الكرم البصري : بين الهوية الثقافية والتحديات الاقتصادية
اجنادين نيوز / ANN
بقلم/عامر جاسم العيداني
يعد الكرم في الثقافة العربية والإسلامية من القيم الأصيلة التي يفخر بها العرب عمومًا وأهل البصرة خصوصًا ،
حيث يتميز أهل البصرة بكرمهم المفرط خاصة عند استقبال الضيوف أو أثناء المناسبات الكبرى مثل الفعاليات الرياضية أو الاحتفالات. ولكن هذا الكرم رغم قيمته الأخلاقية العالية قد يثير تساؤلات حول تأثيراته الاقتصادية على الأسر البصرية وعلى الاقتصاد العراقي ككل.
يمثل الكرم جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والاجتماعية لأهل البصرة ، فهو وسيلة للتعبير عن الفخر والعزة وجزء من الموروث الشعبي الذي يعكس القيم الإنسانية والإسلامية التي تشدد على حسن استقبال الضيف وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه.
على سبيل المثال، أثناء بطولات كأس الخليج أو الفعاليات الدولية التي شهدتها البصرة مؤخرًا شاهد العالم أمثلة رائعة للكرم البصري، حيث قدم السكان الطعام والمأوى للضيوف مجانًا مما نال إعجاب الملايين وساهم في تحسين صورة العراق دوليًا.
ورغم هذه الصورة المشرقة فإن الكرم المفرط قد يفرض أعباءً وتحديات اقتصادية كبيرة خصوصًا إذا لم يكن مدروسًا على الأسر البصرية خاصة ذات الدخل المحدود وقد تشعر بالضغط للحفاظ على تقاليد الكرم المبالغ فيه مما قد يؤدي إلى استنزاف مدخراتها أو حتى اللجوء إلى الاقتراض لتغطية تكاليف الضيافة.
ان الكرم الكبير عندما يتم بشكل غير منظم أو عشوائي قد يؤدي إلى هدر الموارد خاصة في مدينة تعاني من تحديات مثل نقص الخدمات الأساسية وتدهور البنية التحتية ، وبدلاً من استخدام الموارد لتحسين الوضع المعيشي أو الاستثمار في مشروعات تعود بالنفع على الأسرة أو المجتمع قد تُنفق تلك الموارد على مناسبات ذات طابع اجتماعي فقط.
لا يعني الحديث عن الكرم المفرط الدعوة إلى إلغائه، بل إلى توجيهه بما يحقق فائدة أكبر للمجتمع ويمكن لأهل البصرة أن يحافظوا على كرمهم المعروف مع مراعاة التوازن الاقتصادي من خلال تنظيم الجهود المجتمعية
بدلًا من أن يتحمل الأفراد مسؤولية الكرم بشكل فردي ويمكن تنظيم جهود الضيافة والمساعدات من خلال جمعيات أهلية أو منظمات محلية تضمن توزيع التكاليف بعدالة.
ويمكن استغلال الكرم البصري في تعزيز السياحة المستدامة بشكل منظم على سبيل المثال ، إنشاء مبادرات ضيافة مدفوعة حيث يشارك الضيوف في تغطية بعض التكاليف مع الحفاظ على روح الكرم.
ويجب توعية الأسر بأهمية التخطيط المالي والادخار والذي يمكن أن يساعدها على تحقيق التوازن بين التقاليد الاقتصادية والتزاماتها المالية ، ويمكن للحكومة العراقية والمحلية أن تدعم السكان من خلال تحسين البنية التحتية وتوفير برامج دعم اجتماعي تقلل العبء على الأفراد.
ان الكرم المفرط، إذا أُدير بحكمة يمكن أن يتحول إلى أداة دبلوماسية ثقافية تعزز مكانة العراق عالميًا ، بعد ان اصبحت البصرة مركزًا للفعاليات الكبرى يمكنها استثمار هذا الكرم في خلق صورة إيجابية عن العراق ويعزز تدفق السياح والمستثمرين.
والخلاصة ان الكرم المفرط لأهل البصرة هو سيف ذو حدين فمن جهة، يعزز القيم الثقافية والإسلامية ويقدم صورة إيجابية عن العراق ، ومن جهة أخرى قد يشكل عبئًا اقتصاديًا على الأسر والمجتمع إذا لم يكن مدروسًا. لذلك من الضروري تحقيق توازن بين الحفاظ على هذه العادات العريقة وضمان الاستدامة الاقتصادية، من خلال توعية الأسر وتنظيم الجهود واستثمار هذا الكرم في مشروعات تعود بالفائدة على الجميع.