلية التي عمقت الأزمة الاقتصادية.

هذا التراكم الهائل للديون أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية، مما انعكس سلبًا على عدة جوانب، مثل عدم الاستقرار المالي وتراجع مستويات الاستثمار. في هذا السياق، برزت الصين كداعم رئيسي للعراق بعد عام 2003، حيث وافقت عام ٢٠٠٧ على مبادرة لتخفيف 80% من الديون المستحقة والتي بلغت 8.5 مليار دولار، مما ساعد الاقتصاد العراقي في تجاوز أزماته المالية ويعكس التزام الصين بدعم الشراكة الاستراتيجية مع العراق في مرحلة حساسة.
لقد لعب وزير المالية السابق باقر جبر الزبيدي دورًا محوريًا في تعزيز التعاون بين العراق والصين، عبر التفاوض على تسهيلات تخفيف الديون. ففي يونيو 2007، وقع الزبيدي مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات بين البلدين .
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن تخفيف ديون العراق يعد جزءًا من التزام الصين بمساعدة الدول المتضررة من النزاعات على التعافي الاقتصادي. وأشار إلى أن هذا الإجراء يعكس رغبة الصين في تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون مع العراق ضمن مساعي إقليمية أوسع تهدف إلى تحقيق السلام والتنمية في الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، أعلنت الحكومة الصينية أنها ستقدم مساعدات مجانية بقيمة 50 مليون يوان للعراق هذا العام لتوفير الإمدادات في مجالات الصحة والتعليم وغيرها.
وفي سياق تعزيز العلاقات، اعتبر الرئيس هاوجينتاو أن زيارة الرئيس جلال طالباني وباقر جبر الزبيدي إلى الصين تعبر عن حرص العراق على تعزيز العلاقات بين البلدين. وقد طلب الزبيدي من الحكومة الصينية تسهيل منح تأشيرات دخول للتجار ورجال الأعمال العراقيين عبر فتح قنصليات في البصرة وأربيل.
كانت الصين من أوائل الدول التي دخلت العمل في الحقول النفطية العراقية في أغسطس 2008، وذلك بفضل التسهيلات التي قدمها الزبيدي لزيادة الشراكة الاقتصادية.
في لقاء جمعنا اليوم مع السيد باقر جبر الزبيدي، سرد لنا تفاصيل جهوده في إسقاط الديون الصينية عن العراق. حينما كان وزيرًا للمالية، تلقى الزبيدي اتصالاً من رئيس الجمهورية جلال طالباني، الذي أصر على لقائه بشكل عاجل. خلال اللقاء، أبلغه طالباني عن زيارته المرتقبة إلى الصين وطلب منه الانضمام إلى الوفد العراقي. وضع الزبيدي شرطًا لقبول الدعوة، وهو ترتيب لقاء مباشر مع الرئيس الصيني هو جينتاو لمناقشة إسقاط ديون العراق.
في بكين، وعلى هامش القمة العراقية-الصينية، ذكر الزبيدي الرئيس طالباني بوعده، الذي تحدث بدوره مع الرئيس الصيني لترتيب اللقاء. ومع اقتراب اللحظة، انتابني قلق من أن الرئيس قد ينسى عهده لي، قرر الزبيدي التقدم لتأكيد مطلبه، وعلى الرغم من محاولة الحرس منعه، امتنع وحين اقتربت منه ، ابتسم الرئيس طالباني وقدمني إلى الرئيس الصيني، مشيرًا إليه بأنني وزير المالية وأرغب في الحديث معه حول الطلب.

أوجزت للرئيس هو جينتاو موقف الديون المستحقة على العراق، ورد علي قائلًا: “وما هو المطلوب؟”. فقلت له: “أريد توجيهًا من سيادتكم لوزير ماليتكم للبدء بمباحثات إطفاء الدين”. خلال الحوار، طلب الزبيدي من الرئيس الصيني توجيه وزير ماليته لبدء المباحثات، موضحًا أن نجاحها سيساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين. استجاب الرئيس الصيني ووجه وزير ماليته لعقد لقاء في اليوم التالي. وبعد ثلاثة أيام من المفاوضات الشاقة، وافقت الصين على إسقاط ديونها.
علق الرئيس طالباني على ذلك قائلاً جملته الشهيرة التي أصبحت رمزًا في السياسة العراقية: “الزبيدي هو أكبر ‘مجدي’ للشعب العراقي.”

ختامًا:

تُعتبر تجربة باقر جبر الزبيدي في تخفيف الديون الصينية عن العراق نموذجًا للتعاون المثمر بين العراق والصين. تعكس هذه التجربة الجهود الحثيثة لتعزيز العلاقات الثنائية، مما يسهم في استقرار الاقتصاد العراقي ويعزز من قدرته على تجاوز الأزمات. إن الدعم الذي قدمته الصين للعراق يعكس التزامها بمساعدة الدول في مرحلة التعافي الاقتصادي، كما يُظهر أهمية الشراكات الاستراتيجية في تحقيق التنمية المستدامة. تظل هذه القصة تذكيرًا بأهمية العمل الدبلوماسي والاقتصادي في تحقيق الأهداف الوطنية، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين العراق والدول الصديقة في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى