الشاعر حسن هاني في ضيافة اجنادين
اجنادين نيوز / ANN
أجراه الصحفي: داود الفريح
الشعر هو مرآة الروح التي تعكس أعمق مشاعر الإنسان وأصدق لحظاته ومن بين الأسماء المبدعة يبرز اسم الشاعر البصري حسن هاني، الذي تنساب كلماته كالأنهار في جنوب العراق، حيث البصرة الحبيبة
من خلال رحلته الأدبية الغنية التي امتدت على مدار سنوات، ترك بصماته المميزة في عالم الشعر بفضل أعماله التي تأرجحت بين الحب، الحزن، والحنين للوطن .
حصل حسن هاني على العديد من الجوائز المرموقة وشارك في العديد من المهرجانات الثقافية، كما ساهم في تأسيس نادي الشعر في البصرة .
في هذا الحوار الصحفي، نحاول أن نغوص في عوالمه الشعرية ونقترب من رؤاه وأفكاره التي صاغت مسيرته الأدبية المميزة .
مرحبا بك
1. بداية أستاذ حسن كيف بدأت رحلتك مع الشعر؟
وهل تذكر أول قصيدة كتبتها؟
– كانت البداية في المرحلة الابتدائية ولا أبالغ في هذا الأمر لأنّ المسألة ارتبطت بعد قراءة قصائد (المحفوظات) في كتب المنهاج ومن وقتها كنت أقف في ساحة المدرسة وأشارك في إلقاء الكلمات والمسابقات المدرسية مما أضاف إليّ حبّ الظهور والمشاركة الأمر الذي أشعرني بالانتماء إلى هذا العالم وكأني أعرفه منذ زمن ..
اضافة إلى تشجيع ومساندة الأهل وأول قصيدة كتبتها كانت قصيدة هزلية تناولتُ فيها أصحاب الأوزان الثقيلة وكان عنوانها (الدببة)
2. قصائدك مليئة بالعاطفة والحنين، كيف تؤثر بيئة البصرة وتراثها الثقافي في تشكيل رؤيتك الشعرية؟
– من قصيدة لي أقول فيها
(البصرةُ وأنا .. ماءٌ وعشبٌ لن تقوم بدونهما حرب) لذلك تجد البصرة تؤثر في أبنائها وفي شعرائها .. ومنذ صغر سني فأنا أحد الذين عاشوا في فترات الحروب ومعاناة الحصار وفقد الأحبة والحرمان والفقر وأمور عديدة غيرها .. فكيف لهذه البيئة لا تؤثر في شعرائها وأنا أبسط المتواجدين بينهم ؟ لذلك أرى إنّ البصرة رقم صعب التجاوز وثقافتها تعادل إن لم تتجاوز بلدانا في ثقافتها وحضورها المنفرد الذي يشار إليه بالبنان واللسان بكلمات الابداع .
3. ديوانك “ذهول” الذي صدر ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية كيف كان شعورك وأنت تكتب في هذا المشروع؟
– ذهول فرحتي الأولى وقلقي ليس الأخير لأنّه وضعني بالطريق الصحيح والصعب للخوض في تجربة (قصيدة النثر الحديثة) وكان شرفاً كبيراً لي بالمشاركة في هذا المشروع الثقافي العربي إلّا انه لم يأخذ حقه النقدي الكافي من قبل النقاد البصريين وغير البصريين بل حتى من تناوله لم يسبر في تفكيك شفراته والمواضيع التي أشار إليها الديوان رغم تطرقه لأمور مجتمعية عديدة.
4. كونك عضوا في عدة جمعيات أدبية عربية، كيف ترى أثر التعاون الأدبي بين الدول العربية على تطور الشعر؟
– لا أبالغ ولا أردد كالببغاوات إذا قلت لك إنّ ما يجري بين النقابات والاتحادات الأدبية العربية قائم على مبدأ العلاقات وتبادل المنافع الشخصية ولا يراعي مسألة اسمها الابداع إلّا ما ندر .. إضافة إلى تعامل بعضها الذي لا يخلو من نبرة طائفية وعرقية وحتى مناطقية وهذا الأمر لمسته شخصيا في أكثر من مناسبة وهذا لا يصب في مصلحة الشِعر مع شديد الأسف .
