الحرية والمسرح الجديد (الشك – التمرد – الثورة)
اجنادين نيوز / ANN
د. صلاح حمادي الحجاج
ان مسألة (الحرية) كانت حجر الاساس التي من خلالها تم اعادة تشكيل المسرح، ولاسيما بعد ظهور حركة (اليسار الجديد) في فرنسا خلال الستينيات من القرن العشرين، بوصف ان المسرح الذي تأسس عليها او انطلق منها كان يتعكز على الحرية بصورة مباشرة، عكس ما كان سائدا قديما، اذ كان المسرح محكوما عليه بمجوعة من القوانين الخانقة، التي لا يجب على الفنان تخطيها، وذلك لان المؤلف كان محددا بمذاهب خاصة واشتراطات الزمان والمكان والموضوع، وكان المخرج مقيد بنظرية يجب ان تكون رؤيته الاخراجية داخل اروقتها ولا يمكن تجاوزها، والممثل كان عليه التحرك داخل علبة محددة بثلاثة جدران حقيقية وجدار رابع افتراضي لا يمكن اختراقه، او النفوذ من خلاله لمشاركة الجمهور. فقد عملت الحرية على اعادة تشكيل المسرح الجديد واحداث التغير الشامل من خلال ثلاثة محاور مهمة مكملة بعضها لبعض، فكانت الخطوة الاول او المحور الأول المهم هو (الشك) بمعنى أصبح أكثر المنظرين في مجال الفن يشكون بان هذا الفن القائم أصبح غير قادر على تحقيق غاياته بغض النظر إذا كان هذا الفن ينتمي للفن نفسه او للمجتمع، لأنه صار لا يتوافق مع متطلبات العصر الجديد ولا يتماشى مع التطور التكنولوجي الحاصل.اما الخطوة الثاني فقد كانت (التمرد)، اي التمرد على الظواهر الفنية القديمة ومحاولة التصدي لها وكشف زيفها او ضعفها، فقد طالت ظاهرة التمرد جل المذاهب المسرحية والنظريات الكبرى الاخرى التي كانت سائدة في ذلك الوقت. اما المرحلة الاخيرة او المحور الاخير فقد كان (الثورة) اي الثورة على القيود ومحاولة انهاء نفوذها وسيطرتها وسطوتها التي دامت طويلا، والعمل على استبدال الحكم من خلال الاتيان بنظريات ومذاهب جديدة تحل محلها وتكون قائمة بصورة مباشرة على مفهوم (الحرية)- الحرية في التأليف والاخراج والتمثيل، وكذلك حرية الزمان والمكان، التي من خلالها تم (اعادة تشكيل المسرح) برمته من خلال ظهور العديد من المسارح الجديدة مثل (المسرح البيئي) و (المسرح الحي) و (المسرح الثالث) و(مسرح الخبز والدمى) و(المسرح الحر) و(المسرح الشامل) تحت مسميات مسارح ما بعد الدراما وغيرها من المسارح التي دعت الى التحرر التام من القيود القديمة المفروضة، وكذلك دعت الى جانب مهم جدا وهو المواجهة المباشرة مع الجمهور، وكذلك انتقال الابداع من جانبه الفردي الى الجماعي.ومن خلال ما تقدم يمكن حصر اهم المنطلقات التي تأسس عليها المسرح الجديد او حركة اعادة تشكيل المسرح بمساعدة الحرية على النحو الات: 1-التحرر العام من كل القيود القديمة التي كانت تفرض على المنجز الفني./2-التوجه الى الابداع الجماعي وانهاء ظاهرة احتكار الابداع الفردي./3-اعادة احياء الطقوس من خلال العودة الى الاصول والجذور./4-التحرر والتخلي عن مسرح العلبة الايطالي المغلق، وانتقال العروض الى الساحات العامة الحرة./5-رفع الحواجز والقيود من خلال المواجهة المباشرة مع الجمهور بواسطة الحضور والتلامس وتبادل الادوار.اذ شكلت هذه النقاط جل الاهتمامات التي نادى بها المسرح الجديد ومن خلالها تم اعادة تشكيل المسرح وفق منطلق الحرية.