“عندما يبحر الشعر بلا عناوين: قراءة في وشم فالنتينا يوارش”
اجنادين نيوز / ANN
داود الفريح
عندما زرت أربيل مؤخرا كان لي لقاء جميل مع الشاعرة الجميلة فالنتينا يوارش رغم أنه كان لقاء سريعا لكنه مليئا بالمحبة والدفء تبادلنا خلاله المنجزات الأدبية أهدتني مجموعتها الشعرية “وشم على ظهر قارب” وأهديتها “ساعة مقتل الفئران” و”يوميات سائق تكسي” لم أكن أتوقع أنني سأجد في المجموعة هذه التجربة العميقة التي تجاوزت كل التوقعات
فما لفتني حقيقة في هذه المجموعة أن جميع القصائد بلا عناوين وهو أمر غير مألوف في قصيدة النثر هذا الغياب يجعل القارئ يدخل مباشرة إلى النص دون أي مقدمات وكأن الشاعرة أرادت أن تجعل النصوص مفتوحة على التأويل دون أن يحدها إطار العنوان القرار جريء لكنه يجعل القراءة أكثر تفاعلا حيث يضعك وجهًا لوجه مع الكلمات
وان أكثر ما يميز هذه المجموعة بساطة النصوص التي تخفي وراءها عمقًا شعوريا كبيرا مثل هذا النص
هو يجيد قطف التوت
يحلم أن يصبح غنيًا
ويملأ الأنهار مياهًا
هو عاشق للنخيل
مغرم بجمع الآس
بارع في إخفاء تلك الأسرار
التي تبوح بها الأشجار
وأنا ما زلت امرأة
في مقتبل الشعر
أنوء بكلماتي
وأفصح عن وجعي
لمهب الريح
هذا النص وجدته ينتقل بين “هو” و”أنا” كأنه يصف علاقة جدلية بين الانسجام مع العالم والبوح الذي يكشف الوجع الداخلي “هو” يبدو متماسكا يعيش تفاصيل الحياة البسيطة بينما “أنا” تعيش حالة انكشاف وضعف تجعلها متأرجحة في الريح
وفي نص آخر
حقائب سفر كثيرة
ولا طريق
يوصلني إليك
النص وضعني أمام مفارقة مؤلمة الوسائل متوفرة لكن الغاية غائبة أو مستحيلة حقائب السفر التي تمثل أدوات الحركة تفقد معناها بغياب الطريق وكأن الشاعرة ترسم مشهدا عن العجز رغم كل المحاولات
وفي نص آخر
الشيزوفرينيا
هي أن أقرر مساء
قطع كل السبل المؤدية إليك
ومع شروق الشمس
أكتب لك صباحي أنت
النص يعبر عن تناقض عاطفي نعيشه جميعا بين قرار النسيان مساءً وشوق الصباح الذي يعيد بناء كل شيء وكأننا لا نملك من مشاعرنا شيئا النص بسيط لكنه يحمل معنى عميقًا عن الصراع الداخلي بين العقل والعاطفة
وفي الختام مجموعة “وشم على ظهر قارب” ليست مجرد قصائد بل هي لحظات شعرية تفتح بابا للقارئ ليتأمل ذاته وحياته غياب العناوين يمنح النصوص حرية إضافية لكنه يضع القارئ أمام تحدي قراءة النصوص بمعزل عن أي توجيه إنها تجربة شعرية مليئة بالعمق والصدق تستحق القراءة والتأمل.