5. حصلت على جوائز عديدة في الشعر والنص المسرحي، أي من هذه الجوائز كان لها أثر خاص على مسيرتك الأدبية؟
ولماذا؟
– رغم حصولي على جوائز أدبية عديدة إلّا أني أجدُ نفسي مغبونا في جوائز أخرى وأحبُّ جائزة إلى نفسي جائزة الأمل للنص المسرحي الذي حصلت فيه على المركز الثاني عام 2011 لأنها ألهمتني بكتابة أعمال أخرى في المسرح وكنت أتمنى أن تتجسد هذه المسرحية على خشبة المسرح إلّا أني اصطدمت بواقع أدب العلاقات والتحزب الثقافي إن تطابق المسمى ولم ينجز المشروع حتى اللحظة .
6. لديك تجربة في كتابة النصوص المسرحية، كيف يختلف الإلهام في كتابة المسرح عن كتابة الشعر؟
– الكتابة ألم وحلم وتعايش مع النص إضافة إلى نقل الواقع المجتمعي إلى نصوص أدبية والكتابة في المسرح لا تختلف عن الكتابة في النص الشِعري إلّا في نقطة واحدة برأيي تكمن في ان المسرحية تكون مهيأة الأحداث من فصول ومشاهد قبل الكتابة في ذهن الكاتب عكس القصيدة التي لا يمكن التنبؤ بتركيبها وترتيبها ويقع كلاهما تحت تأثير الكتابة الصعبة والمقلقة في بعض الأحيان .
7. ديوانك الأخير “ما تحمله الرياح.. تفضحه العاصفة” يحمل عنوانا عميقا ما الفكرة التي أردت إيصالها من خلال هذا العمل؟
– تناولت في هذا الديوان المسائل والمشاكل الاجتماعية اضافة إلى أمور وطنية مسكوت عنها ولا أقول إنّ أحداً لم يتطرق إليها ولكني تناولت أموراً أكثر جرأة وغموضا وضبابية في مجتمعنا وعديد منها حدثت وتحدث كل يوم في مدننا وأحيائنا الشعبية وللأسف لم ينتبه إليه النقاد وتكاسل تجاهه عديدون .
8. كيف ترى حال الشعر العربي اليوم؟
وهل تعتقد أن قصيدة النثر وجدت مكانها الطبيعي في الساحة الأدبية؟
– حال الشِعر العربي اليوم يمر بمرحلة من الانتعاش التنظيمي من جانب وقلة الجمهور المتذوق له من جانب آخر .. كما انه أصبح مسألة تكسب لعدد من الشعراء وهذا الأمر حسّن من معيشة بعضهم بشكل ملموس .. أمّا قصيدة النثر فقد أصبح لها موطئ قدم وأثر كبيرين في الساحة الأدبية ولها روّادها وكتابها الذين يكتبونها بشكل حقيقي يشعرك بقيمة النص وموسيقاه الداخلية .. ورغم كلّ هذا يوجد دخلاء لا ينتمون إليها أبداً .
9. شاركت في مهرجانات مثل مهرجان المربد وملتقى السياب، كيف ترى تأثير هذه الملتقيات على المشهد الثقافي العراقي؟
– هذه المهرجانات أضعها على كفتين : كفة الميزانية الضخمة المخصصة لها وكفة التأثير الثقافي الذي لا يتعدى حدود القاعات التي تقام ضمن حدودها وتبقى في ظاهرها ليست أكثر من لقاءات خاصة وتواصل بين الأصدقاء وهذا الأمر لمسناه بشدة في البصرة وغيرها وكأنّ التأثير أشبه بهالة تحيط منطقة محددة لا أكثر .
10. باعتبارك أحد المؤسسين لنادي الشعر في البصرة، ما الدافع وراء هذه المبادرة؟
وكيف تقيم تأثيرها على شعراء المدينة؟
– كان الدافع من وراء هذه المبادرة زيادة الفعاليات الثقافية داخل المدينة تحت خيمة اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة وتعتبر وجهاً آخر للحراك الثقافي ودعماً لأنشطة الاتحاد وكان تأثيرها كبيراً تعدى في حدوده إلى تغطية أحداث خارج البصرة وكتب عنه نقاد وشعراء ومعنيون بالحركة الثقافية جعلنا نشعر بقيمة العمل والانجاز الجماعي في حينها .
11. ما هو دور الشاعر في العراق اليوم وسط التحديات السياسية والاجتماعية؟
– بصراحة لا أجد دوراً حقيقياً وملموساً للشاعر العراقي وسط ما يجري من أحداث وتحديات على المستويين السياسي والاجتماعي والسبب يعود إلى نقطتين :
الأولى : ابتعاد المجتمع عن مواكبة الحركات الشعرية الحديثة وما يريده الشِعر من المجتمع .
