“خوفك من المزنجر إذا تلمعه الأيام”

اجنادين نيوز / ANN

سمير السعد

عبارة قديمة تختصر فلسفة الحياة، كانت تتردد على ألسنة العجائز في مجتمعاتنا قبل عقود. “المزنجر” يشير إلى ذلك السكين أو الأداة الحادة التي تبدو عادية في الاستخدام اليومي، لكنها تحمل في طياتها خطراً إن أسيء استخدامها أو غاب الحذر عنها. أمّا “تلميع الأيام”، فهو تعبير مجازي عن الظروف التي قد تجعل الأشياء تبدو مغرية أو بريئة أكثر مما هي عليه في الواقع.
كانت العجائز بارعات في اختزال الخبرة والحكمة في كلمات موجزة، أشبه بالأمثال، تحمل بين طياتها قصصاً وتجارب أعمق مما يبدو على السطح. تلك العبارة كانت تنبه الناس إلى الحذر من الأمور التي تبدو بسيطة وآمنة في ظاهرها، لكنها قد تحمل خطراً كامنًا إذا أسيء تقديرها أو استغلالها.
إذا تأملنا العبارة، نجد أن “المزنجر” ليس مجرد أداة حادة، بل يمكن أن يكون رمزاً لكل ما يحيط بنا في الحياة، سواء كان أشخاصاً، مواقف، أو حتى قرارات. فكثيراً ما تُخفي المظاهر الزاهية حقائق صادمة، وتغري الظروف أحياناً بالتساهل أو الغفلة عن الأخطار.
تُظهر هذه العبارة كيف أن الناس في الماضي كانوا ينظرون للحياة ببصيرة عميقة، رغم بساطة حياتهم. كان الخوف من “المزنجر” يمثل وعياً بمحدودية السيطرة البشرية أمام الطبيعة والظروف. كما أن “تلميع الأيام” يعبر عن إدراكهم لدور الزمن في تغيير الحقائق وإخفاء بعض الجوانب أو إظهارها.
ما زالت الحكمة الكامنة في تلك العبارة صالحة في عصرنا الحالي، بل قد تكون أكثر أهمية مع التعقيد المتزايد في حياتنا اليومية. “المزنجر” يمكن أن يكون التكنولوجيا، التي تُسهل حياتنا لكنها تحمل مخاطر كبيرة إذا أُسيء استخدامها. كما يمكن أن يشير إلى العلاقات التي تبدو مثالية لكنها قد تتحول إلى عكس ذلك إن لم يُحسن إدارتها.
تعلمنا عبارات الأجداد والعجائز أهمية الحذر، التفكير، والتأني. إنها تُذكّرنا أن الحكمة ليست حكراً على التعلم الأكاديمي، بل يمكن أن نجدها في الكلمات البسيطة التي تناقلها الناس جيلاً بعد جيل.
عبارة مثل “خوفك من المزنجر إذا تلمعه الأيام” تُظهر كيف كانت العجائز يستقين الحكمة من مراقبة التفاصيل الصغيرة للحياة، وكيف كانوا ينسجون منها دروساً تمس جوهر الإنسان. في الماضي، كان الوقت يُستهلك في التأمل والتفكر، بعيداً عن صخب العالم الحديث، مما أتاح لهم فرصة أعمق لفهم الطبيعة البشرية والعالم من حولهم.
أما اليوم، وسط الانشغال بالتكنولوجيا والوتيرة السريعة للحياة، نجد أنفسنا بحاجة ماسة إلى إعادة إحياء تلك البصيرة. فكم من أشياء تبدو لنا مغرية أو سهلة لكنها تحمل بين طياتها نتائج وخيمة إن لم نتعامل معها بحذر؟ التكنولوجيا، الإعلام، العلاقات الاجتماعية، وحتى الأحلام التي تبدو براقة—كلها “مزنجرات” حديثة تتطلب منا وعيًا وتفكّرًا.
ما يجعل هذه العبارات الشعبية مستدامة عبر الأجيال هو أنها ليست مقيدة بزمان أو مكان. الخوف من “المزنجر” الذي يلمعه الزمن هو دعوة للتفكير قبل الانجراف وراء المغريات. في عالم اليوم، يمكن أن تكون هذه العبارة منهجاً لتعليم الأجيال كيفية التحلي بالحكمة والقدرة على رؤية الحقيقة وراء البريق.
اخيرا .. عبارة مثل هذه ليست مجرد كلام عجائز، بل هي خلاصة تجارب عُمرية، رسائل موجزة لا تحتاج إلى خطب مطولة أو تعقيد فكري. إنها دعوة مفتوحة لكل جيل ليتأمل في كيفية التعامل مع الحياة. فالمزنجر الذي يلمعه الزمن قد يظل أداة نافعة في يد الحذرين، ولكنه قد يصبح جرحاً عميقاً لمن يغفل عن حقيقة بريقه.
فلنتعلم من تلك الكلمات البسيطة أن الحذر، الفطنة، والتأني ليست ضعفاً، بل هي درع الإنسان في وجه تقلبات الزمن ومفاجآته.

زر الذهاب إلى الأعلى