السودان أول بلد في إقليم شرق المتوسط يطلق أحد اللقاحات الجديدة المضادة للملاريا

اجنادين نيوز / ANN

القاهرة أمل محمد أمين

ألقت الدكتورة حنان حسن بلخي، مديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، في الإحاطة الصحفية الإقليمية بشأن حالات الطوارئ الضوء على الوضع الصحي في البلدان التي تعاني من النزاعات في منطقة الشرق الأوسط ووصفت الوضع بالكارثي، وقالت
“اشتد الصراع الذي كنا نخشى أن يتصاعد، وهو ما أدى إلى تدهور كارثي في الشرق الأوسط، لا سيما في الأرض الفلسطينية المحتلة ولبنان.
وقد حذرت لجنة مراجعة المجاعة من حدوث مجاعة وشيكة في شمال غزة، ووصف 15 قائدا لوكالات الأمم المتحدة الوضع في شمال غزة بأنه “كارثي”. ومع ذلك، وللأسف، لم يتغير شيء، بل ربما انزلق الوضع إلى الأسوأ.

ونحن نعمل بلا كلل، وسط هذا العنف المستمر، من أجل الحفاظ على تشغيل المستشفيات وإجلاء المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية متخصصة. وفي أكبر عملية إجلاء طبي منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يسرت المنظمة وشركاؤها نقل 90 مريضا و139 مرافقا إلى الإمارات العربية المتحدة ورومانيا. ومن بين هؤلاء، نقل إلى دولة الإمارات 84 مريضا ومعهم 124 مرافقا.

وقد دأبت منظمة الصحة العالمية على الدعوة إلى الإجلاء الطبي طوال هذه الأشهر التي استمرت خلالها الأعمال العدائية. ورغم أن كل عملية إجلاء آمن لمريض واحد تعتبر إنجازا، من المهم أيضا أن نتذكر أن الإجلاء يعني عبور المرضى ومرافقيهم للحدود، متخلين عما تبقى من منازلهم ومجتمعاتهم المحلية، وتاركين وراءهم عائلاتهم وأصدقاءهم محاصرين في الحرب، وهم أحباؤهم الذين قد لا يرونهم مجددا.

ولا يمكن وصف الصدمات والأعباء النفسية الناجمة عن هذا الصراع.

وفي الأسابيع الثلاثة الماضية، أكملت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها سبع بعثات إلى شمال غزة، منها خمس بعثات إلى مستشفى كمال عدوان، وكان من المقرر إيفاد عدة بعثات أخرى، ولكن تعذر تنفيذها. وخلال هذه البعثات، قدمت فرقنا الإمدادات الطبية والجراحية الأساسية لكي تتمكن المستشفيات من مواصلة عملها. وفي إحدى هذه البعثات، استمر القصف العنيف على مقربة من فرقنا أثناء تقديم المساعدات.

ولا يوجد حقا مكان آمن في غزة.

وفي إنجاز هائل، استكملت الأسبوع الماضي الجولة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة، حيث تلقى الجرعة الثانية من اللقاح أكثر من خمسمائة ألف طفل دون سن 10 سنوات. ونجحت الحملة رغم ما واجهته من صعاب لا يمكن تصورها، إذ تم تقليص نطاق الهدنات الإنسانية المخطط لها بدرجة كبيرة. وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على الشجاعة الهائلة التي تحلت بها فرق التطعيم ضد شلل الأطفال، والآباء، والقائمون على الرعاية، الذين سعوا جميعا إلى الحفاظ على صحة الأطفال والتمسك بالأمل في المستقبل في ظل ظروف تبعث على اليأس.

ولا يمكن الحديث عن غزة دون التنويه بالدور المحوري للأونروا في تقديم الخدمات الضرورية. وكما أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الأونروا لا بديل لها. وأود أن أغتنم هذه الفرصة للإشادة بتفاني موظفي الأونروا – العاملين الصحيين والإنسانيين الذين يعملون دون كلل من أجل مجتمعاتهم في ظل ظروف لا يمكن تصورها. ولن نستطيع نحن والشركاء الآخرون في المجال الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة أن نؤدي عملنا بدونهم.

وفيما يتعلق بالوضع في لبنان، فهو يبعث على الأسى بالقدر نفسه، حيث تتعرض المرافق الصحية لهجمات شرسة. ومنذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، تحققت منظمة الصحة العالمية من وقوع 103 هجمات على مرافق الرعاية الصحية.