والثانية : ابتعاد عديد من الشعراء عن قضايا المجتمع وكأنهم يعيشون في عالم آخر لا يمت إلى الواقع بصلة مما أدى إلى كبر حجم الفوهة بينهما
12. ما هي المشاريع الأدبية القادمة التي تعمل عليها حاليًا؟
– أعمل على اكمال ديوان شعري جديد آمل أن ير النور في العام القادم بإذن الله وأفكر كثيراً في الدخول إلى عالم الدراما وهو أمر أراه قريبا من عالم كتابة المسرح ومن الله التوفيق .
13. كيف كان تفاعلك مع جمهورك عبر الصحف والمجلات والمواقع الثقافية؟
وهل ترى أن الإنترنت أضاف بُعدا جديدا للشعر؟
– التفاعل لا يلبي طموحاتي كشاعر والانترنت أضاف إليّ أموراً عديدة واختصر المسافات ولكني أعاني من مشكلة أواجهها مع عديد من الصحف والمجلات المحلية بشكل خاص لأنها لا تنشر بعض النصوص التي أرسلها إليها دون ذكر أسباب مقنعة .
14. أخيرا،
ما النصيحة التي توجهها للشباب الذين يرغبون في دخول عالم الشعر؟
– أنصحهم بالقراءة والاطلاع على تجارب الذين سبقوهم في هذا المجال والقراءة يجب أن تركز على الجانب اللغوي لأنها تسهم بشكل كبير في تطوير امكانياتهم .
قصيدة من اختيارك
( أوراقٌ على أسلاكٍ شائكة )
هذي البلاد ..
أحدوثةٌ ورصاصةٌ
تتقمّصُ الموتى فينبجسُ السّحابْ
وحكايةٌ هوجاءُ في ثغر الحِرابْ
ووشايةٌ تغفو على مُرِّ الحقيقةِ والسّرابْ ..
كخيالِ امرأةٍ غَرورْ
راحت تُضمّدُ بالعناد وبالهزيمةْ ..
فقد ابتسامات الحياةْ !
هذي البلاد ..
أنشودةٌ ومدامعُ
هُتِكت بها أممٌ وفي جلبابها وجهُ الخرابْ ..
وعَلَتْ على كلّ البيوتِ قصائدٌ
ترثي بأحرفها وجوه الأمنيات !
وسجالُ ثغرٍ لا يبوحْ
ونواحُ أمٍّ في العراءْ ..
وبكاءُ طفلٍ لا يُميِّزُ شهقة المعنى على مرّ العذابْ
ضجّت بمضجعهِ رصاصاتُ الغزاة
وغفى على لحنٍ تحدّر من وريد
في لحظة الصّمت المميتْ
روّى سريراً من فتاةْ !
هذي البلاد ..
أضحوكةٌ وقساوةٌ
تُبنى بأسهمها تقاسيمُ الوجوه ..
ومزاحُ أمنيةٍ تطوفُ على طريقْ
ضاقتْ بأذرعها تفاصيلُ الحياة
لم تدّعي كذباً دعاء الأمّهات ..
أو ترتدي زيّ الوشاة ..
وخَطَتْ على درب التبصّرِ للمحبةِ والسّلامْ ..
هي ذي أماني المتعبين
هي ذي قلوبٌ تحملُ الاصرار في درب السنين
وتطوفُ دهراً وهي في طور انتظار
ببزوغ شمسٍ تمحو آلام الظلام
لتنير ما ضاعت به مدنٌ فكان الانقسام
ويعود صبحٌ من جديد
هذي البلاد ..
حريّةٌ وحناجرُ
وتصيحُ بالمعنى الصريحِ أنْ ارحلوا ..
لا لن يطول بقاؤكم
لا لن يدوم عنادكم
وصراخُ أمٍّ شيّعتْ أبناءها ..
بكت السّماءُ عليهمُ
فتقطعتْ أهدابها !
وهُمُ هنا
جثثٌ تطوفُ على امتداد فضائها
وهُمُ هنا
ركبوا رياح الحبّ صوبَ بلادهم
فتلقفتهم بالصدور رصاصُها
ومضوا بلا ذنبٍ لأنّ ذنوبهم
عشقوا البلاد ..
عشقوا البلاد ..