“العلاقات الصينية الموريتانية: من تاريخ عريق إلى شراكة استراتيجية لمستقبل مشرق”

اجنادين نيوز / ANN
حامدن محمدالأمين اسعيد _موريتانيا

-تشكل العلاقات الصينية الموريتانية مثالاً حياً على التعاون الثنائي العميق والمتعدد الأبعاد، إذ بدأت هذه العلاقات قبل أكثر من نصف قرن، وبالتحديد بعد خمس سنوات فقط من استقلال موريتانيا.

ففي 19 يوليو 1965 انطلقت بذور العلاقة، وتلتها بعثة الصين الأولى إلى موريتانيا في 6 مايو 1966، لتتوج جهود الطرفين باتفاقية تاريخية عام 1967 شملت مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري.

منذ ذلك الحين، شهد التعاون تطوراً ملحوظاً؛ فقد ارتفع حجم التبادل التجاري من نحو 30 مليون دولار سنوياً في عام 2000 إلى ملياري دولار في عام 2020، حيث أصبحت موريتانيا تصدر إلى الصين المواد الخام والأسماك. ومنذ عام 2009، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لموريتانيا في تصدير خام الحديد، إذ تمثل نحو 70% من صادرات هذا المنتج الحيوي، كما تعدّ الوجهة الرئيسية لصادرات للشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم ” ، إذ بلغت حصتها 54% من إجمالي صادرات الحديد عام 2020.

ولم يقتصر التعاون على التجارة فقط، بل شمل أيضاً تنفيذ مشاريع تنموية واستثمارية ضخمة على أرض الواقع.

فقد نفذت الصين في موريتانيا“75” مشروعا في شتى المجالات بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار، 80% منها هبات ومنح، وتراكمت الاستثمارات الصينية بما يقارب 320 مليون دولار أمريكي.

كما برز حضورها في قطاع الصيد، إذ استثمرت شركات صينية نحو 200 مليون دولار وتمتلك قرابة 200 سفينة صيد في المياه الموريتانية، ما أسهم في خلق نحو ألفي فرصة عمل وتطويرٍ للكفاءات الوطنية.

ولا تقتصر العلاقة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى البنية التحتية والخدمات؛ فقد ساهمت الصين في إنشاء ميناء الصداقة وميناء إنجاغو، والملاعب الرياضية والمباني الوزارية، إضافة إلى مشاريع صحية مثل مستشفى كيفة، كما دخلت بقوة في القطاع المالي عبر شبكة الدفع UPI التي تتيح قبول البطاقات البنكية العالمية.

وعلى الصعيد العسكري، تستمر المعاملات الاقتصادية في مجال الأسلحة والمعدات، فيما وقع البلدان مذكرة تفاهم حول بناء جسر الصداقة وقدمت بالمقابل 650 مليون أوقية كهبة، وهو ما يقدر بـ18.3مليون دولار ، في سبتمبر 2018.

ترى الصين في موريتانيا شريكاً استراتيجياً رئيسياً، ليس فقط لتوفير المواد الخام الحيوية مثل خام الحديد، بل أيضاً لموقعها الجغرافي الفريد الذي يجعلها جسرًا يربط بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين. فهذا الموقع الاستراتيجي يؤهل موريتانيا لتكون حلقة وصل تعيد إحياء التجارة عبر الصحراء وتدعم النهضة الاقتصادية الإقليمية، مسهمة بذلك في تنويع مصادر الاقتصاد الوطني وكسر معادلة الاعتماد على أسعار المواد الخام.

ومن هنا، وبناءً على نتائج قمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي التي اختتمت مؤخراً في بيكين 2024، يبرز اقتراح توسيع التعاون في مجال التكوين المهني والتقني، عبر إنشاء مراكز تعليمية متطورة تُستمد خبرتها من “ورشات لوبان” الصينية، بهدف نقل أحدث التقنيات وتطوير المهارات الوطنية.

كما عبّر السفير الموريتاني لدى الصين ، ولد الخراشي، في مقاله “يداً بيد لدفع العلاقات الصينية الموريتانية نحو مستقبل مشرق”، عن مدى أهمية موريتانيا في المشهد الإقليمي، معتبراً إياها لاعباً أساسياً في شمال وغرب إفريقيا، وموطناً لاستراتيجيات الصين في تأمين الموارد وتنويع مصادرها.

إن هذا التعاون الشامل والملموس بين الصين وموريتانيا يُعد نموذجاً يُحتذى في شراكة تنموية متوازنة، تجمع بين الاستثمارات الضخمة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز القدرات البشرية، مما يمهد الطريق لمستقبل مشرق يعمّ بالنمو والازدهار على المستويين الوطني والإقليمي.

زر الذهاب إلى الأعلى