وحتى اليوم، توقف 17 مستشفى في لبنان عن العمل أو يعمل جزئيا بسبب انعدام الأمن أو الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية. وفي المناطق التي تحتدم فيها الأعمال العدائية، اضطر ما يقدر بنحو 127 – أي 60% تقريبا – من مراكز ومستوصفات الرعاية الصحية الأساسية إلى الإغلاق.

وهذا التعطيل النظامي للرعاية الصحية يدل على اتجاه مثير للقلق بصورة متزايدة يؤثر على حاضر ومستقبل فئات سكانية بأكملها ويشكل انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي.

ولا يمكننا أن نسمح بأن يكون هذا هو الوضع الطبيعي الجديد.

وفي إطار الاستعداد للعبء الكبير من الإصابات الرضحية، تلقى أكثر من 5500 عامل صحي في أكثر من 112 مستشفى في لبنان تدريبا متقدما على التدبير العلاجي للإصابات الجماعية وتقديم الإسعافات الأولية في مجال الصحة النفسية. وسلمت منظمة الصحة العالمية 124 طنا متريا من الإمدادات الطبية، ويشمل ذلك مخزونا من إمدادات بنوك الدم ومستلزمات علاج الرضوح يكفي 45 مستشفى ذا أولوية لمدة ثلاثة أشهر.

**

والآن، أود أن أتناول الوضع في السودان. إن حقيقة أن نصف مواطني السودان – أي حوالي 25 مليون شخص – يحتاجون إلى مساعدات إنسانية لهي حقيقة مروعة. ففي أرض السودان التي تعد جنة زراعية، يعاني الناس من أكبر أزمة جوع في العالم. وتعد الكارثة الإنسانية في السودان مفجعة بصورة تفوق الوصف.

ويساورني القلق بوجه خاص إزاء الوضع في ولاية الجزيرة، التي سرعان ما تدهورت أحوالها بفعل القتال العنيف خلال الأسابيع الأخيرة، واشتد بأهلها الجوع، وتعرضت مرافقها الصحية للهجمات، ووردت تقارير عن الاغتصاب والقتل بصورة جماعية وقد تعرضت جميع المرافق الصحية في شرق الجزيرة للهجوم، ومن بين القتلى الكثيرين قتلت الطبيبة الوحيدة في المنطقة ومهندس طبي بيولوجي يدعم مركز غسيل الكلى. وتوفر الإمدادات الطبية وسيارات الإسعاف المقدمة من منظمة الصحة العالمية الدعم الفوري المطلوب، لا سيما فيما يتعلق برعاية المصابين بالرضوح وإجراء العمليات الجراحية الطارئة للضحايا، فضلا عن ترصد فاشيات الأمراض والتصدي لها.

ونحن نعمل أيضا عن كثب مع الشركاء لرصد فاشية الكوليرا واحتوائها في السودان، ونقدم الدعم لنشر ملايين اللقاحات الفموية المضادة للكوليرا في مختلف الولايات، وقد أنشأنا 12 وحدة لعلاج الكوليرا و48 مركزا لتعويض السوائل عن طريق الفم، بالإضافة إلى التبرع بالإمدادات العلاجية العاجلة لوزارة الصحة والشركاء الذين يشرفون على مراكز العلاج الأخرى، على سبيل المثال منظمة أطباء بلا حدود.

وبالرغم من التحديات الهائلة التي تواجه السودان اليوم، يسرني أن أعلن أن السودان أصبح أول بلد في إقليم شرق المتوسط يطلق أحد اللقاحات الجديدة المضادة للملاريا، وهي خطوة أساسية لمكافحة أحد أشد الأمراض فتكا بالأطفال في العالم، فهو السبب في وفاة ما يقرب من نصف مليون طفل دون سن الخامسة سنويا في أفريقيا.

وقد أدى فتح معبر أدري بين تشاد ودارفور إلى تيسير تدفق الإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى دارفور، حيث لا تزال الاحتياجات هائلة بسبب استمرار النزاع والجوع والمرض. ويساورنا قلق بالغ إزاء الخطط الرامية إلى إغلاق معبر أدري، فهو شريان حياة لمئات الآلاف من المحاصرين في دارفور. ونحث السلطات السودانية على إعادة النظر في هذا القرار من أجل الأشخاص الذين تحملوا فعلا معاناة لا يمكن تصورها.

وفي سياق الحديث عن البلدان التي تعاني من أزمات خطيرة، دعونا نتذكر تلك البلدان التي غالبا ما تذهب أزماتها طي النسيان. فخلال زيارتي الأخيرة إلى الصومال وجيبوتي، شاهدت بنفسي التحديات الهائلة التي يواجهها السكان المهمشون غالبا في هذين البلدان وقدرتهم على الصمود.

وفي الصومال، رأيت بلدا على مفترق طرق. فهذا البلد يعاني من آثار عقود من النزاعات، وتزيد الأحوال الجوية القاسية وفاشيات الأمراض من سوء الوضع، ومع ذلك هناك التزام قوي بالتغيير. وتعاني البنية الأساسية الصحية من الدمار، حيث يفتقر أكثر من 40% من الصوماليين إلى فرص الحصول على الخدمات الأساسية. وعندما علمت بأن هناك أطفالا لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاح، وعندما زرت المستشفيات التي تكافح من أجل خدمة الأمهات والمواليد، اتضحت لدي الثغرات التي يجب أن نعالجها معا.

وأشعر بالامتنان على وجه الخصوص لمساعي الحكومة الرامية إلى القضاء على شلل الأطفال وتعزيز الخدمات الصحية من خلال خطة التحول الوطنية، وهي رؤية تتماشى بشكل وثيق مع الأولويات الإقليمية للمنظمة لبناء قوى عاملة صحية ماهرة، وتحسين إتاحة الأدوية الأساسية، وتعزيز البنية الأساسية الصحية. وهذا العمل معقد، ومرهق في بعض الأحيان، ولكن مع الدعم المستمر من شركائنا، أعتقد أننا نستطيع إحراز تقدم دائم.

وتخطو جيبوتي أيضا خطوات كبيرة على الرغم من الصعاب. فقد استلهمت من التزام الحكومة بتحقيق التغطية الصحية الشاملة، حتى وهي تعاني من الضغوط الناجمة عن تغير المناخ والهجرة التي تفرض أعباء كبيرة على الخدمات الصحية.

وتواجه جيبوتي تحديات فريدة في مجال الصحة العامة بسبب موقعها الاستراتيجي باعتبارها نقطة عبور رئيسية. وقد زرت مراكز المهاجرين التي يوفر فيها الموظفون المتخصصون خدمات الرعاية الصحية للمهاجرين والمجتمعات المحلية على حد سواء، في كثير من الأحيان في ظروف صعبة للغاية. ومع تزايد انتشار الأمراض غير السارية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، تعمل جيبوتي على تعزيز الرعاية الأولية، وأعجبت بسعيها نحو بناء نظام صحي يخدم الجميع. وستدعم منظمة الصحة العالمية هذه الرحلة، لا سيما من خلال معالجة الثغرات المتعلقة بالقوى العاملة والدعوة إلى توفير تمويل صحي مستدام لمساعدة جيبوتي على تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.

وبعد مقابلة القادة والعاملين الصحيين والشركاء في مجال العمل الإنساني في كلا البلدين، أنهيت زيارتي لكلا البلدين وأنا عاقدة العزم على العمل. وربما يواجه الصومال وجيبوتي تحديات مختلفة، ولكن قدرة شعبيهما على الصمود متشابهة بصورة ملفتة. وأنا ملتزمة بتسليط الضوء على احتياجات هذين الشعبين والدعوة باستمرار إلى دعمهما. فمنظمة الصحة العالمية تقف إلى جانب شعبي الصومال وجيبوتي، وجميع المتضررين من الأزمات التي يبدو أن العالم قد نسيها. وعلى الرغم من التحديات، نحن نسعى إلى تقريب الخدمات الصحية إلى من يحتاجون إليها، ونبني نظما قادرة على الصمود، ونسعى إلى ضمان حصول كل شخص على فرصة التمتع بمستقبل أوفر صحة. وأحث المجتمع الدولي على الانضمام إلينا في مهمتنا.

وقبل أن أختتم كلمتي، أود أن أؤكد من جديد على الدعوات الرئيسية التي تناشد بها منظمة الصحة العالمية بشأن إقليم شرق المتوسط:

نوجه نداء عاجلا إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في الأرض الفلسطينية المحتلة ولبنان والسودان، وضمان إيصال المساعدات المنقذة للحياة دون عوائق.

ونطالب بحماية المدنيين والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الصحية في جميع الأوقات، في جميع البلدان التي تواجه حالات طوارئ إنسانية وصحية.

وندعو العالم أن يتذكر كل مجتمع في حاجة للمساعدة – من أفغانستان إلى سوريا واليمن وفلسطين والصومال والسودان – وأن يقف إلى جانبنا في مهمتنا الإنسانية لخدمتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى